قرائن تُرجح السماوات الدُنا الجوية في آيات (سماء)، و(سماوات)، بما في ذلك سماء فُصلت الدُخانية.

إنضم
08/02/2024
المشاركات
94
مستوى التفاعل
9
النقاط
8
العمر
52
الإقامة
مصر، المنصورة
Presentation1.jpg

قرائن تُرجح السماوات الدُنا الجوية في آيات (سماء)، و(سماوات)، بما في ذلك سماء فُصلت الدُخانية.

هذا هو الجزء الثالث من بحث [كُلُ (سماء) و(سماوات) في القُرآن تشمل العُلا الكونية، والدُنا الجوية، إلا بقرينة للتخصيص]، وفيه نستعرض آيات (سماء)، و(سماوات) التي بها قرائن تفيد السماوات الدُنا الجوية فقط (الغلاف الجوي للأرض)، وأيضاً سنعرف لماذا أطلقت على الغلاف الجوي إسم (السماوات الدُنا)، وإليكم التفصيل.

1. كل آيات نزول الماء من السماء مثل (وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ من ماء)، و(وأنزل من السماء ماء)، وآية (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ).


ذكر الله نزول الماء من السماء في حوالي ٢٥ آية، وقد فسرها الأكثرية بالسحاب، وهذا ما ذكره ابن تيمية في مجموع الفتاوى ج٢٦، ص١٦، فقال (وماء السماء ينزل من السحاب والله ينشئه من الهواء الذى في الجو)، وعليه فالسماء في هذه الآيات هي الغلاف الجوي الذي به الرياح، والسحاب، والمطر. ولنا أن نسأل لماذا يذكر الله نزول الماء من السماء في أغلب الآيات بدلاً من السحاب؟. هل أطلق الله الكل (سماء) وأراد البعض (سحاب)، أم أطلق الكل وأرد الكل؟

فأقول وبالله التوفيق، أشار الله للدور المهم للسحاب في المطر بذكر نشأة السحاب الثقال، ثم إنزال الماء الثجاج من المُعصرات، وهي السحاب بترجيح الطبري وأغلب المُفسرين، ولكن السحاب مُجرد عامل واحد من عوامل كثيرة في الغلاف الجوي تحكم تكون المطر، فهناك عوامل أخرى مثل الرطوبة، والرياح، والتيارات الهوائية الصاعدة والهابطة، ونوى التكثف، والسحب العُليا الثلجية، ولذا فالتعبير بـنزول الماء من "السماء"، يشمل جميع الأسباب العلوية التي تُسهم في إنزال ماء المطر. وأما الذين فسروا هذه الآيات بنزوا الماء من السماء الدنيا (الكونية)، فهو قول مرجوح، وأراه خطأ، فالقرآن نص على أن أصل ماء الأرض خرج منها، وذلك في آية (والأرض بعد ذلك دحاها. أخرج منها ماءها) وكلمة ماءها، تشمل كل ماء الأرض، وهذه الآية جاءت في سياق تكوين السماوات والأرض، وهذا القول متوافق مع الإكتشافات العلمية الحديثة التي تشير لقدم الماء، وأنه أقدم من الأرض وبكميات وفيرة، وأنه دخل للأرض منذ بدايتها مع فتق الأرض من السُدم الكونية، وأنه خرج لاحقًا من باطنها عبر النشاط الجيولوجي، ولذلك بحث خاص إن شاء الله.

2. آية (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ)، وآية (وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض)، وآية (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ).

ومعلوم أن بسط السحاب وتصريفه ليس في السماء الدُنيا، ولكن في هواء الأفق القريب منا كما قال ابن كثير في تفسيره (ثم يبسطها حتى تملأ أرجاء الأفق)، أو كما قال ابن عاشور في تفسيره (والسَّماءُ: الجَوُّ الأعْلى وهو جَوُّ الأسْحِبَةِ). كما يقول ابن عاشور في تفسير البرد الذي ينزل من السماء (ومعنى ينزل من السماء، اي يُسقط من علو إلى سفل، أي يُنزل من جو السماء إلى الأرض).

3. آية (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ).

وسواء كانت الشجرة هي النخلة كما قال بعض المفسرين، أو غيرها من الأشجار الطويلة، فإن فرعها في الهواء، ولا يُمكن أن يُقال فرعها في السماء الدُنيا، ولكن في سماء تحت السماء الدُنيا، فسمى الله الهواء الذي ترتفع فيه الشجرة سماء.

4. آية (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ).

ومعلوم أن الطير ترتفع فوقنا صافات ويقبضن، وذلك داخل هواء الغلاف الجوي، وليس في السماء الدُنيا، فوصف الله ذلك الهواء بأنه سماء.

5. تعبير (ما بينهما) في كثير من الآيات مثل آية (رب السماوات والأرض وما بينهما)، وآية (له ما في السماوات وما في الأرض، وما بينهما، وما تحت الثرى).

السماوات في هذه الآيات تحتمل لُغوياً الكونية والجوية، ولكن قرينة (وما بينهما) تأبى ذلك، فأحد معاني (ما بينهما)، كما ذكر بعض المفسرين، هو هواء الغلاف الجوي، والذي ثبت علمياً أنه يمتد من الأرض إلى القمر في السماء الدنيا، فهو مخلوق لا ينتمي للسماوات العُلا الكونية، ولكن يقع أسفل منها، فيكون بالنسبة لها سماوات دُنا.
وعليه (السماوات) في هذه الآيات التي تذكر قرينة (ما بينهما)، هي العُلا الكونية، و(ما بينهما)، يشير للدُنا الجوية. وهذا بخلاف الآيات التي لم تذكر (ما بينهما)، مثل آية (خلق السماوات والأرض في ستة أيام)، فعدم ذكر ما بينهما جعل السماوات في هذه الآية تحتمل الكونية والجوية معاً، وهذا ما قرره ابن تيمية في مجموع الفتاوى (١٤ / ٤١٧)، فقال (فَتَارَةً يَذْكُرُ الله وَمَا بَيْنَهُمَا فِيمَا خَلَقَهُ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، وَتَارَةً لَا يَذْكُرُهُ، وَهُوَ مُرَادٌ، فَإِنْ ذَكَرَهُ كَانَ إيضَاحًا وَبَيَانًا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ دَخَلَ فِي لَفْظِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ).

6. آية (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ. يَغْشَى النَّاسَ هَٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ).

لفظة (السماء) في هذه الآية حيرتني كثيراً حتى ترجح عندي أنها تشير للسماء الدُنا الجوية (الغلاف الجوي)، لأن الآية لا يوجد فيها قرينة للكونية، وأول ما يتبادر للذهن عند سماع (الدخان)، أن مصدره أرضي، كأحد نواتج الإحتراق، والإنفجار، أو ما شابه، وقد أشار لذلك بعض المفسرين كابن عاشور الذي قال (قد يكون غبارًا متصاعدًا من شدة الجفاف أو الحرب). وطالما كان مصدر هذا الدخان أرضي فإنه بحسب القواعد الفيزيائية، فإنه لخفته عن الهواء يصعد لطبقات الغلاف الجوي، ويبدأ في الإنتشار ليراه الناس ويتأثروا به، قال القرطبي في تفسيره (قال مجاهد : كان ابن مسعود يقول: هما دخانان قد مضى أحدهما ، والذي بقي يملأ ما بين السماء والأرض)، والذي بين السماء والأرض هو هواء الغلاف الجوي، فهذا الدخان يملأ الغلاف الجوي للأرض. ولعل في قول الله ﴿تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ﴾، دلالة على أن هذا الدخان ستأتي به السماء من مكان بعيد، فهذه العبارة قد تُوحي بأن الدخان ينقله الغلاف الجوي، وفي لفظة (يغشى) دلالة على ذلك لأن من معانيها المجيء والقدوم، بالإضافة إلى معنى التغطية والإحاطة. ولعل في ذلك إشارة إلى إنتقال الدخان عبر الغلاف الجوي ليغشى مناطق واسعة بعد نشأته في مكان ما، وهذا يشبه تكون السحاب من مصدر أرضي ثم تصريفه داخل الغلاف الجوي لأماكن أخرى غير مكان تكونه.

7. آية البقرة {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا، ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ}، وآية فُصلت {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين.................ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ. فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا}.

آية فُصلت هي تفصيل لما أُجمل في آية البقرة، ولذا فالسماء فيهما واحدة، والآيتان فيهما ذكر خلق الأرض وجبالها وأقواتها، وسماءها الدخانية. والسماء لُغةً تحتمل الجوية والكونية، ولكن تسويتها لسبع سماوات يأبي أن تكون الكونية والجوية معاً، وإلا صار العدد أكبر من سبعة. وقد رجح البعض أن سماء فصلت الدخانية هي الكونية بدلالة العدد سبعة (فسواهن سبع سماوات)، لأنه توهم أن كل (سماوات) إقترنت بالعدد (سبعة) لابد أن تكون كونية، بغض النظر عن باقي قرائن السياق.
والذي أراه واضحاً أن هناك قرائن أخرى تستثني سماء فصلت الدُخانية من هذا التعميم، وهذا نظير ذكر الماء في القرآن، فلا يوجد عاقل يقول كل ماء في القرآن هو نوع واحد، فهناك ماء تحت العرش، وماء الأرض ومنه المالح والعذب، وماء مطر، وماء العذاب، وماء الشهوة، وهو أنواع، منها الدافق وغير الدافق، وحتى الدافق منه أنواع، أحدها يخرج من بين الصلب والترائب فمنه خلق الولد، والآخر لا يخرج من بين الصلب والترائب، ولا يُخلق منه الولد. فكلما زادت القرئن اتضح مُراد الله من اللفظة، وهناك قرائن كثيرة تثبت يقيناً أن مُراد الله بسماوات فصلت الدُخانية هو خلق سماء الأرض الجوية، ولكن لطول البحث فسأكتفي في هذا الجزء بإثنتين لتحفزنا على تدبر الآيات بشكل أصح، ثم أعرض الباقي في بحث منفصل بإذن الله تعالى.

وأول قرينة ينبغي الإنتباه لها هي وصف حالة السماء بالدُخان، فأول ما يتبادر لذهن العربي عند سماع كلمة (دُخان) هو أن له أصل أرضي كناتج إحتراق بعض مركبات الأرض، وتبخر ماءها، وعلمياً الأرض بعد إنفصالها عن السماوات كانت ساخنة، وبها من العمليات الجيولوجية ما يكفي لتكون هذه السماء الدخانية. ولا يوجد في الآية قرينة تصرف الذهن عن هذا الفهم سوى قرينة الوهم، فالغالبية تفترض أن سماء فصلت الدُخانية نتجت من فتق الرتق، ولكن عند التحقيق سنجد أنه إفتراض لا دليل عليه، وتنفيه القرينة الثانية، فالله استوى لسماء واحدة دخانية فجعلها سماوات، وفتق الرتق أنتج من البداية (سماوات) وليس سماء واحدة، فمن جعل سماء فصلت الدخانية ناتج فتق الرتق فقد خالف ظاهر القرآن في موضعين؛

أ. آية (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا)، وقد بينت في الجزء الثاني أن السماوات في هذه الآية كونية وجوية، لأن الرتق فيه مادة عالمنا كله، والفتق أنتج من الرتق أرضنا، والسماوات، وليس سماء واحدة دخانية، وهذا الحدث تم في يومين لقول الله (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ)، فالآية صريحة في أن أرضنا لم تُفتق عن لا شيء، أو عن سماء دُخانية، ولكن عن (السماوات)، وذلك في نهاية أول يومين من أيام الخلق الستة. وعلمياً الأرض فُتقت من أحد سُدم السماء الكونية.

ب. آية {ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ. فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ}، وهي صريحة في استواء الله لسماء واحدة دخانية، وليس لسماوات، ولم تصبح سبع سماوات الا بعد التسوية، فكيف يُقال أن فتق الرتق أنتج هذه السماء الدخانية الواحدة، مع أن فتق الرتق أنتج السماوات؟!!!.

وهاتان القرينتان تجعلنا نفكر جدياً في أن سبع سماوات الرتق ليست هي سماء فُصلت الدخانية، ويُحل هذا الإشكال بفهم أن الأرض فُتقت أولاً عن السماء الكونية، ثم لاحقا تشكل غلافها الدخاني، والذي تمت تسويته لاحقاً لطبقات الغلاف الجوي، وإن شاء الله تفصيل ذلك مع باقي القرائن في الجزء الرابع.

أسباب تسمية الغلاف الجوي بالسماوات الدُنا؟

1. الغلاف الجوي يعلو الأرض، فيصح لُغوياً أن يُطلق عليه (سماء)، ولأنه يتكون من طبقات مختلفة تركيبياً ووظيفياً، فيجوز أن يُطلق عليه سماوات، ولأنه يقع أسفل السماوات العُلا الكونية فيصح لُغوياً أن يُطلق على السماوات الدُنا الجوية.

2. تبين لنا من الأدلة أعلاه أن الله أطلق لفظة السماء على الغلاف الجوي الذي منه الماء، وفيه السحاب، والطير، وفرع الشجر، بما يعني منطقياً أن الغلاف الجوي يُعتبر سماء تفصل الأرض عن السماء الدُنيا، ومعروف أن أحد معاني فتق الرتق، التي ذكرها المفسرون، هو فصل الأرض عن السماء بالهواء (الجو)،. وفي الجزء الأول من هذا البحث رأينا الكثير من الآيات التي تشير فيها لفظة (سماء)، ولفظة (سماوات)، الى كل من العُلا الكونية، والدُنا الجوية، حيث أن السياق لا توجد به قرائن للترجيح، والفهم اللغوي والتفسيري للآيات يحتمل الجمع بين الكونية والجوية، مثل السماوات المرتبطة بعلم الله، ومعرفته الغيب، وما خفي في السماء من الخزائن، والسر، والذرة، والخبء، وكل نظر أو تدبر في آيات السماء، وما فيها، وماذا فيها، ونزول البركات، والأرزاق من السماء. وطالما الغلاف الجوي يدخل في مفهوم لفظتي (سماء)، و(سماوات)، فيُعتر سماوات دُنا أسفل السماوات العُلا.

3. رأينا أعلاه أن تعبير (وما بينهما) يشير لهواء الغلاف الجوي الذي يمتد من الأرض إلى القمر في السماء الدنيا، فهو مخلوق لا ينتمي للسماوات العُلا الكونية، ولكن يقع أسفل منها، فيكون بالنسبة لها سماوات دُنا (رجاء مراجعة الصورة المرفقة).

4. بلاغياً مُصطلح (السماوات العُلا) يشير لحتمية وجود سماوات دُنا. قال الله (تنزيلاً ممن خلق الأرض والسماوات العُلا)، والعُلا جمع العالية، وتشير للسماوات المرتفعة (السبع الطباق) بإتفاق المفسرين. وكلمة (العُلا) ذُكرت في القرآن مرتين، مرة مع السماوات، والأخرى مع درجات المؤمنين (فَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا)، ومعلوم أن درجات المؤمنين منها العُلا ومنها الدُنا، وهي جمع الدُنيا، أي ما دون العُلا، وبالمثل فكما أن هناك سماوات عُلا، ففي المُقابل لابد أن تكون هناك سماوات دُنا، فلفظة (العُلا) اسم تفضيل، فيُفترض أن تفاضل بين شيئين، المُفضل، والمُفضل عليه، ولذا ففي آيتيّ العُلا محذوف وهو المُفضل عليه (الدُنا). وأهل اللغة والبلاغة يقولون بأن حذف المُفضل عليه لفظاً لا يعني نكارته وعدم معرفته، ولكنه مذكور حُكمًا، ويُلمح بدلالة السياق، وذلك مثل قول الله (والأخرة خير وأبقى)، أي خير، وأبقى من الدنيا. وعليه فوصف الله لسماوات الكون بالعُلا فيه دلالة على وجود سماوت أُخرى تُشاركها صفة العلو، ولكنها أدنى من السماوات العُلا، وهي الغلاف الجوي.

5. ينبغي أن نلاحظ نسبية "دُنيا" و"دُنا"، فلا نخلط بينهما، فالسماء الدُنيا هي الكونية المُزينة بالكواكب، وهي أولى السماوات العُلى، بينما السماوات الدُنا فتشير لطبقات الغلاف الجوي والتي تقع جميعها أسفل السماء الدُنيا الكونية.

الخاتمة

هذا البحث بأجزائه الأول، والثاني والثالث (الذي بين أيديكم)، هو مجرد بداية لفهم شامل للفظتي (سماء)، و(سماوات) في القُرآن، وقد اجتهدت قدر المستطاع لفهم الآيات بحسب السياق وما فيها من قرائن، وبحسب أقوال المفسرين، ولا أدعي العصمة فكل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون. وقد تبين لنا أن لفظتي (سماء) و(سماوات) تشمل العُلا الكونية، والدُنا الجوية، إلا بقرينة واضحة في السياق ترجح العُلا الكونية فقط، أو الدُنا الجوية فقط، وأن القُرآن كان دقيقاً عندما وصف الغلاف الجوي بلفظتي (سماء)، و(سماوات)، وأنه يجوز وصف الغلاف الجوي بمصطلح (السماوات الدُنا)، والتي تقع أسفل السماوات العُلا. كما تبين لنا أن كل سماوات ارتبطت بالعدد سبعة فهي الكونية، إلا في آية سماء فصلت الدُخانية، فهناك من القرائن ما يصرف الذهن عن الكونية إلى الجوية، والله تعالى أعلى وأعلم.

اللهم ما كان من توفيق فمنك وحدك وما كان من ظن أو خطأ أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء.

د. محمود عبدالله نجا
عضو هيئة تدريس، كلية طب المنصورة، مصر
 
الجزء الأول
وفيه تم استعراض آيات (سماء)، و(سماوات) التي فيها سياقات عامة، وبدون قرائن تخصيص، فتحتمل لُغوياً كُل من العُلا الكونية، والدُنا الجوية.

 
الجزء الثاني
وفيه تم استعراض آيات (سماء)، و(سماوات) التي بها قرائن تفيد السماوات العُلا الكونية فقط، وأقصد بها السبع المبنية التي تبدأ بالسماء الدُنيا المُزينة بالكواكب، فلا يدخل فيها الغلاف الجوي للأرض

الجزء الأول
وفيه تم استعراض آيات (سماء)، و(سماوات) التي فيها سياقات عامة، وبدون قرائن تخصيص، فتحتمل لُغوياً كُل من العُلا الكونية، والدُنا الجوية.

الجزء الثاني
وفيه تم استعراض آيات (سماء)، و(سماوات) التي بها قرائن تفيد السماوات العُلا الكونية فقط، وأقصد بها السبع المبنية التي تبدأ بالسماء الدُنيا المُزينة بالكواكب، فلا يدخل فيها الغلاف الجوي للأرض
 
السلام عليكم
من أين جئت بالسماوات الدنيا الجوية؟؟
هناك فقط سبع سماوات لا غير
وعليكم السلام ورحمة الله
من سؤالكم أستطيع القول بأنك لم تقرأ البحث، رجاء الإطلاع لنهاية ستجد في نهايته سبب تسمية الغلاف الجوي بالسماوات الدُنا
 
وعليكم السلام ورحمة الله
من سؤالكم أستطيع القول بأنك لم تقرأ البحث، رجاء الإطلاع لنهاية ستجد في نهايته سبب تسمية الغلاف الجوي بالسماوات الدُنا
... سؤالي هو عن الدليل من القرآن و ليس من خلال البحث .. بمعنى آخر: في آية يخبرنا الله أن هناك سماوات الدنيا الجوية ...
 
... سؤالي هو عن الدليل من القرآن و ليس من خلال البحث .. بمعنى آخر: في آية يخبرنا الله أن هناك سماوات الدنيا الجوية ...
لا يوجد دليل مباشر على تسمية الغلاف الجوي بالسماوات الدُنا، ورجاء لاحظ أنها الدنا وليست الدنيا، فالسماء الدنيا نصا هلي أولى السماوات العلا.
وأما تسمية الغلاف الجوي بالسماوات الدنا فاستنباطا كما رأيت في الأسباب اعلاه، فهي تنكر الاستباط غير المباشر، وهي أسباب الاستنباط اعلاه خالفت نصا في القرآن او السنة، او خالفت اللغة؟
فكما رأيت الله سمى الغلاف الجوي سماء، وأدخله في مسمى السماوات، وهو بين الأرض والسماء الدنيا، أي يقع تحت السماء الدنيا، وما فوقه من سماوات كونية اسمها العلا، فبالله أخبرني بسبب واحد منطقي يمنعني من تسمية الغلاف الجوي بالسماوات الدنا!!
 
لا يوجد دليل مباشر على تسمية الغلاف الجوي بالسماوات الدُنا، ورجاء لاحظ أنها الدنا وليست الدنيا، فالسماء الدنيا نصا هلي أولى السماوات العلا.
وأما تسمية الغلاف الجوي بالسماوات الدنا فاستنباطا كما رأيت في الأسباب اعلاه، فهي تنكر الاستباط غير المباشر، وهي أسباب الاستنباط اعلاه خالفت نصا في القرآن او السنة، او خالفت اللغة؟
فكما رأيت الله سمى الغلاف الجوي سماء، وأدخله في مسمى السماوات، وهو بين الأرض والسماء الدنيا، أي يقع تحت السماء الدنيا، وما فوقه من سماوات كونية اسمها العلا، فبالله أخبرني بسبب واحد منطقي يمنعني من تسمية الغلاف الجوي بالسماوات الدنا!!
الاخ الكريم ، لا أتكلم عن التسمية و ليست مسألة مخالفة للقرآن أو السنة أو اللغة ... فقط سؤالي كيف عرفت أن هناك سماوات الدنا ... ما هي الآيات التي استنتجت منها ذلك
 
الاخ الكريم ، لا أتكلم عن التسمية و ليست مسألة مخالفة للقرآن أو السنة أو اللغة ... فقط سؤالي كيف عرفت أن هناك سماوات الدنا ... ما هي الآيات التي استنتجت منها ذلك

أسباب تسمية الغلاف الجوي بالسماوات الدُنا؟

1. الغلاف الجوي يعلو الأرض، فيصح لُغوياً أن يُطلق عليه (سماء)، ولأنه يتكون من طبقات مختلفة تركيبياً ووظيفياً، فيجوز أن يُطلق عليه سماوات، ولأنه يقع أسفل السماوات العُلا الكونية فيصح لُغوياً أن يُطلق على السماوات الدُنا الجوية.

2. تبين لنا من الأدلة أعلاه أن الله أطلق لفظة السماء على الغلاف الجوي الذي منه الماء، وفيه السحاب، والطير، وفرع الشجر، بما يعني منطقياً أن الغلاف الجوي يُعتبر سماء تفصل الأرض عن السماء الدُنيا، ومعروف أن أحد معاني فتق الرتق، التي ذكرها المفسرون، هو فصل الأرض عن السماء بالهواء (الجو)،. وفي الجزء الأول من هذا البحث رأينا الكثير من الآيات التي تشير فيها لفظة (سماء)، ولفظة (سماوات)، الى كل من العُلا الكونية، والدُنا الجوية، حيث أن السياق لا توجد به قرائن للترجيح، والفهم اللغوي والتفسيري للآيات يحتمل الجمع بين الكونية والجوية، مثل السماوات المرتبطة بعلم الله، ومعرفته الغيب، وما خفي في السماء من الخزائن، والسر، والذرة، والخبء، وكل نظر أو تدبر في آيات السماء، وما فيها، وماذا فيها، ونزول البركات، والأرزاق من السماء. وطالما الغلاف الجوي يدخل في مفهوم لفظتي (سماء)، و(سماوات)، فيُعتر سماوات دُنا أسفل السماوات العُلا.

3. رأينا أعلاه أن تعبير (وما بينهما) يشير لهواء الغلاف الجوي الذي يمتد من الأرض إلى القمر في السماء الدنيا، فهو مخلوق لا ينتمي للسماوات العُلا الكونية، ولكن يقع أسفل منها، فيكون بالنسبة لها سماوات دُنا (رجاء مراجعة الصورة المرفقة).

4. بلاغياً مُصطلح (السماوات العُلا) يشير لحتمية وجود سماوات دُنا. قال الله (تنزيلاً ممن خلق الأرض والسماوات العُلا)، والعُلا جمع العالية، وتشير للسماوات المرتفعة (السبع الطباق) بإتفاق المفسرين. وكلمة (العُلا) ذُكرت في القرآن مرتين، مرة مع السماوات، والأخرى مع درجات المؤمنين (فَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا)، ومعلوم أن درجات المؤمنين منها العُلا ومنها الدُنا، وهي جمع الدُنيا، أي ما دون العُلا، وبالمثل فكما أن هناك سماوات عُلا، ففي المُقابل لابد أن تكون هناك سماوات دُنا، فلفظة (العُلا) اسم تفضيل، فيُفترض أن تفاضل بين شيئين، المُفضل، والمُفضل عليه، ولذا ففي آيتيّ العُلا محذوف وهو المُفضل عليه (الدُنا). وأهل اللغة والبلاغة يقولون بأن حذف المُفضل عليه لفظاً لا يعني نكارته وعدم معرفته، ولكنه مذكور حُكمًا، ويُلمح بدلالة السياق، وذلك مثل قول الله (والأخرة خير وأبقى)، أي خير، وأبقى من الدنيا. وعليه فوصف الله لسماوات الكون بالعُلا فيه دلالة على وجود سماوت أُخرى تُشاركها صفة العلو، ولكنها أدنى من السماوات العُلا، وهي الغلاف الجوي.

5. ينبغي أن نلاحظ نسبية "دُنيا" و"دُنا"، فلا نخلط بينهما، فالسماء الدُنيا هي الكونية المُزينة بالكواكب، وهي أولى السماوات العُلى، بينما السماوات الدُنا فتشير لطبقات الغلاف الجوي والتي تقع جميعها أسفل السماء الدُنيا الكونية.
 
شكرا على تفصيلك للشرح .. فواصل البحث ... جزاك الله خيرا


لي سؤال و هو : لماذا صنفت السماء الدنيا من السماوات العلى...
فمثلا قد يكون السماوات الكونية بين العدد الستة و إثنان، و بهذا يكون السماء الدنيا من الكونية و لكن ليست من العلا، فلماذا حسمت الأمر أنهم سبعة ... ما هو دليلك
 
شكرا على تفصيلك للشرح .. فواصل البحث ... جزاك الله خيرا


لي سؤال و هو : لماذا صنفت السماء الدنيا من السماوات العلى...
فمثلا قد يكون السماوات الكونية بين العدد الستة و إثنان، و بهذا يكون السماء الدنيا من الكونية و لكن ليست من العلا، فلماذا حسمت الأمر أنهم سبعة ... ما هو دليلك
العفو أخي الفاضل، أتمنى أن تكون الصورة قد ااضحت لكم
وعلى فكرة هذا الاستنباط تم عرضه على فضيلة د. محمد عبدالسميع يونس رئيس قسم أصول اللغة بكلية الدراسات جامعة الأزهر، فكان رده كما هو في الصورة المرفقة

Screenshot_20250629_161452_Facebook.jpg
 
و
شكرا على تفصيلك للشرح .. فواصل البحث ... جزاك الله خيرا


لي سؤال و هو : لماذا صنفت السماء الدنيا من السماوات العلى...
فمثلا قد يكون السماوات الكونية بين العدد الستة و إثنان، و بهذا يكون السماء الدنيا من الكونية و لكن ليست من العلا، فلماذا حسمت الأمر أنهم سبعة ... ما هو دليلك
أما بالنسبة لسؤالكم عن دليل احتساب السماء الدنيا كأولى السماوات العلا، فهو من حديث المعراج في البخاري ومسلم، وأنقل لكم الشاهد من الحديث
(
فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ
فَقِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَفَتَحَ فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا فِيهَا آدَمُ فَقَالَ هَذَا أَبُوكَ آدَمُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلَامَ ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ).

فكما ترى انتقل جبريل والنبي من السماء الدنيا الى السماء الثانية، فدل ذلك على أنها اولى السماوات العلا، والله تعالى اعلى وأعلم.
 
و

أما بالنسبة لسؤالكم عن دليل احتساب السماء الدنيا كأولى السماوات العلا، فهو من حديث المعراج في البخاري ومسلم، وأنقل لكم الشاهد من الحديث
(
فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ
فَقِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَفَتَحَ فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا فِيهَا آدَمُ فَقَالَ هَذَا أَبُوكَ آدَمُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلَامَ ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ).

فكما ترى انتقل جبريل والنبي من السماء الدنيا الى السماء الثانية، فدل ذلك على أنها اولى السماوات العلا، والله تعالى اعلى وأعلم.

شكرا لتفاعلكم ..


من الحديث يمكن استنباط أن السماء الدنيا هي كأولى السماوات الكونية و لكن لا أرى أنه يمكن إستنباط أنها من السماوات العلى ....
﴿والسَّمَاوَاتِ الْعُلَا﴾ يَعْنِي: الْعَالِيَةَ الرَّفِيعَةَ.

الحالة الأولى * وصف دون مقارنة مع نظيرتها

لو تم وصف السماوات من غير مقارنة بعضها البعض فهي كلها من السماوات العلى سواء كان الجوية الدنا أو الكونية.

الحالة الثانية * وصف مقارنة مع بعضها البعض
لقد وصف الله السماء الأولى الكونية بالسماء الدنيا و هذا الوصف مقارنة مع الست السموات الأخرى الكونية و ليس مقارنة مع السماوات الجوية الدنا لأن الأخيرة هي أقرب للأرض منها.
فلهذا ما زلت أرى أن السماء الدنيا هي من السماوات الكونية. و لكن ليست من السموات العلى في هذه الحالة.


فما رأيك
 
شكرا لتفاعلكم ..


من الحديث يمكن استنباط أن السماء الدنيا هي كأولى السماوات الكونية و لكن لا أرى أنه يمكن إستنباط أنها من السماوات العلى ....
﴿والسَّمَاوَاتِ الْعُلَا﴾ يَعْنِي: الْعَالِيَةَ الرَّفِيعَةَ.

الحالة الأولى * وصف دون مقارنة مع نظيرتها

لو تم وصف السماوات من غير مقارنة بعضها البعض فهي كلها من السماوات العلى سواء كان الجوية الدنا أو الكونية.

الحالة الثانية * وصف مقارنة مع بعضها البعض
لقد وصف الله السماء الأولى الكونية بالسماء الدنيا و هذا الوصف مقارنة مع الست السموات الأخرى الكونية و ليس مقارنة مع السماوات الجوية الدنا لأن الأخيرة هي أقرب للأرض منها.
فلهذا ما زلت أرى أن السماء الدنيا هي من السماوات الكونية. و لكن ليست من السموات العلى في هذه الحالة.


فما رأيك
العفو، تحت أمركم

سؤالكم يفترض أن السماوات الكونية والتي اولاها السماء الدنيا المزينة بالكواكب، ليست هي السماوات العلا، فعلى اي أساس افترضتم هذا الإفتراض؟!
بالنسبة لي ولما اعرفه عن أهل العلم السماوات العلا هي نفسها السبع الطباق والطرائق، والسبع الشداد، وهي التي تبدأ بالسماء الدنيا المزينة بالكواكب.

وأما الجو او الهواء او الغلاف الجوي للأرض فيقع أسفل السماء الدنيا، فهو السماوات الدنا عند مقارنته بالسبع العلا التي منها السماء الدنيا.
 
عودة
أعلى