محمد محمود إبراهيم عطية
Member
بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر وأعن وتقبل
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، وبعد :رب يسر وأعن وتقبل
فلا شَكَّ أنَّ في تكرار الحركة بنظام رياضة تَعُودُ على البدن بالنفع ، وقد علَّم الله جل وعلا الإنسان منذ أن كان في بطن أمه أن يتحرك ، و نجد الطفل بعد ولاته قبل أن يحبو يكثر من حركة يديه ورجليه ، وفي هذا تمرين لها على الحركة ، وتقوية للعضو ، ثم يحبو ، ثم يحاول الوقوف في شهوره الأولى من مرحلة الطفولة ، لتقوى بعد ذلك قدمه على الوقوف والمشي ؛ ثم نراه بعد ذلك يجري ويتحرك وحده ، ويلعب وحده أو مع أقرانه ألعابًا فيها حركة تناسب سنه وعقله .
ثم نجده بعد أن ينتقل إلى مرحلة عمرية متقدمة يختار ما يناسبه من الرياضة التي يقوي بها جسمه ، ويحافظ بها على لياقته البدنية .
والناس من قديم الزمان لهم طُرق وأساليب في تقوية أجسامهم بالرياضة ، وكل أمة أخذت منها ما يُناسِب وضعها ويتَّصل بأهدافها ، فالأمة الحربية - مثلًا - عُنِيَتْ بحمل الأثقال ، وبالرمي ، واللعب بالسلاح ؛ والأمة التي تكثر فيها السواحل تُعْنَى بالسباحة ، والأمة المسالمة الوادِعة تعنى بالتمرينات الحركيَّة للأعضاء ، بمثل ما يُطلَق عليه : الألعاب السويديَّة .. وهكذا .
ولما كان الإسلام دينًا شاملا لجميع الحياة ، وجدنا أن الرياضة النافعة حظيت باهتمامه ، فقد قال الله تعالى : { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ } [ الأنفال : 60 ] ، ولا شك أنه يدخل في ] مِنْ قُوَّةٍ [ كل قوة تُستطاع ، ومن ذلك القوة البدنية ، والتي تكتسب بالرياضات المناسبة ؛ وندب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنواع من الرياضات قولًا وفعلًا وتقريرًا .
أما القول ؛ فقد روى مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ t قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ ؛ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ، وَلاَ تَعْجِزْ ؛ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ ، فَلاَ تَقُلْ : لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا ؛ وَلَكِنْ قُلْ : قَدَرُ ( قَدَّرُ ) اللَّهِ ، وَمَا شَاءَ فَعَلَ ؛ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ "[SUP] ( [1] ) [/SUP]؛ وفي الصحيحين عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " يَا عَبْدَ اللَّهِ ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ ، وَتَقُومُ اللَّيْلَ ! " ، فَقُلْتُ : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " فَلَا تَفْعَلْ ، صُمْ وَأَفْطِرْ ، وَقُمْ وَنَمْ ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ... " الحديث[SUP] ( [2] ) [/SUP]؛ وفي الحديثين ما يدل على الاهتمام بالجسد وقوته .
وسابق النبي صلى الله عليه وسلم بين الخيل والإبل ، وأجاز العوض في ذلك ، وقال : " لاَ سَبْقَ إِلاَّ فِي خُفٍّ ، أَوْ نَصْلٍ ، أَوْ حَافِرٍ "[SUP] ( [3] ) [/SUP]؛ وفسر القوة بالرمي في قوله تعالى : { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ } [ الأنفال : 60 ] ؛ وذَمَّ من تعلم الرمي ثم نسيه .
وأما الفعل ، فقد صارع النبي صلى الله عليه وسلم ركانة ، وسابق زوجه عائشة رضي الله عنها .
وأما التقرير فقد أجَازَ صلى الله عليه وسلم لِلْحَبَشَةِ اللِّعْبَ في مَسْجِدِه بالحِرَابِ ، وأبَاحَ لعَائِشَةَ - رضِيَ الله عَنْهُا - النَّظَرَ إلَيْهِم آنَذَاكَ ؛ وكان يمر بمن يتروضون بالرمي ، ويقول لهم : " ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ ؛ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا " الحديث ، رواه البخاري[SUP] ( [4] ) [/SUP]؛ إلى غير ذلك .
هذه أدلة واضحة الدلالة على أن الإسلام اهتم بالرياضة البدنية ، وحرص على قوة أبنائه .
واعلم – رحمني الله وإياك – أن الرِّياضةَ وَسِيلَةٌ لا غايَة ؛ وأن ما قدمناه من ندب النبي صلى الله عليه وسلم لفعله من الرياضات إنما هو مما يستعان به على الجهاد ، ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم المشروعية المطلقة لكل ما يسمى اليوم رياضة ، وإنما هي وسيلة لتقوية الجسد ، وربما تكون طَريقًا إلى مَقْصَدِ التَّرْوِيحِ المُبَاحِ ، أمَّا إذا أصْبَحَتْ هذه الوَسِيلَةُ طَرِيقًا إلى مَقَاصِدَ مُحَرَّمةٍ ، أو صاحَبَها محرم ، فَهِي حَرامٌ قَطْعًا ؛ وسيأتي في هذه الرسالة - إن شاء الله - بيان ذلك .
قال أبُو بَكْرٍ الجَزَائِرِيُّ : إنَّ الغَرَضَ مِنْ جَمِيْعِ هَذِه الرِّيَاضَاتِ الَّتِي كَانَتْ تُعْرَفُ في صَدْرِ الإسْلامِ بـ ( الفُرُوْسِيَّةِ ) ، هُوَ الاسْتِعَانَةُ بِها عَلى إحْقَاقِ الحَقِّ ونُصْرَتِه ، والدِّفَاعِ عَنْه ، ولَمْ يَكُنْ مِنْها الحُصُوْلُ عَلى المَالِ وجَمْعِهِ ، ولا الشُّهْرَةِ ، وحُبِّ الظُّهُوْرِ ، ولا مَا يُسْتَتْبَعُ ذَلِكَ مِنَ العُلُوِّ في الأرْضِ والفَسَادِ فَيْها ، كَمَا هِيَ أكْثَرُ حَالِ الرِّياضِيِّيْنَ اليَوْمَ .
إنَّ المَقْصُوْدَ مِنْ كُلِّ الرِّياضَاتِ عَلى اخْتِلافِها هُوَ التَّقَوِّي ، وإكْسَابُ القُدْرَةِ عَلى الجِهَادِ في سَبِيْلِ الله تِعَالِى ، وعَلى هَذَا يَجِبُ أنْ تُفْهَمَ الرِّيَاضَةُ في الإسْلامِ ، ومَنْ فَهِمَها عَلى غَيْرِ هَذَا النَّحْوِ فَقَدْ أخْرَجَها عَنْ مَقْصَدِها الحَسَنِ إلى قَصْدٍ سِيءٍ مِنَ اللَّهْوِ البَاطِلِ ، والقُمَارِ الحَرَامِ ا.هـ[SUP] ( [5] )[/SUP] .
وقد اخترع الناس في أزمنة مختلفة أنواعًا من الألعاب ، ربما اندرج بعضها تحت أنواع الرياضة المستفاد منها ، وكثير منها مما لا فائدة منه .
وفي هذه الرسالة ( آداب التروُّض في الإسلام ) أتناول الحديث عن :
معنى الرياضة .
أنواع الرياضات .
رياضة النفس .
الرياضة البدنية .
لكل عضو رياضة .
أنواع الرياضات البدنية التي كانت على عهد رسول الله e .
أنواع الألعاب
أحكام تتعلق بالرياضة البدنية .
آداب التروض .
حكم مشاهدة الألعاب الرياضية
حكم تشجيع الفرق الرياضية
والله الكريم أسأل العون والسداد ، وأن يتقبلها مني ، ويجعل لها القبول في الأرض ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، لا رب غيره ، ولا أرجو إلا خيره ، عليه توكلت ، وإليه أنيب ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
وكتبه
أفقر العباد إلى عفو ربِّ البرية
محمد بن محمود بن إبراهيم عطية
أفقر العباد إلى عفو ربِّ البرية
محمد بن محمود بن إبراهيم عطية
[1] - مسلم ( 2664 ) .
[2] - البخاري ( 1874 ) ، ومسلم ( 1159 ) .
[3] - أحمد وأهل السنن عن أبي هريرة ، وسيأتي تخريجه .
[4] - البخاري ( 2743 ، 3193 ) .
[5] - انظر ( مِنْهَاجِ المُسْلِمِ ) ص 459 .