تفسير آية في مجلس

إنضم
04/09/2008
المشاركات
80
مستوى التفاعل
1
النقاط
8
حفل التراث الإسلامي بكثير من المجالس العلمية التي تتمخض عن آراء جيدة في علوم مختلفة ، وليس ذكر هذه الأقوال والآراء وقفا على مجالس العلم وحدها ، فقد يظهر الرأي الجيد والقول المقبول في مجلس من غير مجالس أهل العلم ، ومن ذلك ما دار في مجلس من المجالس ؛ إذ كنت في زيارة مريض ، وقد نقلت وسائل الإعلام المصرية نبأ قيام رئيس الدولة الجديد بأداء صلاة الفجر ، وهذا ـ لعمري ـ أمر عجيب يستحق الحديث عنه ، فأخذ الناس يتحدثون ـ متعجبين ـ عن رئيس مصر الذي يصلي ، لا بل يصلي الفجر في موعده ، وكان من الحضور من تفكر قليلا ، كأنه يستذكر شيئا نسيه ، ثم تلا علينا قوله تعالى : (الذين إن مكناهم في الأرلاض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر) ، وبعد أن فرغ من تلاوة الآية الكريمة عقّب قائلا : إن أول شيء ينبغي أن يفعله الإنسان بعد التمكين له في الأرض أن يحرص على إقامة الصلاة ، وأفاض في الحديث عن الصلاة ومكانتها وعظيم أجرها وجزيل ثوابها ، واستحسن الحاضرون ما قاله الرجل ، ولكن واحدا من هؤلاء الحاضرين لم يعجبه الاستدلال بهذه الآية الكريمة وقال : إن الاستدلال بهذه الآية الكريمة ربما يوحي بأن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يكون شيء من ذلك إلا بعد التمكين . وهنا تدخل أحد الحاضرين قائلا : وربما فتح هذا المعنى الباب أمام الكسالى ، فامتنعوا عن هذه العبادات ؛ لأنهم ينتظرون التمكين ، ولا تكون هذه العبادات إلا بعد التمكين . وأصبح الحاضرون في حيرة من الأمر حتى فاجأهم أحد مدرسي اللغة العربية ، وهو ممن يقرأون مغني اللبيب لابن هشام ، ويستحضرون أقواله ، فقال : إن عندي في الآية قولا أحسب أنه صحيح ، وهو يتفق مع ما قاله ابن هشام في المغني ، فاشرأبت أعناق السامعين وأرهفوا آذانهم ، وقالوا للأستاذ : هات ما عندك ، فقال : لقد ذكر ابن هشام الأنصاري ـ رحمه الله ـ في كتابه (مغني اللبيب) أن الفعل يعبر به عن أمور : منها إرادة الفعل ، وأغلب ما يكون ذلك عندالشرط ، وأخذ يضرب الأمثلة ، ومنها قوله تعالى : إذا قمتم إلى الصلاة ، فالمعنى إذا أردتم القيام للصلاة ، وقوله تعالى : فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ، والمعنى : إذا أردت قراءة القرآن فاستعذ . وبناء على ما سبق يكون معنى قوله تعالى : (الذين إن مكناهم في الأرض ) : الذين إن أردنا تمكينهم في الأرض أقاموا الصلاة ...... والذي يُفهم من ذلك أن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كلها مسوغات للتمكين ، فهي من صفاتهم قبل أن يمكنوا . وارتاح السامعون لهذا التحليل النحوي ، وظن كثير منهم أن القول انتهى عند هذا الحد ، ولكن أحد الحاضرين قد أضاف جديدا وقدم مفيدا ؛ إذ قال : إن هذا القول قول جيد ، ولكن أحب أن أضيف إليه شيئا ، وهو أن قول الله تعالى : أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهو عن المنكر ، يجوز أن يكون معناه : داوموا على ذلك ، كما في قوله تعالى : يا أيها النبي اتق الله ، والمراد : دم على تقواه ، وحشد لذلك بعض الآيات ، ثم قال : وبناء على ما تقدم تكون إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من صفات القوم قبل أن يمكن الله لهم في الأرض ، وبعد أن يمكن لهم فيها .
هذه خلاصة مجلس قيل فيه ما قيل ، وقد رأيت أن أنقل خلاصته إلى أهل التفسير ؛ لعلهم يفيدوننا بالجديد المفيد . والله الموفق
 
بارك الله فيك أيها الأخ النحوي العزيز على هذه الخلاصة الماتعة لهذا المجلس الرائع ، وخير المجالس ما كان موضوعه العلم ، والتفقه في مسائله ، ولا سيما إن كان ذلك في نقاش معاني ودلالات الآيات القرآنية . وقد كان مجلساً علمياً بأدلة أظهرها كل مناقش من الحضور ، وقد أعجبني ما قاله الأخيران وفقهما الله .
وفي استنباط الأول منهما وجاهة من حيث ضرورة إيلاء الصلاة وإقامتها عناية بالغة كبيرة ، شكراً على هذه النعمة بالتمكين ، فالتقديم لإقامة الصلاة له دلالته التي لا تخفى ، ولكن ليس معنى ذلك أنه ينبغي أن يكون هو أول الأعمال بعد التمكين ؛ إذ إقامة الصلاة لا بد منه في كل أحوال المسلم سواء مكَّن الله له في الأرض أم لا .
 
عودة
أعلى