محمود عبدالله إبراهيم نجا
Member
آيات (سماء)، و(سماوات) التي بها قرائن تفيد السماوات العُلا الكونية فقط.
هذا هو الجزء الثاني من بحث [كُلُ (سماء) و(سماوات) في القُرآن تشمل العُلا الكونية، والدُنا الجوية، إلا بقرينة للتخصيص]. في الجزء الأول تم استعراض آيات (سماء)، و(سماوات) التي فيها سياقات عامة، وبدون قرائن تخصيص، فتحتمل لُغوياً كُل من العُلا الكونية، والدُنا الجوية، ويمكن مراجعته على الرابط التالي؛
وفي هذا الجزء نستعرض آيات (سماء)، و(سماوات) التي بها قرائن تفيد السماوات العُلا الكونية فقط، وأقصد بها السبع المبنية التي تبدأ بالسماء الدُنيا المُزينة بالكواكب، فلا يدخل فيها الغلاف الجوي للأرض، وإليكم التفصيل.
1. آية (تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى)
العُلا جمع العالية، وتشير للسماوات المرتفعة، ولا يدخل فيها العرش، فقد ذكره الله مع السماوات السبع (قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)، فعُلم أنه غيرها. ولفظة (العُلا) تقتضي ألا تكون سماء الغلاف الجوي أعلى منها، قال الرازي، والزمخشري (وصف السموات بِالْعُلَا دَّلَالَةُ عَلَى عُلُوِّهَا وَبُعْدِ مُرْتَقَاهَا)، ومعلوم أن السبع الطباق المبنية التي تبدأ بالسماء الدنيا، هي أعلى من الغلاف الجوي للأرض، ولذا فهي تستحق وصف العُلا.
ذكر كتاب موسوعة التفسير المأثور قول مقاتل: ({تنزيلا ممن خلق الأرض} كلَّها، {والسماوات} السبع {العلى} يعني: [الرفيعة] مِن الأرض). فصرح مقاتل بأن العلا هي السماوات السبع. وفي تنوير المقباس من تفسير ابن عباس، أن المقصود بالسماوات العُلى هو (رفع بَعْضهَا فَوق بعض). والسماوات المرفوعة بعضها فوق بعض عند كل المفسرين بالإجماع هي السماوات السبع الطباق الكونية، فلا علم لهم بأن سماء الغلاف الجوي طبقات. وبلاغياً طالما هناك سماوات عُلا، فلابد من وجود سماوات دُنا تقع تحت العُلا، وبيان ذلك في الجزء الثالث بإذن الله.
2. آية (خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام)
سبق شرحها في الجزء الأول، حيث بينت أن السماوات في هذه الآية هي الكونية فقط، لأن ما بينهما يشمل الجوية، وأما الآيات التي ذكرت خلق السماوات والأرض بدون ذكر ما بينهما، فالسماوات فيها تشمل الكونية والجوية.
3. آية (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ).
في هذه الآية لا يمكن أن نجعل (سماء) الأولى مثل (سماء) الثانية في المعنى، فالأولى بإتفاق المفسرين تشير للسبع سماوات الشداد المبنية، والتي تبدأ بالسماء الدنيا، وأما الثانية فتشير للغلاف الجوي الذي به السحاب مصدر ماء المطر. وهذه الآية تُثبت يقيناً أن سماء نزول الماء هي الغلاف الجوي وليس السماء الكونية، فلو كان الماء ينزل من السماء المبنية الكونية فلا داعي لتكرار لفظة السماء مع نزول الماء، فيكفي أن يقول الله (والسماء بناء، أنزل منها ماء)، ولكن لإختلاف السماءين في المعنى فوجب التكرار.
4. كل آيات بناء السماء، ووصفها بالحبك، والسبع الشداد،مثل آية (ءأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها، رفع سمكها فسواها)، وآية (والسماء وما بناها)، وآية (جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً)، وآية (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون)، وآية (أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ)، وآية (وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا)، وآية (والسماء ذات الحُبُك).
السماء في هذه الآيات تحتمل لُغوياً أن تكون الكونية والجوية، ولكن قرائن السياق صرفت الذهن عن الجوية، وقصرت المعنى على الكونية فقط.
أول قرينة هي لفظة البناء، وهو لُغةً كما قال ابن عاشور، يدل على (جعل الشيء مشدودة أجزاءه بعضها إلى بعض)، وهذا لا ينطبق على الغلاف الجوي الذي هو من أجزاء مُتفككة عن بعضها البعض، ولكن ينطبق على السماوات العُلا، ففيها الافلاك، والبروج والكواكب والنجوم، والطرائق، والمعارج، وما أجمل ما وصفها الله بالحُبك، فقال (والسماء ذات الحُبُك)، والحُبك كما قال الطبري، وغيره، اي ذات الخلق الحسن، وذات الزينة، وذات النجوم، وذات الطرائق، وذات الشدة فهي السبع الشداد مُتقنة البنيان. وثاني قرينة هي رفع سمك البناء (رفع سمكها)، فكما قال القُرطبي (أي أعلى سقفها في الهواء ; يقال : سمكت الشيء أي رفعته في الهواء)، فالهواء ليس من السماء المبنية، فكما سبق وبينت يقع فوق الأرض، وتحت السماء الدُنيا.
وثالث قرينة هي توسع السماء المبنية (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون) لتصرف الذهن تماما عن الغلاف الجوي لأنه لا يتوسع. ورابع قرينة هي تزيين السماء المبنية بالكواكب (أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا)، والسماء المُزينة بالكواكب بنص القرآن هي السماء الدُنيا، وليست السماء الجوية (إنا زينا السماء الدُنيا بزينة الكواكب).
وأخيراً تم حسم أمر السماء المبنية بأنها الكونية فقط، ولا يمكن أن تحتمل الجوية، وذلك من خلال تحديد عددها في آية (وبنينا فوقكم سبعاً شدادا)، فعدد السماوات الشداد المبنية هو سبعة، ولو أضيف لها الجوية لصار العدد أكبر من سبعة، ولذا فكل سماء مبنية في القُرآن فهي العُلا الكونية فقط، ولا تحتمل الدُنا الجوية.
5. آيات هدم السماء المبنية، ومنها آية (إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ، وإذا الكواكب انتثرت)، وآية (السَّمَاءُ مُنفَطِرٌ بِهِ)، وآية (فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ)، وآية (وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ)، وآية (اذا السماء انشقت)، وآية (إِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ)، وآية (وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ)، وآية (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا)، وآية (يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ).
وعكس البناء الإنفطار والتشقق، فهدم بُنيان السماء في سياق أحداث القيامة، كما قال كل المفسرين يحكي عن السماوات الكونية وليس الجوية، والذي يؤكد ذلك قرينة إنتثار الكواكب بعد إنفطار السماء، فالكواكب زينة السماء الدُنيا.
6. آية (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ)، وآية (وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا).
أبواب السماء في الآيتين عند كل المفسرين تشير للسماء الكونية، والتي تفتح يوم القيامة لنزول الملائكة، والتي حرم الله على روح الكافر وعمله أن تُفتح له أبوابها، وهذا ما ذكره الطبري في ترجيحه مستدلا بأحاديث قبض روح المؤمن والكافر، وكيف تُغلق أبواب السماء حتى السماء السابعة في وجه الكافر، وتفتح للمؤمن. وهذه الأبواب تختلف عن أبواب آية (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ)، فالسياق مختلف، فقرينة الماء المنهمر تشير للسماء الجوية كما سنرى في الجزء الثالث.
7. آيات (سماوت) الموصوفة بالعدد سبعة
مُحال أن يُشير العدد سبعة عند إقترانه بلفظة (سماوات)، للعلا الكونية والدُنا الجوية معاً، فالعُلا الكونية بنص القُرآن والسُنة عددها سبعة، ولو أضفنا لها الجوية فسيكون العدد أكبر من سبعة، ولذا فالعدد سبعة إما يُشير للكونية فقط، أو للجوية فقط. وللأسف تسرع بعض كُتاب الإعجاز العلمي ففسروا كل أو أغلب آيات (سماوات) الموصوفة بالعدد سبعة بطبقات الغلاف الجوي، ولا شك أنهم أخطأوا في ذلك، فقد أهملوا سياق الآيات، وتفسير المفسرين، والذي يدل على أن كل (سماوات) وصفت بالعدد سبعة تتحدث عن العلا الكونية، ولا أستثني من ذلك إلا آية السماء الدُخانية في سورة فصلت، فإنها تحتمل عندي بدلائل كثيرة الحديث عن خلق السماء الجوية للأرض (الغلاف الجوي)، وبيان ذلك في الجزء الثالث بإذن الله تعالى.
أ. آية (قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)، وآية (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ، وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ).
إذا فسرنا (السماوات السبع) في الآيتين بالغلاف الجوي فقد قللنا من قيمة ربوبية رب العالمين، ومن قيمة التسبيح له، فبأي منطق يُقارن الله الغلاف الجوي للأرض بأعظم مخلوقاته وهو العرش العظيم، وبأي منطق يُعظم الله من تسبيح الغلاف الجوي، ويترك تسبيح العلا الكونية، وقد فسر ابن كثير والسعدي السماوات في هذه الآية (رب السماوات السبع) بالسماوات العلا الكونية، ولا شك أن آياتها وتسبيحها أعظم بكثير من آيات وتسبيح الغلاف الجوي. وأما تسبيح الغلاف الجوي فيدخل في صيغة العموم (وإن من شيء إلا يسبح بحمده)، التي ذكرها الله بعد تسبيح السماوات السبع.
ب. آية (وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وما كنا عن الخلق غافلين. وأنزلنا من السماء ماء)، وآية (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ)، وآية (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا. وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا).
لكي لا يتوهم العقل أن السماوات العُلا الكونية بناها الله مُتجاورات كتجاور قطع الأرض (وفي الأرض قطع متجاورات)، فقد وصف الله السماوات العُلا بأنهن طباق، وطرائق أي بعضهن فوق بعض، وذلك بإجماع المفسرين، قال الطبري عن الطرائق (ولقد خلقنا فوقكم أيها الناس سبع سموات، بعضهن فوق بعض، والعرب تسمي كل شيء فوق شيء طريقة. وإنما قيل للسموات السبع سبع طرائق؛ لأن بعضهنّ فوق بعض، فكلّ سماء منهنّ طريقة). وقد صرح السعدي في تفسيره بأن هذه الطرائق أو الطباق هي المزينة بالكواكب والنجوم، وأبدع ابن عاشور حين فهم سبب تسمية السماوات العلا الكونية بالطرائق، ففيها طرق سير الكواكب والنجوم، ثم قال وقد سمى الله الكوكب بالطارق في قوله (والسماء والطارق)، وذلك لسيره في طريق، فكل سائر في طريق طارق، ولا شك أن الطرائق تستلزم سائرات فيها، فكان المعنى : خلقنا السيارات وطرائقها، ولذا نرى كثير من التفاسير كالطبري يفسر الطرائق بأنها طرق للملائكة. ومما يؤكد أن الطرائق سماوات كونية وليست جوية، أن الله ذكر بعد الطرائق مباشرة قوله (وأنزلنا من السماء ماء)، فلو كانت الطرائق هي الجوية لقال الله (ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق، وأنزلنا منها ماء)، فلا فائدة من ذكر السماء، فضمير الإشارة يُغني. وأقوى من ذلك كله أن الله صرح بأن الطباق التي هي الطرائق أن الطرائق فيها الشمس والقمر فقال (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا. وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا)، ومعلوم بإجماع المفسرين أن الشمس والقمر أجسام سماوية من زينة السماء الدنيا.
ت. آية (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ).
لو قلنا السماوات في هذه الآية تشير لطبقات الغلاف الجوي، لجعلنا أوامر الله تتنزل بين الغلاف الجوي والأرض، ولخالفنا إجماع المفسرين الذين قالوا بأن المقصود هو نزول الأمر من السبع الطباق الكونية، ومعلوم أن تدبير الأمر يكون من قبل الله من فوق عرشه فوق السماوات السبع الكونية، فالأمر يتنزل عبر السماوات الكونية، قال الله (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ)، وقال (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ)، فدل ذلك على نزول الأمر من أعلى السماوات الكونية لكل أرض، قال البغوي في تفسيره (يتنزل الأمر بينهن؛ أي بالوحي من السماء السابعة).
ث. آية البقرة (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ)، وآية فُصلت (ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ. فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ).
في البداية ينبغي أن نعلم أن آيات فُصلت هي تفصيل لما أُجمل في آية البقرة، فقبل الإستواء للسماء الدُخانية تم خلق الأرض وجبالها وتقدير أقواتها في أربعة أيام، وتفصيل ذلك مع بيان ما هو الدخان، وما هو مصدره، وهل تسويته لسبع سماوات أنتج السماوات العُلا الكونية أم الدُنا الجوية، فكل ذلك إن شاء الله في الجزء الثالث.
8. وبصفة عامة كل (سماء)، أو (سماوات) ارتبطت بالبناء والشدة، والتزيين بالكواكب، والبروج، والمصابيح، والحُبك، والنجم الطارق، وأحداث القيامة من الإنفطار، والإنشقاق، والكشط، والمور، والطي، وكل آيات خلق السماوات والأرض وما بينهما، والسماوات العُلا، والسبع الشداد، والطباق والطرائق، وكل سبع سماوات إلا سماوات فصلت الدُخانية، فكل هذه قرائن تُشير للسماوات العُلا الكونية، والله تعالى أعلى وأعلم.
■ الخاتمة
مما سبق يتيبن لنا أن هناك الكثير من الآيات التي تشير فيها لفظة (سماء)، ولفظة (سماوات)، الى العُلا الكونية فقط، حيث أن السياق توجد به قرائن واضحة للتخصيص كما بينت أعلاه.
اللهم ما كان من توفيق فمنك وحدك وما كان من ظن أو خطأ أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء.
د. محمود عبدالله نجا
كلية طب، جامعة المنصورة، مصر
هذا هو الجزء الثاني من بحث [كُلُ (سماء) و(سماوات) في القُرآن تشمل العُلا الكونية، والدُنا الجوية، إلا بقرينة للتخصيص]. في الجزء الأول تم استعراض آيات (سماء)، و(سماوات) التي فيها سياقات عامة، وبدون قرائن تخصيص، فتحتمل لُغوياً كُل من العُلا الكونية، والدُنا الجوية، ويمكن مراجعته على الرابط التالي؛
كُلُ (سماء) و(سماوات) في القُرآن تشمل العُلا الكونية، والدُنا الجوية، إلا بقرينة للتخصيص.
>>>الجزء الأول<<<
ورد المفرد (سماء) في القُرآن ١١٨ مرة في ١١٥ آية، بينما ورد الجمع (سماوات) ١٩٠ مرة في ١٨٨ آية. وتصف اللفظتان لُغوياً كل ما علا فأظل، مثل سقف البيت، والعلو المُطلق، والسحاب، والغلاف الجوي، والسماوات العُلا الكونية. وبرغم هذا الوضوح اللغوي الذي يجعل من الغلاف الجوي للأرض سماوات دُنا أسفل السماوات العُلا، إلا أنه لا توجد قاعدة شاملة تضبط فهمنا للمراد من لفظتي (سماء)، و(سماوات)، فلا نعرف متى تشير للكونية فقط، أو للجوية فقط، أو تشملهما معاً، فحدث قصور...
>>>الجزء الأول<<<
ورد المفرد (سماء) في القُرآن ١١٨ مرة في ١١٥ آية، بينما ورد الجمع (سماوات) ١٩٠ مرة في ١٨٨ آية. وتصف اللفظتان لُغوياً كل ما علا فأظل، مثل سقف البيت، والعلو المُطلق، والسحاب، والغلاف الجوي، والسماوات العُلا الكونية. وبرغم هذا الوضوح اللغوي الذي يجعل من الغلاف الجوي للأرض سماوات دُنا أسفل السماوات العُلا، إلا أنه لا توجد قاعدة شاملة تضبط فهمنا للمراد من لفظتي (سماء)، و(سماوات)، فلا نعرف متى تشير للكونية فقط، أو للجوية فقط، أو تشملهما معاً، فحدث قصور...
- محمود عبدالله إبراهيم نجا
- الاعجاز العلمي علم التفسير ، علم تدبر القرآن ، علم سور القرآن وآياته
- الردود: 4
- المنتدى: الملتقى العلمي للتفسير وعلوم القرآن
وفي هذا الجزء نستعرض آيات (سماء)، و(سماوات) التي بها قرائن تفيد السماوات العُلا الكونية فقط، وأقصد بها السبع المبنية التي تبدأ بالسماء الدُنيا المُزينة بالكواكب، فلا يدخل فيها الغلاف الجوي للأرض، وإليكم التفصيل.
1. آية (تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى)
العُلا جمع العالية، وتشير للسماوات المرتفعة، ولا يدخل فيها العرش، فقد ذكره الله مع السماوات السبع (قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)، فعُلم أنه غيرها. ولفظة (العُلا) تقتضي ألا تكون سماء الغلاف الجوي أعلى منها، قال الرازي، والزمخشري (وصف السموات بِالْعُلَا دَّلَالَةُ عَلَى عُلُوِّهَا وَبُعْدِ مُرْتَقَاهَا)، ومعلوم أن السبع الطباق المبنية التي تبدأ بالسماء الدنيا، هي أعلى من الغلاف الجوي للأرض، ولذا فهي تستحق وصف العُلا.
ذكر كتاب موسوعة التفسير المأثور قول مقاتل: ({تنزيلا ممن خلق الأرض} كلَّها، {والسماوات} السبع {العلى} يعني: [الرفيعة] مِن الأرض). فصرح مقاتل بأن العلا هي السماوات السبع. وفي تنوير المقباس من تفسير ابن عباس، أن المقصود بالسماوات العُلى هو (رفع بَعْضهَا فَوق بعض). والسماوات المرفوعة بعضها فوق بعض عند كل المفسرين بالإجماع هي السماوات السبع الطباق الكونية، فلا علم لهم بأن سماء الغلاف الجوي طبقات. وبلاغياً طالما هناك سماوات عُلا، فلابد من وجود سماوات دُنا تقع تحت العُلا، وبيان ذلك في الجزء الثالث بإذن الله.
2. آية (خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام)
سبق شرحها في الجزء الأول، حيث بينت أن السماوات في هذه الآية هي الكونية فقط، لأن ما بينهما يشمل الجوية، وأما الآيات التي ذكرت خلق السماوات والأرض بدون ذكر ما بينهما، فالسماوات فيها تشمل الكونية والجوية.
3. آية (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ).
في هذه الآية لا يمكن أن نجعل (سماء) الأولى مثل (سماء) الثانية في المعنى، فالأولى بإتفاق المفسرين تشير للسبع سماوات الشداد المبنية، والتي تبدأ بالسماء الدنيا، وأما الثانية فتشير للغلاف الجوي الذي به السحاب مصدر ماء المطر. وهذه الآية تُثبت يقيناً أن سماء نزول الماء هي الغلاف الجوي وليس السماء الكونية، فلو كان الماء ينزل من السماء المبنية الكونية فلا داعي لتكرار لفظة السماء مع نزول الماء، فيكفي أن يقول الله (والسماء بناء، أنزل منها ماء)، ولكن لإختلاف السماءين في المعنى فوجب التكرار.
4. كل آيات بناء السماء، ووصفها بالحبك، والسبع الشداد،مثل آية (ءأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها، رفع سمكها فسواها)، وآية (والسماء وما بناها)، وآية (جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً)، وآية (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون)، وآية (أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ)، وآية (وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا)، وآية (والسماء ذات الحُبُك).
السماء في هذه الآيات تحتمل لُغوياً أن تكون الكونية والجوية، ولكن قرائن السياق صرفت الذهن عن الجوية، وقصرت المعنى على الكونية فقط.
أول قرينة هي لفظة البناء، وهو لُغةً كما قال ابن عاشور، يدل على (جعل الشيء مشدودة أجزاءه بعضها إلى بعض)، وهذا لا ينطبق على الغلاف الجوي الذي هو من أجزاء مُتفككة عن بعضها البعض، ولكن ينطبق على السماوات العُلا، ففيها الافلاك، والبروج والكواكب والنجوم، والطرائق، والمعارج، وما أجمل ما وصفها الله بالحُبك، فقال (والسماء ذات الحُبُك)، والحُبك كما قال الطبري، وغيره، اي ذات الخلق الحسن، وذات الزينة، وذات النجوم، وذات الطرائق، وذات الشدة فهي السبع الشداد مُتقنة البنيان. وثاني قرينة هي رفع سمك البناء (رفع سمكها)، فكما قال القُرطبي (أي أعلى سقفها في الهواء ; يقال : سمكت الشيء أي رفعته في الهواء)، فالهواء ليس من السماء المبنية، فكما سبق وبينت يقع فوق الأرض، وتحت السماء الدُنيا.
وثالث قرينة هي توسع السماء المبنية (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون) لتصرف الذهن تماما عن الغلاف الجوي لأنه لا يتوسع. ورابع قرينة هي تزيين السماء المبنية بالكواكب (أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا)، والسماء المُزينة بالكواكب بنص القرآن هي السماء الدُنيا، وليست السماء الجوية (إنا زينا السماء الدُنيا بزينة الكواكب).
وأخيراً تم حسم أمر السماء المبنية بأنها الكونية فقط، ولا يمكن أن تحتمل الجوية، وذلك من خلال تحديد عددها في آية (وبنينا فوقكم سبعاً شدادا)، فعدد السماوات الشداد المبنية هو سبعة، ولو أضيف لها الجوية لصار العدد أكبر من سبعة، ولذا فكل سماء مبنية في القُرآن فهي العُلا الكونية فقط، ولا تحتمل الدُنا الجوية.
5. آيات هدم السماء المبنية، ومنها آية (إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ، وإذا الكواكب انتثرت)، وآية (السَّمَاءُ مُنفَطِرٌ بِهِ)، وآية (فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ)، وآية (وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ)، وآية (اذا السماء انشقت)، وآية (إِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ)، وآية (وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ)، وآية (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا)، وآية (يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ).
وعكس البناء الإنفطار والتشقق، فهدم بُنيان السماء في سياق أحداث القيامة، كما قال كل المفسرين يحكي عن السماوات الكونية وليس الجوية، والذي يؤكد ذلك قرينة إنتثار الكواكب بعد إنفطار السماء، فالكواكب زينة السماء الدُنيا.
6. آية (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ)، وآية (وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا).
أبواب السماء في الآيتين عند كل المفسرين تشير للسماء الكونية، والتي تفتح يوم القيامة لنزول الملائكة، والتي حرم الله على روح الكافر وعمله أن تُفتح له أبوابها، وهذا ما ذكره الطبري في ترجيحه مستدلا بأحاديث قبض روح المؤمن والكافر، وكيف تُغلق أبواب السماء حتى السماء السابعة في وجه الكافر، وتفتح للمؤمن. وهذه الأبواب تختلف عن أبواب آية (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ)، فالسياق مختلف، فقرينة الماء المنهمر تشير للسماء الجوية كما سنرى في الجزء الثالث.
7. آيات (سماوت) الموصوفة بالعدد سبعة
مُحال أن يُشير العدد سبعة عند إقترانه بلفظة (سماوات)، للعلا الكونية والدُنا الجوية معاً، فالعُلا الكونية بنص القُرآن والسُنة عددها سبعة، ولو أضفنا لها الجوية فسيكون العدد أكبر من سبعة، ولذا فالعدد سبعة إما يُشير للكونية فقط، أو للجوية فقط. وللأسف تسرع بعض كُتاب الإعجاز العلمي ففسروا كل أو أغلب آيات (سماوات) الموصوفة بالعدد سبعة بطبقات الغلاف الجوي، ولا شك أنهم أخطأوا في ذلك، فقد أهملوا سياق الآيات، وتفسير المفسرين، والذي يدل على أن كل (سماوات) وصفت بالعدد سبعة تتحدث عن العلا الكونية، ولا أستثني من ذلك إلا آية السماء الدُخانية في سورة فصلت، فإنها تحتمل عندي بدلائل كثيرة الحديث عن خلق السماء الجوية للأرض (الغلاف الجوي)، وبيان ذلك في الجزء الثالث بإذن الله تعالى.
أ. آية (قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)، وآية (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ، وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ).
إذا فسرنا (السماوات السبع) في الآيتين بالغلاف الجوي فقد قللنا من قيمة ربوبية رب العالمين، ومن قيمة التسبيح له، فبأي منطق يُقارن الله الغلاف الجوي للأرض بأعظم مخلوقاته وهو العرش العظيم، وبأي منطق يُعظم الله من تسبيح الغلاف الجوي، ويترك تسبيح العلا الكونية، وقد فسر ابن كثير والسعدي السماوات في هذه الآية (رب السماوات السبع) بالسماوات العلا الكونية، ولا شك أن آياتها وتسبيحها أعظم بكثير من آيات وتسبيح الغلاف الجوي. وأما تسبيح الغلاف الجوي فيدخل في صيغة العموم (وإن من شيء إلا يسبح بحمده)، التي ذكرها الله بعد تسبيح السماوات السبع.
ب. آية (وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وما كنا عن الخلق غافلين. وأنزلنا من السماء ماء)، وآية (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ)، وآية (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا. وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا).
لكي لا يتوهم العقل أن السماوات العُلا الكونية بناها الله مُتجاورات كتجاور قطع الأرض (وفي الأرض قطع متجاورات)، فقد وصف الله السماوات العُلا بأنهن طباق، وطرائق أي بعضهن فوق بعض، وذلك بإجماع المفسرين، قال الطبري عن الطرائق (ولقد خلقنا فوقكم أيها الناس سبع سموات، بعضهن فوق بعض، والعرب تسمي كل شيء فوق شيء طريقة. وإنما قيل للسموات السبع سبع طرائق؛ لأن بعضهنّ فوق بعض، فكلّ سماء منهنّ طريقة). وقد صرح السعدي في تفسيره بأن هذه الطرائق أو الطباق هي المزينة بالكواكب والنجوم، وأبدع ابن عاشور حين فهم سبب تسمية السماوات العلا الكونية بالطرائق، ففيها طرق سير الكواكب والنجوم، ثم قال وقد سمى الله الكوكب بالطارق في قوله (والسماء والطارق)، وذلك لسيره في طريق، فكل سائر في طريق طارق، ولا شك أن الطرائق تستلزم سائرات فيها، فكان المعنى : خلقنا السيارات وطرائقها، ولذا نرى كثير من التفاسير كالطبري يفسر الطرائق بأنها طرق للملائكة. ومما يؤكد أن الطرائق سماوات كونية وليست جوية، أن الله ذكر بعد الطرائق مباشرة قوله (وأنزلنا من السماء ماء)، فلو كانت الطرائق هي الجوية لقال الله (ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق، وأنزلنا منها ماء)، فلا فائدة من ذكر السماء، فضمير الإشارة يُغني. وأقوى من ذلك كله أن الله صرح بأن الطباق التي هي الطرائق أن الطرائق فيها الشمس والقمر فقال (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا. وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا)، ومعلوم بإجماع المفسرين أن الشمس والقمر أجسام سماوية من زينة السماء الدنيا.
ت. آية (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ).
لو قلنا السماوات في هذه الآية تشير لطبقات الغلاف الجوي، لجعلنا أوامر الله تتنزل بين الغلاف الجوي والأرض، ولخالفنا إجماع المفسرين الذين قالوا بأن المقصود هو نزول الأمر من السبع الطباق الكونية، ومعلوم أن تدبير الأمر يكون من قبل الله من فوق عرشه فوق السماوات السبع الكونية، فالأمر يتنزل عبر السماوات الكونية، قال الله (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ)، وقال (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ)، فدل ذلك على نزول الأمر من أعلى السماوات الكونية لكل أرض، قال البغوي في تفسيره (يتنزل الأمر بينهن؛ أي بالوحي من السماء السابعة).
ث. آية البقرة (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ)، وآية فُصلت (ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ. فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ).
في البداية ينبغي أن نعلم أن آيات فُصلت هي تفصيل لما أُجمل في آية البقرة، فقبل الإستواء للسماء الدُخانية تم خلق الأرض وجبالها وتقدير أقواتها في أربعة أيام، وتفصيل ذلك مع بيان ما هو الدخان، وما هو مصدره، وهل تسويته لسبع سماوات أنتج السماوات العُلا الكونية أم الدُنا الجوية، فكل ذلك إن شاء الله في الجزء الثالث.
8. وبصفة عامة كل (سماء)، أو (سماوات) ارتبطت بالبناء والشدة، والتزيين بالكواكب، والبروج، والمصابيح، والحُبك، والنجم الطارق، وأحداث القيامة من الإنفطار، والإنشقاق، والكشط، والمور، والطي، وكل آيات خلق السماوات والأرض وما بينهما، والسماوات العُلا، والسبع الشداد، والطباق والطرائق، وكل سبع سماوات إلا سماوات فصلت الدُخانية، فكل هذه قرائن تُشير للسماوات العُلا الكونية، والله تعالى أعلى وأعلم.
■ الخاتمة
مما سبق يتيبن لنا أن هناك الكثير من الآيات التي تشير فيها لفظة (سماء)، ولفظة (سماوات)، الى العُلا الكونية فقط، حيث أن السياق توجد به قرائن واضحة للتخصيص كما بينت أعلاه.
اللهم ما كان من توفيق فمنك وحدك وما كان من ظن أو خطأ أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء.
د. محمود عبدالله نجا
كلية طب، جامعة المنصورة، مصر