الحمد لله، وصلى الله على محمد رسول الله، وبعد.. فالمختصر في التفسير كتاب أصدره مركز تفسير ، وانتشر انتشاراواسعا ، وقد رأيت فيه أشياء، ربما حسن التنبيه عليها ليتم تلافيها في الطبعات التاليةإن أمكن بإذن الله.
وليعذرني الأخوة في عدم الترتيب ، فسأكتب ما صادفني ، وسأزيد فيه كلما سمح لي الوقت .
فمن ذلك: قوله تعالى( وجئنا ببضاعة مزجاة) قال في المختصر"وأتينا ببضاعة حقيرة زهيدة" ففسر مزجاة بالحقيرة الزهيدة ، وأرى تجنب استعمال كلمة "حقيرة" لعدة أسباب :
1-لأن أصل الحقارة : الذل ، قال في تهذيب اللغة (4/ 24)
حقر: الحَقْرُ فِي كل الْمعَانِي: الذِّلَّةُ. تَقول: حَقَر يَحْقِر حَقْراً وحُقْرِيَّة وَكَذَلِكَ الاحتقار، واسْتَحْقَرَه: رَآهُ حَقِيراً"
2-ولما توحي به هذه الكلمة في العصر الحديث من معنى السب والشتم .
3- ولأنها لم ترد في شيء من التفاسير ، بل كانت عبارتهم كما يلي:
غريب القرآن لابن قتيبة (ص: 222){بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} أي: قليلةٍ؛ ويقال: رَدِيئة
تفسير الطبري (16/ 234)عن ابن إسحاق قال، وخرجوا إلى مصر راجعين إليها= (ببضاعة مزجاة) : أي قليلة، لا تبلغ ما كانوا يتبايعون به
تفسير البغوي (2/ 511) :مزجاة، أي: قليلة رديئة كاسدة لا تنفق في ثمن الطعام إلا بتجوز من البائع فيها
تفسير السمعاني (3/ 60)عن مجاهد وقتادة: مزجاة: قليلة يسيرة
فالأولى أن يقال : "قليلة رديئة" بدل " حقيرة زهيدة"
إذ إن كلمة زهيدة أيضا فيها شيء من الغرابة عند عامة الناس .
ومن ذلك : قوله تعالى( والطير محشورة) فسره المختصربقوله : " وسخرنا الطير محبوسة في الهواء" وهي عبارة ابن كثير انفرد بها ، ولم أجدها عند غيره ، وفيها غرابة لا تخفى ، وعبارات المفسرين كما يلي: تفسير الطبري (21/ 169)محشورة بمعنى: مجموعة له; ذكر أنه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كان إذا سبح أجابته الجبال، واجتمعت إليه الطير، فسبحت معه واجتماعها إليه كان حشرها.... عن قتادة (وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً) : مسخَّرة. تفسير الثعلبي (8/ 183)الطير مَحْشُورَةً : مجموعة الهداية الى بلوغ النهاية (12/ 8077){والطير مَحْشُورَةً} [ص: 19]، أي: مجموعة. التفسير الوسيط للواحدي (3/ 544)كأنه قال: وسخرنا الطير، محشورة مجموعة إليه تسبح لله معه تفسير السمعاني (4/ 430)وقوله: {محشورة} مجموعة تفسير البغوي - طيبة (7/ 76)قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالطَّيْرَ} أَيْ: وَسَخَّرْنَا لَهُ الطَّيْرَ، {مَحْشُورَةً} مَجْمُوعَةً إِلَيْهِ تُسَبِّحُ مَعَهُ، تفسير القرطبي (15/ 161)المعنى وسخرنا الطير مجموعة إليه لتسبح الله معه.
فالأولى أن يقال : "مجموعة إليه تسبح الله معه" بدل " محبوسة في الهواء"
ومن ذلك: قوله تعالى:{فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61) قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (62) قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ } [الحجر: 61 - 63]
قال في المختصر :
61 - فلما قدم الملائكة المرسلون إلى آل لوط في صور رجال.
قلت: الأولى أن يقال: " قدمت الملائكة"
62 - قال لهم لوط - عليه السلام -: قوم غير معروفين.
قلت:سقط منه قوله "إنكم"
63 - قال الرسل من الملائكة للوط: لا تخف، بل جئناك -يا لوط- بما كان يشك فيه قومك من العذاب المهلك لهم.
قلت: الأولى أن يقال " قالت الرسل"
وأما قوله : " لا تخف، بل جئناك" فقد أفسد المعنى ، وفيه ركاكة ؛ لأن الاضراب ليس عن خوفه؛ بل عن إنكاره إياهم ، قال الزمخشري (2/ 583): قوله ( بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ) أى ما جئناك بما تنكرنا لأجله، بل جئناك بما فيه فرحك وسرورك وتشفيك من عدوّك"
65 - فَسِرْ بأهلك بعد مُضِي جانب من الليل، وسِرْ خلفهم، ولا يلتفت أحد منكم إلى الوراء لينظر ما حل بهم، وامضوا إلى حيث أمركم الله أن تمضوا.
قلت: فيه تكرار غير محمود لقوله "فسر بأهلك .. وسر خلفهم" وعبارة ابن عطية (3/ 368) أحسن حيث قال: (وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ) أي كن خلفهم وفي ساقتهم حتى لا يبقى منهم أحد ولا يتلوى"
وقال السمرقندي (2/ 259): وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ يقول: امش وراءهم
وقال الثعلبي (5/ 345):(وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ) أي كن وراءهم.
....يتبع
ومن ذلك قوله تعالى {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} [الحجر: 85]
قال في المختصر: 85 - وما خلقنا السماوات والأرض وما خلقنا ما بينهما باطلًا دون حكمة، ما خلقنا كل ذلك إلا بالحق"
قلت : كرر " ما خلقنا" ثلاث مرات ، وهو غير مستحسن .
وعبارة الطبري أحسن حيث يقول (17/ 127): وما خلقنا الخلائق كلها، سماءها وأرضَها، وما فيهما وما بينهما، إلا بالعدل والإنصاف، لا بالظلم والجور.
وقال السمرقندي (2/ 261): أي: لينظر عبادي إليها فيعتبروا. ويقال: وما خلقناهما إلا عذراً وحجة على خلقي
وقال الواحدي في الوجيز (ص: 597)أي: للثَّواب والعقاب أُثيب مَنْ آمن بي وصدَّق رسلي وأعاقب مَنْ كفر بي والموعد لذلك السَّاعة وهو قوله تعالى: {وإنَّ الساعة لآتية} .
ومن ذلك قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87)
قال في المختصر:
87 - ولقد أعطيناك الفاتحة التي هي سبع آيات، وهي القرآن العظيم.
قلت: لم يفسر كلمة " المثاني" وهي الكلمة الغريبة في الآية.
قال ابن قتيبة (ص: 35)
آيات سورة الحمد. سمَّاها مثاني لأنها تثنَّى [أي تكرر] في كل صلاة .
... يتبع
ومن ذلك قوله تعالى: (وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (89)- الحجر
قال في المختصر : وقل إني أنا النذير من العذاب، البين النذارة"
قلت: وهي عبارة ابن كثير ، وهي محمولة على أن " المبين" من الفعل أبان اللازم بمعنى ظهر ، والمعنى عليه " أنا النذير الواضح" وهو معنى لم أر أحدا من المفسرين قاله قبل ابن كثير رحمه الله ، وكلام عامة المفسرين قبله على أنه من "أبان" المتعدي الذي هو بمعنى أوضحَ وأظهرَ ، فيكون المعنى عليه "أنا النذير الموضح والمظهر لكم ما أحل الله وما حرم ...الخ"
قال الطبري (17/ 142) : وقل يا محمد للمشركين: إني أنا النذير الذي قد أبان إنذاره لكم من البلاء والعقاب أن ينزل بكم من الله على تماديكم في غيكم
التفسير الوسيط للواحدي (3/ 52) :{وقل إني أنا النذير المبين} [الحجر: 89] قال ابن عباس: أنذركم بسخط الله وعذابه، وأبين لكم ما يقربكم إلى الله
تفسير السمعاني (3/ 152) {وقل إني أنا النذير المبين} للحق.
تفسير الزمخشري (2/ 589) وَقُلْ لهم إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ أنذركم ببيان وبرهان أنّ عذاب الله نازل بكم.
اللباب في علوم الكتاب (11/ 490)ومعنى «المُبِين» الآتي بجميع البيِّنات الوافية.
تفسير النيسابوري (4/ 235)ويدخل في كونه مبينا كونه شارحا لجميع مراتب أهل التكاليف من الجنة والنار
تفسير أبي السعود (5/ 89)(وقل إنى أنا النذير المبين) أي المنذر المظهر لنزول عذاب الله وحلوله
فتح القدير للشوكاني (3/ 171) وقل إني أنا النذير المبين أي: المنذر المظهر لقومه ما يصيبهم من عذاب الله
تفسير الألوسي (7/ 323) وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ أي المنذر الكاشف نزول عذاب الله تعالى ونقمه المخوفة بمن لم يؤمن.
ومن ذلك قوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) ) المؤمنون
قال في المختصر :"...فمن طلب الاستمتاع بما عدا الزوجات أو إمائه اللاتي يملكها فهو متجاوز لحدود الله"
والصواب " اللاتي يملكهن" فإنهن جمع .
ومن ذلك قوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ )
قال في المختصر : "ولقد خلقنا أبا البشر آدم من طين، أخِذت تربته من خلاصة استُخْرِجت من ماء مختلط بتربة الأرض."
ولا يخفى ما فيه من ركاكة في التعبير وتعقيد.
ومن ذلك قوله تعالى: (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا)
قال في المختصر: "فخلقنا قطعة اللحم تلك عظامًا مُتَصَلِّبة"
ولا يخفى ما في كلمة متصلبة من إيهام بالمرض المعروف بتصلب العظام فالأولى الاستبدال بها ، خاصة وأنها لم ترد عند أحد من المفسرين غير الشوكاني ، وعبارته: فخلقنا المضغة عظاما أي: جعلها الله سبحانه متصلبة لتكون عمودا للبدن" ويعني بها صلبة قوية قادرة على تحمل البدن ، ولكنها توحي اليوم بمعان مَرَضية غير مقصودة بالتأكيد، ولا بد في التفسير من مراعاة عرف التخاطب في كل عصر خاصة فيما يكتب لعوام الناس .
ومن ذلك قوله تعالى :أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69)
قال في المختصر: أم إنهم لم يعرفوا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - الَّذي أرسله الله إليهم، فهم منكرون له، لقد عرفوه وعرفوا صدقه وأمانته."
ففسر قوله تعالى(فهم له منكرون) بقوله"فهم منكرون له" وكأنه رأى أنها واضحة لا تحتاج إلى تفسير ، وليس الأمر كذلك ، لأن معنى الإنكار عند الناس اليوم " الجحود" وليس هو المراد في الآية؛ بل المراد الجهل به وعدم المعرفة، وهو أصل معناه في لغة العرب .
وقال الراغب (ص: 823):الإِنْكَارُ: ضِدُّ العِرْفَانِ. يقال: أَنْكَرْتُ كذا، ونَكرْتُ، وأصلُه أن يَرِدَ على القَلْبِ ما لا يتصوَّره، وذلك ضَرْبٌ من الجَهْلِ. قال تعالى: (فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ) [هود/ 70] ، (فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ).
وقال السعدي (ص: 555):
"أو منعهم من اتباع الحق أن رسولهم محمدا صلى الله عليه وسلم غير معروف عندهم فهم منكرون له؟ يقولون لا نعرفه ولا نعرف صدقه دعونا حتى ننظر حاله ونسأل عنه من له به خبرة" .
ومن ذلك قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ } [المؤمنون: 57]
قال في المختصر: "إن الذين هم مع إيمانهم وإحسانهم وجِلون من ربهم."
قلت : تفسيره " من خشية ربهم مشفقون" بـ " وجلون من ربهم" ، ليس بسديد ، إذ إن (من) في قوله (من خشية ربهم ) للتعليل ، و المراد أنهم بسبب خشيتهم ربهم وتعظيمهم إياه خائفون من عقابه.
وتلك أقوال المفسرين:
التفسير الوسيط للواحدي (3/ 292): المعنى أنهم لما هم عليه من خشية الله خائفون من عذابه.
تفسير البغوي - (3/ 368): والمعنى أن المؤمنين بما هم عليه من خشية الله خائفون من عقابه
تفسير الإيجي جامع البيان في تفسير القرآن (3/ 89):أي: حذرون عن معاصيه من أجل خشية ربّهم يعني: خشيتهم علة لاجتناب المعصية، أو معناه حذرون من خوف عذابه
التحرير والتنوير (18/ 77): (من) في قوله من خشية ربهم للتعليل. والإشفاق: توقع المكروه ، ... أي يتوقعون غضبه وعقابه.
ثم فسر المختصر " مشفقون " ب"وجلون" والوجل كلمة غريبة عند العامة تحتاج إلى تفسير ، فلو قال خائفون لكان أولى.
فتح القدير للشوكاني (3/ 578) : الإشفاق: الخوف، تقول أنا مشفق من هذا الأمر، أي: خائف.
ومن ذلك قوله تعالى :{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60)
قال في المختصر : والذين يجتهدون في أعمال البر، ويتقربون إلى الله بالأعمال الصالحة وهم خائفون ألا يتقبل الله منهم إنفاقهم وأعمالهم الصالحة إذا رجعوا إليه يوم القيامة".
قلت: هذا التفسير فيه نظر من وجهين :
الأول: تفسيره قوله تعالى (يؤتون ما آتوا ) بالأعمال الصالحة مطلقا ، وجمهور المفسرين على تفسيره بالصدقة ؛ لما أن الإيتاء في اللغة الإعطاء.
قال الطبري : (19/ 44)والذين يعطون أهل سُهْمان الصدقة ما فرض الله لهم في أموالهم. (مَا آتَوْا) يعني: ما أعطوهم إياه من صدقة، ويؤدّون حقوق الله عليهم في أموالهم إلى أهلها ...عن ابن عمر: (يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) قال: الزكاة. ..عن مجاهد: (وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) قال: المؤمن ينفق ماله وقلبه وَجِل. ..
تفسير السمرقندي = بحر العلوم (2/ 484): يعني: يعطون ما أعطوا من الصدقة والخير.
تفسير الثعلبي (7/ 50): (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا )يعطون ما أعطوا من الزكوات والصدقات.
الوجيز للواحدي (ص: 749):{والذين يؤتون ما آتوا} يُعطون ما يُعطون.
البحر المحيط في التفسير (7/ 569) أي يعطون ما أعطوا من الزكاة والصدقات
تفسير الألوسي (9/ 244): أي يعطون ما أعطوا من الصدقات
فإن قيل قد روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية" والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة 60" قالت عائشة: أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: "لا يا بنت الصديق ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون ألا يقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات" قلت : الأقرب أن ذلك تفسير قراءة (يأتون ما أتوا) ، قال في تفسير القرطبي (12/ 133)قال النحاس: المعروف من قراءة ابن عباس" والذين يأتون ما أتوا" وهي القراءة المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عائشة رضي الله عنها، ومعناها يعملون ما عملوا، كما روي في الحديث."
وقال الألوسي (9/ 244): وقرأت عائشة وابن عباس وقتادة والأعمش والحسن والنخعي
"يأتون ما أتوا" من الإتيان لا الإيتاء فيهما، وأخرج ابن مردويه وسعيد بن منصور عن عائشة أنه صلّى الله عليه وسلّم قرأ كذلك ، وأطلق عليها المفسرون قراءة رسول الله عليه الصلاة والسلام يعنون أن المحدثين نقلوها عنه صلّى الله عليه وسلّم ولم يروها القراء من طرقهم والمعنى عليها يفعلون من العبادات ما فعلوه"
فالأولى متابعة ما عليه الجمهور .
والثاني: تفسير المختصر قوله تعالى ( وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون) بـ "وهم خائفون ألا يتقبل الله منهم ... إذا رجعوا إليه يوم القيامة."
وهو غير سديد أيضا ، لما أن هذا التفسير لا يخرج عن معنيين ، كلاهما فاسد :
الأول : أن يكون قوله " إذا رجعوا إلى ربهم " متعلقا ب"خائفون" والمعنى :هم خائفون إذا رجعوا إلى ربهم ، ولا يخفى فساده ، إذ إن قوله تعالى(وقلوبهم وجلة ) حال من الفاعل في قوله (يؤتون ما آتوا) فخوفهم إنما هو في الدنيا حال كونهم يؤتون ما آتوا.
والثاني: أن يكون متعلقا بقوله "ألا يتقبل منهم" والمعنى ألا يتقبل منهم إذا رجعوا إليه. ولا تحتمله الآية ، إذ لا يصح أن يقال " وقلوبهم خائفة ألا يتقبل منهم أنهم إلى ربهم راجعون" !
بل المراد : وقلوبهم خائفة من أنهم إلى ربهم راجعون ، أو لأنهم إلى ربهم راجعون
وتلك أقوال المفسرين :
قال الطبري (19/ 44):(وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) يقول: خائفة من أنهم إلى ربهم راجعون، فلا ينجيهم ما فعلوا من ذلك من عذاب الله، فهم خائفون من المرجع إلى الله
الهداية الى بلوغ النهاية (7/ 4977):{وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} أي: خائفة من أنهم إلى ربهم راجعون،
الوجيز للواحدي (ص: 749):{وقلوبهم وجلة} خائفةٌ أنَّ ذلك لا يُقبل منهم وقد أيقنوا أنَّهم إلى ربِّهم صائرون بالموت
تفسير السمعاني (3/ 480):وقوله: {وقلوبهم وجلة} أي: خائفة.وقوله: {أنهم إلى ربهم راجعون} . أي: لأنهم إلى ربهم راجعون،
تفسير القرطبي (12/ 133) : (أنهم) أي لأنهم، أو من أجل (أنهم إلى ربهم راجعون) 60.
البحر المحيط في التفسير (7/ 569):أي وجلة لأجل رجوعهم إلى الله أي خائفة لأجل ما يتوقعون من لقاء الجزاء.
ومنه قوله تعالى : {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (41)
قال في المختصر: "فأخذهم صوت شديد مُهلك باستحقاقهم العذاب لتعنُتهم، فصيّرتهمهلكى مثل غثاء السيل، فهلاكًا للقوم الظالمين".
وفيه نظرمن وجهين:
الأول: أنه ينبغي للمفسر أن يصرح بما أضمر في الآية وينبه إلى المحذوف ليفهم المعنى ، و قد أهمل "المختصر" ذلك حين فسر قوله تعالى " فبعدا للقوم الظالمين" بقوله "فهلاكا للقوم الظالمين" فلم يذكر الفعل الناصب المحذوف. خاصة وأنه سيترتب على ذكره معرفة إن كانت الجملة خبرا أو دعاء.
الثاني: أن قوله "فهلاكا للقوم الظالمين" لا يجتمع مع قوله "فصيرتهم هلكى" إذ لا معنى للدعاء عليهم بالهلاك بعد أن صيرهم هلكى.
وفي عبارات المفسرين ما يُسَلّم من هذا الاشكال كما يلي :
تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (19/ 33)
فأهلكناهم فجعلناهم كالشيء الذي لا منفعة فيه. (فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) يقول: فأبعد الله القوم الكافرين بهلاكهم؛ إذ كفروا بربهم، وعصوا رسله، وظلموا أنفسهم.
الهداية الى بلوغ النهاية (7/ 4966): وقوله تعالى: {فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ الظالمين}. أي: أبعد الله القوم الكافرين بهلاكهم إذا كفروا بربهم فأبعدهم من كل خير ومنفعة.