غرر ومحاسن من التفسير الواضح الميسر للشيخ الصابوني

إنضم
15/09/2010
المشاركات
159
مستوى التفاعل
1
النقاط
18
الإقامة
جدة
الحمد لله .. وبعد
مهما بلغ طالب العلم والعالم من التمكن في العلم إلا أنه يحتاج لشيء مختصر ميسّر أثناء تلاوته وتدبره للقرآن، شيء عاجل لا يقطع عليه ورده اليومي ويشغله عن إتمامه
ومن هنا كان كتاب : "التفسير الواضح الميسّر" للشيخ محمد علي الصابوني أنفع ما رأيت لجميع الطبقات بلا استثناء ، ينتفع به المبتديء ، ويفزع إليه المنتهي، ولا يملّه من بينهما

وقد أثنى عليه المشرف العام على هذا الملتقى فقال:
....، وأنصح بقراءة هذا التفسير والاستفادة منه فقد أجاد فيه مؤلفه وتجنب ما في كتابه الآخر (صفوة التفاسير) من ملحوظات .

وفي الرابط التالي تقريض وثناء من مستشار الملتقى: أبي مجاهد العبيدي
http://vb.tafsir.net/71231-post11.html
=======================================

والمقصود من هذا الموضوع أن أذكر ما وقفت عليه من هذا التفسير من محاسن وشروح نادرة لمعاني الآيات وفِّق إليها ، شروح ينشرح لها صدر المتدبر لكتاب الله، ويفرح بها الأديب ، ويبتهج لها أهل التفسير

وهذه أولى المحاسن

قال الله تعالى في سورة الفرقان: {قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (15) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (16)}

والمراد تفسيره لقوله تعالى {كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا}
قال: "كان ذلك الجزاء وعدا على الله واجب التحقيق"
فهو لم يقف عند لفظ الآية كما فعل غيره من المفسيرين فقالوا أن معناه: كان ذلك وعداً يسئله إياه عباده المتقون
فاحتاجوا بعد ذلك أن يستدركوا فيقولوا مثلا: ووعد الله متحقق فهو -سبحانه - لا يخلف الميعاد

ولكن الشيخ الصابوني تجاوز لفظ الآية إلى المعنى النهائي منه ، ولتقريب الأمر أقول إن الإنسان إذا أوجب على نفسه لشخص آخر أمرا أو تعهّد له بشيء وألزم به نفسه ، فإن لهذا الشخص أن يسأله الوفاءَ به، أما إذا لم يلزم الإنسان نفسه بشيء فإنه لا يصح أن يُسئلَه ، لأن الأمر أصلا تبرع منه لا يلزمه الوفاء به،
فوصف الله وعده الذي أوجبه على نفسه لعباده المتقين بأنه: "مسئول" وهي صيفة المفعول من الفعل : سأل

فكأن وصف الله تعالى وعده بأنه مسئول كناية المقصود بها تأكيد وتحقيق كونه واجبا لازما الوفاء به

وهذا يشبه تأكيد حياة امريء بأنه : يُرزق ، كما يقال: هو "حيّ يُرزق" وليس المقصود بهذا التعبير إثبات أنه يُرزق أو لا يُرزق بل المقصود تأكيد حياته بأنه يُرزق لأن الميت لا يُرزق

فكذلك هنا فالإخبار بأنه : "وعد مسئول" ليس المقصود إثبات أنه سوف يُسأل بل الفائدة من هذا التعبير هو تأكيد كونه لازما واجبا على الله أوجبه سبحانه على نفسه

والله تعالى أعلم
 
قبل أن أذكر حسنته الثانية أحب أن أستدرك تسميةً للحسنة الأولى ،
فيصح أن تُسمّى: "الغوص على المعاني النهائية وعدم التوقف عند لفظ الآية"
فمن ذلك عند قول يعقوب عليه السلام من سورة يوسف: {قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94)} قال تفسيرا لما يقصده يعقوب من قوله هذا: إنّي لأشمُّ ريح يوسف، ولولا أن تنسبوني للخَرَف لقلت لكم: "إنه حيُّ". انتهى كلام الصابوني ، قلت: عندما أخبرهم يعقوب بأنه يجد ريح يوسف لم يكن غرضه أن يعلمهم بإحساسه بريحه فقط ، وإنما يقصد وجود صاحب الريح حيّاً على وجه الأرض، كما لو سألك أحدٌ الصدقةَ وزعم أنه ليس في بيته طعام، وشككت في صحة زعمه فأحببت أن تتأكد بنفسك فلما قربت من بيته قلتَ له إنّي لأجد ريح طعام !
هذا مثال افتراضي من أجل تصوّر المسألة فحسب
===============================

أما الحسنة الثانية من حسنات هذا التفسير العظيم فهي:
إعادة الإحساس بقوة النظم القرآني وحرارة التعابير والأساليب العربية

القرآن مليء بالتراكيب التي أفقدتنا عجمتنا الإحساس بمعانيها الخاصّة وصرنا في أحسن الأحوال إنما ندرك المعنى الإجمالي الكلّي للآية ... وهو غاية ما تؤدّيه إليك معظم التفاسير القديمة والحديثة

والكتاب يغص بهذا النوع من الحسنات ، وأكاد أجزم أنه لا يوجد تفسير يعلوه ويفضله في هذه الصفة .. والله أعلم

وقد بذل مؤلفه غاية جهده ومنتهى وُسعه وأقصى طاقته في شرح الأساليب والتراكيب العربية التي استُعمِلت في القرآن الكريم ، وإنّي والله لفي حيرة، ولا يحضرني الآن إلا مثالان اثنان ، وأنا أجزم جزما قاطعا أن من قرأ كثيرا في هذا التفسير فإنه سيقع على أمثلة أحسن وأعظم مما سأذكره هاهنا

الأول عند قوله تعالى من سورة الفرقان: { قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ... (15)} الآية
قال الصابوني: "...والأسلوب كما يظهر أسلوب سخرية وتهكّم جزاءَ استهزائهم بالرسولصلى الله عليه وسلم وأتباعه المؤمنين...قال أهل البيان: الآية وردت على سبيل السخرية والتوبيخ لأنه لا يصح أن يقول العاقل: هل السكّر أحلى أم الحنظل؟ كما لا يقال: العذاب خيرٌ أم جنة الخلد؟ ولكنّ هذا يحسن في معرض التوبيخ والتقريع، كما إذا أعطى السيّدُ عبدَه مالا، فتمرّد وعصى واستكبر، فيضربه ضرباً وجيعاً، ويقول له على سبيل التوبيخ: أهذا أطيب أم ذاك؟."

المثال الثاني عند قوله تعالى من سورة الشعراء: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23)}
قال الصابوني: "...تنكّر اللعين لوجود الخالق المبدع للكون، وقال: أيّ شيءٍ رب العالمين؟ ما حقيقته؟ من أيّ جنسٍ هو؟ لم يقل: من رب العالمين. وإنما قال: {وما ربُّ العالمين} أي ما هي ماهيّته وحقيقته؟ فكان في كلامه مغالطاً، وفي سؤاله مخادعا، ولو أراد أن يعرف عظمة الله وجلاله لقال: (من ربُّ العالمين)؟ "

أسأل الله أن يحشر الصابوني مع ابن جرير الطبري وابن كثير وابن عطيّة وغيرهم من أئمة المفسرين وأن يجمعه بهم في جنة الخلد التي وُعِد المتقون، اللهم آميـــــــــــن
 
في مسند أحمد الحديث (75) طبعة المكنز من حديث عمررضي الله عنه: "قَالَ: تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ مِنْ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ..., وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ, مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا، فَتُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ: فَلَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ, فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ، فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ، قَالَ: سَأَنْظُرُ فِي ذَلِكَ، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ، فَلَقِيَنِي فَقَالَ: مَا أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوّجَ يَوْمِي هَذَا، قَالَ عُمَرُ: فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ..." إلى آخر الحديث

قال ابن الأثير في النهاية: "وَقَدْ يُرادُ بِالْيَوْمِ الوَقْتُ مُطْلقاً."

قلتُ: وهذا هو الظاهر بل المتعيّن في قول عثمان: "مَا أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوّجَ يَوْمِي هَذَا" فلا يستقيم المعنى لو حملناه على اليوم المعروف الذي هو قسيم الليلة، إذ لا يصلح ذلك عذرا يعتذر به لعمر في عدم إجابته إلى ما عرضه عليه من نكاح ابنته، فإذا لم يُرد أن يتزوّج اليوم فليتزوجها إذن غدًا أو بعد غدٍ !

إذا تقرر هذا فانظر وتأمل كيف أحسن الشيخ الصابوني في تفسيره لقول الله تعالى في سورة الرحمن: { يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29)}
قال: "أي يفتقر إليه تعالى ويحتاج له جميع الخلائق، يطلبون منه الرزق والعون والصحة والأمن، وهو غنيّ عنهم، وفي كلّ لحظة وساعة هو تعالى في شأن من شؤون الخلق، يغفر ذنبا، ويفرِّج كربا، ويغني ويُفقر، ويعزّ ويذلّ، ويميت ويحيي... " إلخ
 
من مميّزات هذا التفسير :
اتحاد التفسير في الآيات المثاني "الآيات التي تكررت في القرآن بألفاظ مختلفة وأغراضها ومقاصدها واحدة
أورد ابن كثير في تفسيره عن معنى مثاني: "وقال قتادة : الآية تشبه الآية ، والحرف يشبه الحرف . وقال الضحاك : ( مثاني ) ترديد القول ليفهموا عن ربهم - عز وجل -. وقال عكرمة ، والحسن : ثنى الله فيه القضاء - زاد الحسن : تكون السورة فيها آية ، وفي السورة الأخرى آية تشبهها . وقال سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( مثاني ) قال : القرآن يشبه بعضه بعضا..."

وهذا مثال
قال الله تعالى في سورة القصص عن قارون: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78)}
وقال الله تعالى في سورة الزمر: {فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49)} ويحتمل لفظ هذه الآية معنيين صحيحين واردين جميعا عن السلف
المعنى الأول: إنما أوتيته بذكائي وعلمي بوجوه المكاسب
المعنى الثاني: إنما أوتيته على علم من الله أنّي أهل ومستحِقٌ له

والشيخ الصابوني لم يختلف قوله في الآيتين ، فمشى على المعنى الأول في كلا الآيتين

أما بعض التفاسير الميسّرة الحديثة فاختلف فيها القول في الآيتين فقالوا في آية القصص بالمعنى الأول وفي الزمر بالثاني

وليس غرضي هنا ترجيح إحدى المعنيين على الآخر وبيان أيّهما أصح وأقرب فكلاهما وارد عن السلف وأجاز السمين الحلبي الوجهين في كتابه "الدّرّ المصون" أجلّ أعاريب القرآن قاطبة !

ومع أنّي أرى ما يرى الصابوني هو الراجح ولكن ليس المقصود هنا إلا بيان اطّراد قول الصابوني وعدم اختلافه في مثاني الآيات

ومن تأمّل الآيتين عرف أن مخرجها ومقصدها واحد ، ولو كانت آية القصص ورادةّ ضمن قصة قارون وآية الزمر عامّة غير مخصوص بها أحد بعينه ، فإنّ كلًّا من الآيتين المقصود به وصف ما يقع فيه الإنسان من الطغيان والبطر عند النعمة وسعة العيش ورغد الحياة
إلا أن لفظ آية القصص مقيد بـــ (عندي) ولفظ آية الزمر مطلق ، وقد علمنا القاعدة العريضة: "المطلق يُحمل على المقيد" واتفق العلماء على إعمال هذه القاعدة إذا اتحد الحكم والسبب ، واتفقوا أيضا على إهمالها إذا اختلف الحكم والسبب ، واختلفوا فيما عدا ذلك ، ولننظر الآن في الآيتين محل البحث نجد ألا فرق بينهما إلا أن الأولى ضمن قصة خاصة والثانية ضمن حديث عام عن كفر بني آدم وطغيانهم إذا أنعم الله عليهم، فالسبب والحكم واحد فيما يظهر لي، والله أعلم ، وهذا مرجِّح لقول الصابوني ومزيد فضل وقدْر لتفسيره (الواضح!) علاوةً على اطّراد واتحاد ما يأخذ به ويختاره في تفسير الآيات المثاني.

ولعل مما يوضّح المقصود مافي سورة الكهف على لسان الخضر يخاطب موسى مرةً: {ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا} والمرّة الأخرى: {ألم أقل لك...} بزيادة (لك) والمعنى في المرتين واحد !

والله أعلم
 
قال الله تعالى في سورة القصص عن قارون: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78)}
وقال الله تعالى في سورة الزمر: {فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49)} ويحتمل لفظ هذه الآية معنيين صحيحين واردين جميعا عن السلف
المعنى الأول: إنما أوتيته بذكائي وعلمي بوجوه المكاسب
المعنى الثاني: إنما أوتيته على علم من الله أنّي أهل ومستحِقٌ له

والشيخ الصابوني لم يختلف قوله في الآيتين ، فمشى على المعنى الأول في كلا الآيتين
بل لم يختلف قوله حتى في قوله تعالى : {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي...} الآية 50 من سورة فصلت
وهذا من اطّراد قوله واستقرار رأيه في الآيات المثاني

قال الصابوني تفسيرا لما حكى الله من قول ذلك الجاحد: {..هذا لي..}: "..وجحد فضل الله عليه، ونسب الأمر إلى نفسه، فقال: هذا بسعيي واجتهادي..." إلخ

ولم يأتِ الصابوني ببدع في هذا فإنّ ما اختاره موافق للغة القرآن وأسلوبه،
كما في قوله تعالى: {وله اختلاف الليل والنهار} وقوله: {ألا له الخلق والأمر} وقوله: {وله الحكم وإليه ترجعون}
فهذه الأمور مما اختص الله بإجرائها والقيام بها سبحانه وتعالى، واللام أصل معانيها الاختصاص، والاختصاص أنواع: اختصاص بشيء معين كقولك : هذا البيت لي ، واختصاص بفعل: كما في قول الله تعالى: {وله الحكم...}

والله تعالى أعلم
 
أما الحسنة الثانية من حسنات هذا التفسير العظيم فهي:
إعادة الإحساس بقوة النظم القرآني وحرارة التعابير والأساليب العربية

القرآن مليء بالتراكيب التي أفقدتنا عجمتنا الإحساس بمعانيها الخاصّة وصرنا في أحسن الأحوال إنما ندرك المعنى الإجمالي الكلّي للآية ... وهو غاية ما تؤدّيه إليك معظم التفاسير القديمة والحديثة

والكتاب يغص بهذا النوع من الحسنات ، وأكاد أجزم أنه لا يوجد تفسير يعلوه ويفضله في هذه الصفة .. والله أعلم
وقد بذل مؤلفه غاية جهده ومنتهى وُسعه وأقصى طاقته في شرح الأساليب والتراكيب العربية التي استُعمِلت في القرآن الكريم
أقصد أنه لا ندّ له من تفاسير هذا الزمان الميسّرة المبذولة للعامة والخاصة، أما التفاسير التراثية القديمة مثل الكشاف والبحر المحيط فلا شك أنها أصل له وعنها يصدر وما هو إلا عيال عليها، ولكنه أحسن كل الإحسان في استخلاص ما فيها وتهذيبه وتقريبه للعوام وطلبة العلم
وهذا مثال آخر:
قال في تفسير قوله تعالى من سورة الواقعة: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27)} قال: "الاستفهام للتفخيم والتعجيب من حالهم ، أي هل تدري من هم أصحاب اليمين؟ وهل تعلم ما هو حالهم وكرامتهم في الجنة؟..."

# # قلت أنا -مساعد الصبحي- : فائدة التفخيم لأمرهم وتعجيب المخاطَب من حالهم هو تشويق المستمع إلى معرفة حالهم وجَعْله يتلقّى خبرهم ويُصغي إلى وصف مآلهم بنهم وتلهّف وتيقّظ وانتباه ... والله أعلم
 
قال الله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)}
قال الصابوني: "..وجاءت جملة {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} اعتراضية بين الشرط وجوابه، لدفع توهّم أن الله كذّبهم في قولهم: (إنك لرسول الله) وإنما كذّبهم تعالى لأنهم أظهروا خلاف ما أبطنوا، وقالوا بألسنتهم ما لا يعتقدونه في قلوبهم، ولو لم تُذكر هذه الجملة الاعتراضية، لتوهّم السامعُ إبطال الرسالة، والأصل في الآية: قالوا نشهد إنك لرسولُ الله، والله يشهد إن المنافقين لكاذبون" اهـ

قلتُ:
أي: حتى لا يتوهّم أحد يوما من الدهر أن الله حكم بالكذب على نفْس المشهود به ، بل حكم الله بالكذب على شهادة المنافقين بما في قلوبهم وإخبارهم عمّا في ضمائرهم
وقوله تعالى: {والله يعلم إنك لرسوله} إثبات العلم هنا إثبات لشيئين اثنين، الأول: إثبات وصف الرسالة لمحمد بن عبدالله
slah.png
، والثاني: إثبات علم الله بذلك، وكفى عن ذكر الشيئين شيءٌ واحد وهو إثبات علم الله : {والله يعلم إنك لرسوله} لأن الله لا يعلم شيئا إلا وهو حق واقع لا شك فيه، فليس الله سبحانه مثلَنا نظنّ فنصيب ونخطئ ، ونتوهّم وجود الشئ وهو غير موجود ونصدّق دعوى باطلة، وهذا مثل قولك: "لو علم الله منك صدقًا لأعانك ويسّر أمرك"
وهذا هو علم الشهادة الذي يذكره المفسرون في مثل قوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا...} الآية من سورة آل عمران ،أي ليظهر المؤمنون ويتميّزوا من المنافقين فيعلم الله ذلك، وكفى هنا أيضا ذكر علم الله عن ذكر ظهور وتميّز المؤمنين من المنافقين كما سبق ، لأنه إذا علمه الله فلابدّ أن يكون قد وقع وتحقق...

وهناك أيضا علم الغيب وهو علم ما لم يقع مما قدّره الله في المستقبل فإن الله يعلمه ويعلم كيف ومتى سيقع
قال الله تعالى" {عالم الغيب والشهادة}
 
عودة
أعلى