د. محمد بن جميل المطري
Member
هل روى ابن عباس رضي الله عنهما بعض الإسرائليات؟
جاء في كتاب العلل ومعرفة الرجال لأحمد رواية ابنه عبد الله (1/ 201): "حدثني أبي قال: حدثنا سيار قال: حدثنا جعفر قال: حدثنا أبو عمران الجوني عن أبي الجلَد قال: حدثني ابن عباس في داره سنتين يسألني، وسألني عن السماء ما هي؟ فقلت: موج مكفوف. قال أبي: أبو الجلد اسمه جيلان بن فروة".
وقال ابن سعد في كتابه الطبقات الكبرى (7/ 222): "أبو الجلَد الجوني حي من الأزد، واسمه: جيلان بن فروة، وكان ثقة، قال: أخبرنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا أبان قال: حدثنا أبو عمران قال: كان أبو الجلد يقرأ الكتب. قال: أخبرنا سليمان بن حرب قال: حدثنا حماد بن زيد، عن ميمونة بنت أبي الجلد قالت: كان أبي يقرأ القرآن في كل سبعة أيام، ويختم التوراة في ستة، يقرؤها نظرا، فإذا كان يوم يختمها حشد لذلك الناس، وكان يقول: كان يقال: تنزل عند ختمها الرحمة".
وقال ابن حبان في كتابه مشاهير علماء الأمصار (ص: 150): "أبو الجلد جيلان بن أبى فروة الاسدي كان ممن يقرأ كتب الأوائل، وكان من العُبَّاد".
وجاء في كتاب التذييل على كتب الجرح والتعديل (1/ 60): "قال ابن عبد البر الأندلسي في كتابه المصنف في "الكنى": "يروي مناكير، كان ممن قرأ التوراة وغيرها من الكتب، وكان ابن عباس ربما سأله عن أشياء حكاها عنه".
وقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه نهى عن سؤال أهل الكتاب، فروى البخاري في صحيحه (7363) من طريق ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدث، تقرءونه محضًا لم يُشَب، وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله وغيروه، وكتبوا بأيديهم الكتاب، وقالوا: هو من عند الله ليشتروا به ثمنًا قليلًا؟ ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم؟ لا والله ما رأينا منهم رجلًا يسألكم عن الذي أنزل عليكم!).
وروى البخاري في صحيحه (7522) من طريق أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كيف تسألون أهل الكتاب عن كتبهم، وعندكم كتاب الله، أقرب الكتب عهدًا بالله، تقرءونه محضًا لم يُشَب؟!).
والظاهر أن ابن عباس كان ينكِر على من يسأل أهل الكتاب الذين لم يسلموا، أما من أسلم منهم كعبد الله بن سلام وكعب الأحبار أو كان يحدث عن كتب أهل الكتاب كعبد الله بن عمرو بن العاص وأبي الجلد فكان ابن عباس لا ينهى عن سؤالهم، ولا عن أخذ الأخبار الإسرائيلية عنهم، فقد أذن النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك بقوله: ((حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)) رواه البخاري في صحيحه (3461) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وروى البخاري في صحيحه (4485) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم)).
وقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما رواية بعض الإسرائيليات، ومن ذلك:
روى ابن جرير الطبري في تفسيره (22/ 33) من طريق هلال بن يساف قال: سأل ابن عباس كعبًا عن سدرة المنتهى، وأنا حاضر، فقال كعب: إنها سدرة على رءوس حملة العرش، وإليها ينتهي علم الخلائق، ثم ليس لأحد وراءها علم، ولذلك سميت سدرة المنتهى، لانتهاء العلم إليها.
وروى ابن جرير الطبري في تفسيره (24/ 207) عن هلال بن يساف قال: سأل ابن عباس كعبًا وأنا حاضر عن العليين، فقال كعب: هي السماء السابعة، وفيها أرواح المؤمنين.
وروى أبو نعيم في حلية الأولياء (5/ 375) من طريق عثمان بن غياث عن عكرمة عن ابن عباس عن كعب قال: هو البحر يسجَر ثم يكون جهنم.
وروى ابن جرير الطبري في تفسيره (1/ 360) من طريق حماد قال: أخبرنا موسى بن سالم أبو جهضم مولى ابن عباس قال: كتب ابن عباس إلى أبي الجلَد يسأله عن الرعد؟ فقال: الرعد: ملَك.
وروى ابن جرير في تفسيره (1/ 364) من طريق الحسن بن الفرات عن أبيه قال كتب ابن عباس إلى أبي الجلد يسأله عن البرق، فقال: البرق ماء.
وروى ابن جرير في تفسيره (1/ 553) من طريق القاسم قال: حدثني رجل من بني تميم أن ابن عباس كتب إلى أبي الجلد يسأله عن الشجرة التي أكل منها آدم والشجرة التي تاب عندها، فكتب إليه أبو الجلد: سألتني عن الشجرة التي نهي عنها آدم، وهي السنبلة. وسألتني عن الشجرة التي تاب عندها آدم، وهي الزيتونة.
وروى البيهقي في كتاب البعث والنشور (206) من طريق ميسرة الأشجعي عن عكرمة عن ابن عباس عن كعب قال: جنة المأوى فيها طير خضر ترتقي منها أرواح الشهداء تسرح في الجنة، وأرواح آل فرعون أراه قال: في طير سود تغدوا على النار، وتروح، وأن أطفال المسلمين عصافير في الجنة.
وروى البيهقي في كتاب شعب الإيمان (3041) من طريق سفيان عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس عن كعب قال: إذا رأيت المطر قد قحط فاعلم أن الزكاة قد مُنِعت، وإذا رأيت السيوف قد عريت فاعلم أن حكم الله تعالى قد ضيع فانتقم بعضهم ببعض، وإذا رأيت الوباء قد ظهر فاعلم أن الزنا قد فشا.
وذكر الحافظ ابن كثير في كتابه البداية والنهاية طبعة هجر (1/ 226) حديثًا من الإسرائيليات مروي عن الحسن عن سمرة، فأعله بأنه روي موقوفًا ثم قال: "الظاهر أنه تلقاه من الإسرائيليات، وهكذا روي موقوفًا على ابن عباس، والظاهر أن هذا متلقى عن كعب الأحبار، ومن دونه، والله أعلم".