ثمرات التوحيد

إنضم
18/04/2012
المشاركات
3,483
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
جدة
ثمرات التوحيد

عبد العزيز كحيل


عندما سادت ثقافة عصور التخلف
أصبح التوحيد
_وهو الركن الركين
وقطب الرحى في العقيدة الإسلامية_

أقرب إلى مباحث لاهوتية ومسائل كلامية
لا تبعث على الحركة والإيجابية

لهذا يجب الرجوع إلى المعنى الأصيل للتوحيد

وهو معنى حي لخدمة المسلم في تعبده لله
وخدمة الإسلام وإصلاح الآفاق والأنفس
بأحكامه وآدابه ،

وإذا تجاوزنا التعقيدات الكلامية
واستقينا المفاهيم من القرآن والسنة

فإن التوحيد يبدو لنا حركة إيجابية
تربط المسلم بربه
وبغيره من الناس
وكذلك بالكون.


قال تعالى:

{ وما أرسلنا من قبلك من رسول

إلا نوحي إليه

أنه لا إله إلا أنا
فاعبدون
}.

 
علاقة الإنسان بالله:


إذا صلحت هذه العلاقة وتمتنت
أثمرت الحرية في أبهى صورها،

ذلك أن من رضي بالله ربًّا
وفهم معنى "لا إله إلا الله"
تحرر من جميع قيم الأرض وقيودها

وغدا خاضعاً لله وحده
محبًا له
غير مبال بأسباب الرغبة والرهبة

إلا ما كان في الله
ومنه سبحانه وتعالى.
 
إن الموحد ليس فيه شركاء متشاكسون
إنما هو سلم لواحد هو الله

وبذلك يعيش في طمأنينة تامة
لا تتجاذبه تيارات مختلفة
ولا تؤرقه شخصية ممزقة،
 
وصدق شيخ الاسلام ابن تيمية
رحمه الله إذ قال:


"فإن العبودية لله هي عين الحرية."...

أجل ،

الموحد حر لا يخاف على أجله
و لا على رزقه

فكيف يذل من أجلهما لغير ربه ؟
 
إن هذا التحرر الوجداني الذي تنشئه
عقيدة التوحيد

يبعث في حياة المسلم طاقة إيجابية هائلة

تجعله يعبد ويبني ويصنع الحياة

ولا يرهب لقاء الله

بل يكون شعاره

" الله غايتنا وخير الأيام يوم لقائه " ،

 
كما أن التوحيد يتيح للمؤمن
مقاييس ربانية وموازين سماوية
يحاكم اليها جميع حركاته واختياراته
من حب وبغض
وجمال وقبح
وولاء وبراء

ويعمر قلبه بالخوف
والرجاء
والمراقبة
والتوكل
والإخلاص


ونحوها من القيم الرفيعة
التي تجلب
رضا الله سبحانه
 
علاقة الإنسان بالإنسان:


إذا استشعر المؤمن وحدانية ربه

وهيمنته تعالى على الخلق

والغرض الذي أنشأهم من أجله

كان الأصل في علاقته بغيره من الناس

هو الحب والتجاوب والتعاون

باعتبار أن الناس لآدم وآدم من تراب

بناءً على ذلك الوجدان الحي الحر المطمئن

الذي أثمره فيه توحيده لله،

وهذا سواء بالنسبة لمجال أصرة العقيدة

أو مجال أصرة الإنسانية

لأن الأولى وإن كانت أهم وأوثق

إلا أنها لا تلغي الثانية ولا تهمشها


{ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين

ولم يخرجوكم من دياركم

أن تبروهم وتقسطوا إليهم

إن الله يحب المقسطين }
 
التوحيد هنا يعني
خضوع كل الناس طوعاً أو كرهاً،
اختياراً أو قدراً
إلى جانب تكليفهم جميعاً
بوظيفة الخلافة والعمارة والعبادة


فيغلب على المؤمنين منهم

عاطفة المحبة والعطف والشفقة


وتنتفي من القلوب الموحدة

مشاعر القسوة والغلظة والبغض،

 
ويثمر التوحيد
حركة دعوية تتجه نحو الجميع

بوصفات علاجية مختلفة

تنشر
الهداية والإرشاد

وتعبيد الناس لله

والتعاون ولو المصلحي

لتعمير الأرض وصناعة الحياة

 
ولا يسع المسلم الواعي بأبعاد
عقيدة التوحيد
وهو يتعامل مع الأتقياء والمنحرفين
والكفار المسالمين


سوى أن يكون شعاره ومنطلق عمله

قول الله تعالى:


- "وافعلوا الخير"

- "وقولوا للناس حُسنا"

- "وتعاونوا على البر والتقوى"

 
وحينئذ لا تؤثر فيه التشنجات

التي تعتري علاقته بغيره

وإنما يوجهها بنفس مطمئنة

ونظر بصير

فلا تكون عاقبتها بالنسبة له إلا خيرا

 
أما من كان صدره ضيقاً

فهل يمكنه أن يقطع صلته بغيره

وهو يعيش معهم في كون فسيح

ولكنه واحد ؟...
 
ويبقى المسلم
مستعليا بإيمانه
شامخا بدينه


أمام الكفار المعتدين
والمتربصين بالإسلام
وشريعته وثوابته وأرضه

فلا يوالي إلا في الله
ويبرأ من كل علاقة مع الكافرين
فيها انتقاص لدينه وأخلاقه ونبيه،


لا يبدأ بعدوان
ولكن لا يسكت عن عدوان
سواء اتخذ شكلا عسكريا أو فكريا أو فنيا
أو غير ذلك ،

 
قال تعالى :

{ فمن اعتدى عليكم
فاعتدوا عليه
بمثل ما اعتدى عليكم }

 
{ إنما ينهاكم الله

عن الذين قاتلوكم في الدين

وأخرجوكم من دياركم

وظاهروا على إخراجكم

أن تولوهم

ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون }

 

علاقة الإنسان بالكون:


ومن ثمرات التوحيد
ربط صلة الإنسان بالكائنات جميعاً
من حيوان وطير وجماد
بل ومخلوقات غيبية

{ تُسبحُ له
السماوات السبع
والأرض ومن فيهن

وإن من شيء
إلا يُسبحُ بحمده }.

 
فهو إذاً كون حي مأنوس ودود

يتجه إلى الخالق الذي تتجه إليه روح المؤمن

ويتجلى أنس الكون في جبل أحد
وهزة الطرب التي اهتزها
لرسول الله وصحبه الثلاثة

وفي قوله عليه الصلاة والسلام:

"أحد جبل يحبنا ونحبه

 
كما يتجلى إن أردنا أمثلة
في احتضان الكهف للفتية الفارين بدينهم
واحتضان البحر لموسى وهو رضيع مطارد
وفي تجاوب الجبال مع داود

وتعاون الحجر مع المسلمين
وإرشادهم إلى وجود اليهود خلفه..
 
إن انسجام الكون مع الإنسان

يثمر الراحة والثقة وهدوء النفس

واطمئنان السريرة

وهي خصال تجمع بين الجلال والجمال

فتكون الكمالَ الذي لا يحققه
سوى التوحيد،

وهكذا ينطلق المؤمن يبتغي الدارين

وفق سنن كونية صديقة له

وفي محيط مساعد

يدعو إلى السعي والبذل والاكتشاف.

 
وهذا الذي نقول في علاقة المسلم بالكون
لا علاقة له
بالعقائد الباطلة
كوحدة الوجود والحلول والاتحاد
،

فالله عز وجل مستو على عرشه
{ ليس كمثله شيء
وهو السميع العليم
}

وجميع المخلوقات عبيد له
يتفاعل معها المسلم باعتبارها مخلوقات مثله
لا يحتقرها ولا يعبدها
بشكل من الأشكال

 
وبعد،

فلعل الذي سبق

يكشف لنا طرفاً من معنى الآية


{ وهو الذي في السماء إله

وفي الأرض إله
}


فيفقه المؤمن أبعاد العقيدة الإسلامية


ويبحث عن ثمراتها من حوله


وهي تعمل في أكثر من مجال ..
.

فهي عقيدة للضمير

وتفسير للوجود

ومنهج للحياة.



ا. هـ مختصرا

http://www.daawa-info.net/article.php?id=885
 
قال الإمام عبد الرحـمن السعدي
رحـمه الله تعالى :



[ وليس شيء من الأشياء

له من الآثار الحسنة والفضائل المتنوعة مثل
التوحيد

فإن خير الدنيا والآخرة
من ثمرات هذا التوحيد وفضائله .

 
ومن فضائله

أنه السبب الأعظم
لتفريج كربات الدنيا والآخرة
ودفع عقوباتهما .
 
ومن أجل فوائده

أنه يمنع الخلود في النار
إذا كان في القلب منه
أدنى مثقال حبة خردل


وأنه إذا كَمُلَ في القلب
يمنع دخول النار بالكلية
 
ومنها

أنه يحصل لصاحبه الهدى الكامل

والأمن التام في الدنيا والآخرة
 
ومنها

أنه السبب الوحيد
لنيل رضا الله وثوابه

وأن أسعد الناس بشفاعة محمد
صلى الله عليه وسلم

من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه .
 
ومن أعظم فضائله

أن جميع الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة

متوقفة
في قبولها
وفي كمالها
وفي ترتب الثواب عليها
على التوحيد .

فكلما قوي
التوحيد والإخلاص لله
كمُلت هذه الأمور
وتمَّت .
 
ومن فضائله

أنه يسهل على العبد فعل الخير وترك المنكرات

ويسليه عن المصيبات :

فالمخلص لله
في إيمانه وتوحيده
تخف عليه الطاعات

لما يرجو من ثواب ربه ورضوانه

ويهون عليه ترك ما تهواه النفس من المعاصي

لما يخشى من سخطه وعقابه.
 
ومنها

أن التوحيد إذا كمُل في القلب

حبَّبَ الله لصاحبه الإيمان
وزيَّنهُ في قلبه

وكرَّهَ إليه الكفر والفسوق والعصيان

وجعله من الراشدين ,
 
ومنها


أنه يخفف على العبد المكاره
ويهون عليه الآلام ,

فبحسب تكميل العبد
للتوحيد والإيمان

يتلقى المكاره والآلام بقلب منشرح ,
ونفس مطمئنة ,
وتسليم ورضى
بأقدار الله المؤلمة .
 
ومن أعظم فضائله


أنه يُحرِّر العبد
من رقِّ المخلوقين
والتعلُّق بهم ,
وخوفهم ورجائهم ,
والعمل لأجلهم ,

وهذا هو العزُّ الحقيقي ,
والشرفُ العالي ,

ويكون مع ذلك
متألها متعبدا لله
لا يرجو سواه
ولا يخشى إلا إياه ,
ولا ينيب إلا إليه ,

وبذلك يتم فلاحه
ويتحقق نجاحه .
 
ومن فضائله
التي لا يلحقه فيها شيء

أن التوحيد إذا تمَّ وكمُلَ في القلب

وتحقق تحققا كاملا بالإخلاص التام

فإنه يصير القليل من عمله كثيرا
وتضاعف أعماله وأقواله
بغير حصر ولا حساب


ورجحت كلمة الإخلاص في ميزان العبد

بحيث لا تقابلها السماوات والأرض ,

وعمارها من جميع خلق الله

كما في حديث أبي سعيد المذكور في الترجمة

وفي حديث البطاقة ( 1 ) التي فيها
لا إله إلا الله

التي وزنت تسعة وتسعين سجلا من الذنوب ,

كل سجل يبلغ مد البصر ,

وذلك
لكمال إخلاص قائلها ,

وكم ممن يقولها ولا تبلغ هذا المبلغ ,

لأنه لم يكن في قلبه
من التوحيد والإخلاص الكامل

مثل ولا قريب
مما قام بقلب هذا العبد .

=====================
1 / حديث البطاقة رواه أحمد (2/213، 221)
والترمذي برقم ( 2639) وحسنه ،
والحديث صحيح .
 
ومن فضائل التوحيد


أن الله تكفَّل لأهله
بالفتح والنصر
في الدنيا

والعزِّ والشرَف
وحصول الهداية
والتيسير لليسرى ,

وإصلاح الأحوال ,
والتسديد في الأقوال والأفعال .
 
ومنها

أن الله يدافع
عن الموحدين أهل الإيمان

شرور الدنيا والآخرة ,

ويمنُّ عليهم بالحياة الطيبة والطمأنينة إليه

والطمأنينة بذكره ,


وشواهد هذه الجُمَل من الكتاب والسنة
كثيرة معروفة



والله أعلم .
 
باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب


وهذا الباب تكميل للباب الذي قبله وتابع له ,

فإن تحقيق التوحيد
تهذيبه وتصفيته من الشرك الأكبر والأصغر ,

ومن البدع القولية الاعتقادية ,

والبدع الفعلية العملية ,
ومن المعاصي ,

وذلك
بكمال الإخلاص لله
في الأقوال والأفعال والإرادات ,

وبالسلامة من الشرك الأكبر المناقض لأصل التوحيد ,

ومن الشرك الأصغر المنافي لكماله ,

وبالسلامة من البدع والمعاصي
التي تكدِّر التوحيد
وتمنع كماله ,

وتعوقه عن حصول آثاره .
 
فمن حقق توحيده
بأن امتلأ قلبه من
الإيمان والتوحيد والإخلاص ,

وصدقته الأعمال
بأن انقادت لأوامر الله طائعة منيبة مخبتة إلى الله ,

ولم يجرح ذلك بالإصرار على شيء من المعاصي ,

فهذا الذي
يدخل الجنة بغير حساب :

ويكون من السابقين إلى دخولها
وإلى تبوء المنازل منها .
 
ومن أخص ما يدخل في تحقيقه
كمال القنوت لله
وقوة التوكل على الله
:

بحيث
لا يلتفت القلب إلى المخلوقين
في شأن من شئونه
,


ولا يستشرف إليهم بقلبه ,
ولا يسألهم بلسان مقاله أو حاله ,

بل يكون ظاهره وباطنه
وأقواله وأفعاله وحبه وبغضه ,
وجميع أحواله كلها
مقصود بها وجه الله
متبعا فيها رسول الله
.

والناس في هذا المقام العظيم درجات
( وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا )
[ سورة الأنعام : الآية 132 ]
 
وليس تحقيق التوحيد

بالتمني ولا بالدعاوي الخالية من الحقائق ,

ولا بالحلي العاطلة ,

وإنما ذلك بما وقر في القلوب

من عقائد الإيمان وحقائق الإحسان

وصدقته الأخلاق الجميلة ,

والأعمال الصالحة الجليلة ,

فمن حقق التوحيد
على هذا الوجه

حصلت له جميع الفضائل المشار إليها

في الباب السابق ( 2 ) بأكملها

والله أعلم .


=====================
2 / القول السديد في مقاصد التوحيد
( باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب )

 
عقيدة التوحيد

وبيان ما يضادها من الشرك الأكبر والأصغر
والتعطيل والبدع
وغير ذلك


لفضيلة الشيخ
صالح بن فوزان بن عبد الله آل فوزان
جزاه الله تعالى خير الجزاء



http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=353864
 
منهج شيخ الإسلام ابن تيمية
في تقرير
عقيدة التوحيد


المؤلف:
إبراهيم بن محمد بن عبد الله البريكان


نبذة عن الكتاب: -
أصل هذا الكتاب رسالة علمية.


http://waqfeya.com/book.php?bid=5794
 
8.jpg
 
عودة
أعلى