آداب التروُّض في الإسلام

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
68
الإقامة
الدوحة - قطر
بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر وأعن وتقبل​
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، وبعد :
فلا شَكَّ أنَّ في تكرار الحركة بنظام رياضة تَعُودُ على البدن بالنفع ، وقد علَّم الله جل وعلا الإنسان منذ أن كان في بطن أمه أن يتحرك ، و نجد الطفل بعد ولاته قبل أن يحبو يكثر من حركة يديه ورجليه ، وفي هذا تمرين لها على الحركة ، وتقوية للعضو ، ثم يحبو ، ثم يحاول الوقوف في شهوره الأولى من مرحلة الطفولة ، لتقوى بعد ذلك قدمه على الوقوف والمشي ؛ ثم نراه بعد ذلك يجري ويتحرك وحده ، ويلعب وحده أو مع أقرانه ألعابًا فيها حركة تناسب سنه وعقله .
ثم نجده بعد أن ينتقل إلى مرحلة عمرية متقدمة يختار ما يناسبه من الرياضة التي يقوي بها جسمه ، ويحافظ بها على لياقته البدنية .
والناس من قديم الزمان لهم طُرق وأساليب في تقوية أجسامهم بالرياضة ، وكل أمة أخذت منها ما يُناسِب وضعها ويتَّصل بأهدافها ، فالأمة الحربية - مثلًا - عُنِيَتْ بحمل الأثقال ، وبالرمي ، واللعب بالسلاح ؛ والأمة التي تكثر فيها السواحل تُعْنَى بالسباحة ، والأمة المسالمة الوادِعة تعنى بالتمرينات الحركيَّة للأعضاء ، بمثل ما يُطلَق عليه : الألعاب السويديَّة .. وهكذا .
ولما كان الإسلام دينًا شاملا لجميع الحياة ، وجدنا أن الرياضة النافعة حظيت باهتمامه ، فقد قال الله تعالى : { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ } [ الأنفال : 60 ] ، ولا شك أنه يدخل في ] مِنْ قُوَّةٍ [ كل قوة تُستطاع ، ومن ذلك القوة البدنية ، والتي تكتسب بالرياضات المناسبة ؛ وندب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنواع من الرياضات قولًا وفعلًا وتقريرًا .
أما القول ؛ فقد روى مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ t قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ ؛ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ، وَلاَ تَعْجِزْ ؛ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ ، فَلاَ تَقُلْ : لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا ؛ وَلَكِنْ قُلْ : قَدَرُ ( قَدَّرُ ) اللَّهِ ، وَمَا شَاءَ فَعَلَ ؛ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ "[SUP] ( [1] ) [/SUP]؛ وفي الصحيحين عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " يَا عَبْدَ اللَّهِ ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ ، وَتَقُومُ اللَّيْلَ ! " ، فَقُلْتُ : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " فَلَا تَفْعَلْ ، صُمْ وَأَفْطِرْ ، وَقُمْ وَنَمْ ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ... " الحديث[SUP] ( [2] ) [/SUP]؛ وفي الحديثين ما يدل على الاهتمام بالجسد وقوته .
وسابق النبي صلى الله عليه وسلم بين الخيل والإبل ، وأجاز العوض في ذلك ، وقال : " لاَ سَبْقَ إِلاَّ فِي خُفٍّ ، أَوْ نَصْلٍ ، أَوْ حَافِرٍ "[SUP] ( [3] ) [/SUP]؛ وفسر القوة بالرمي في قوله تعالى : { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ } [ الأنفال : 60 ] ؛ وذَمَّ من تعلم الرمي ثم نسيه .
وأما الفعل ، فقد صارع النبي صلى الله عليه وسلم ركانة ، وسابق زوجه عائشة رضي الله عنها .
وأما التقرير فقد أجَازَ صلى الله عليه وسلم لِلْحَبَشَةِ اللِّعْبَ في مَسْجِدِه بالحِرَابِ ، وأبَاحَ لعَائِشَةَ - رضِيَ الله عَنْهُا - النَّظَرَ إلَيْهِم آنَذَاكَ ؛ وكان يمر بمن يتروضون بالرمي ، ويقول لهم : " ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ ؛ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا " الحديث ، رواه البخاري[SUP] ( [4] ) [/SUP]؛ إلى غير ذلك .
هذه أدلة واضحة الدلالة على أن الإسلام اهتم بالرياضة البدنية ، وحرص على قوة أبنائه .
واعلم – رحمني الله وإياك – أن الرِّياضةَ وَسِيلَةٌ لا غايَة ؛ وأن ما قدمناه من ندب النبي صلى الله عليه وسلم لفعله من الرياضات إنما هو مما يستعان به على الجهاد ، ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم المشروعية المطلقة لكل ما يسمى اليوم رياضة ، وإنما هي وسيلة لتقوية الجسد ، وربما تكون طَريقًا إلى مَقْصَدِ التَّرْوِيحِ المُبَاحِ ، أمَّا إذا أصْبَحَتْ هذه الوَسِيلَةُ طَرِيقًا إلى مَقَاصِدَ مُحَرَّمةٍ ، أو صاحَبَها محرم ، فَهِي حَرامٌ قَطْعًا ؛ وسيأتي في هذه الرسالة - إن شاء الله - بيان ذلك .
قال أبُو بَكْرٍ الجَزَائِرِيُّ : إنَّ الغَرَضَ مِنْ جَمِيْعِ هَذِه الرِّيَاضَاتِ الَّتِي كَانَتْ تُعْرَفُ في صَدْرِ الإسْلامِ بـ ( الفُرُوْسِيَّةِ ) ، هُوَ الاسْتِعَانَةُ بِها عَلى إحْقَاقِ الحَقِّ ونُصْرَتِه ، والدِّفَاعِ عَنْه ، ولَمْ يَكُنْ مِنْها الحُصُوْلُ عَلى المَالِ وجَمْعِهِ ، ولا الشُّهْرَةِ ، وحُبِّ الظُّهُوْرِ ، ولا مَا يُسْتَتْبَعُ ذَلِكَ مِنَ العُلُوِّ في الأرْضِ والفَسَادِ فَيْها ، كَمَا هِيَ أكْثَرُ حَالِ الرِّياضِيِّيْنَ اليَوْمَ .
إنَّ المَقْصُوْدَ مِنْ كُلِّ الرِّياضَاتِ عَلى اخْتِلافِها هُوَ التَّقَوِّي ، وإكْسَابُ القُدْرَةِ عَلى الجِهَادِ في سَبِيْلِ الله تِعَالِى ، وعَلى هَذَا يَجِبُ أنْ تُفْهَمَ الرِّيَاضَةُ في الإسْلامِ ، ومَنْ فَهِمَها عَلى غَيْرِ هَذَا النَّحْوِ فَقَدْ أخْرَجَها عَنْ مَقْصَدِها الحَسَنِ إلى قَصْدٍ سِيءٍ مِنَ اللَّهْوِ البَاطِلِ ، والقُمَارِ الحَرَامِ ا.هـ[SUP] ( [5] )[/SUP] .
وقد اخترع الناس في أزمنة مختلفة أنواعًا من الألعاب ، ربما اندرج بعضها تحت أنواع الرياضة المستفاد منها ، وكثير منها مما لا فائدة منه .
وفي هذه الرسالة ( آداب التروُّض في الإسلام ) أتناول الحديث عن :
معنى الرياضة .
أنواع الرياضات .
رياضة النفس .
الرياضة البدنية .
لكل عضو رياضة .
أنواع الرياضات البدنية التي كانت على عهد رسول الله e .
أنواع الألعاب
أحكام تتعلق بالرياضة البدنية .
آداب التروض .
حكم مشاهدة الألعاب الرياضية
حكم تشجيع الفرق الرياضية
والله الكريم أسأل العون والسداد ، وأن يتقبلها مني ، ويجعل لها القبول في الأرض ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، لا رب غيره ، ولا أرجو إلا خيره ، عليه توكلت ، وإليه أنيب ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
وكتبه
أفقر العباد إلى عفو ربِّ البرية
محمد بن محمود بن إبراهيم عطية​


[1] - مسلم ( 2664 ) .

[2] - البخاري ( 1874 ) ، ومسلم ( 1159 ) .

[3] - أحمد وأهل السنن عن أبي هريرة ، وسيأتي تخريجه .

[4] - البخاري ( 2743 ، 3193 ) .

[5] - انظر ( مِنْهَاجِ المُسْلِمِ ) ص 459 .
 
تَعْرِيفُ الرِّياضَةِ
الرياضة لغة : من راضه يروضه ، روضًا ، ورياضًا ، ورياضة : ذلَّله ؛ يقال : راضَ الدابَّة ، يَرُوضُها ، رَوْضًا ورِياضةً : وطَّأَها وذلَّلَها ، أَو عَلَّمها السيْر [SUP]( [SUP][1][/SUP] )[/SUP] .
واصْطِلاحًا : الرياضة النفسية : تهذيب الأخلاق النفسية بملازمة العبادات ، والتخلي عن الشهوات .
والرياضة البدنية : القِيَامُ بِحَرَكَاتٍ خَاصَّةٍ تُكْسِبُ البَدَنَ قُوَّةً ومُرُوْنَةً [SUP]( [SUP][2][/SUP] ) [/SUP].


[1] - انظر ( لسان العرب ) باب الضاد فصل الراء ، و( المُعْجَمَ الوَسِيْطِ ) : 1 / 382 ) ، مادة ( ر و ض ) .

[2] - انظر ( المُعْجَمَ الوَسِيْطِ ) : ( 1 / 382 ) ، مادة ( ر و ض ) .
 
وها هنا كلمات ترتبط بموضوع الرياضة ، نورد معانيها ، ليتضح الأمر .
معنى اللَّهْوِ
اللَّهْوُ : مَا لَهَوْتَ بِهِ ، ولَعِبْتَ بِهِ ، وشَغَلَكَ ؛ مِنْ هَوَىً وطَرَبٍ ونَحْوِهِما ؛ واللَّهْوُ : اللَّعِب ، يُقَالُ : لَهَوْتُ بالشَّيْءِ ، ألهْوُ بِهِ لَهْوًا ؛ وتَلَهَّيْتُ بِهِ : إذا لَعِبْتُ بِهِ ، وتَشَاغَلْتُ وغَفِلْتُ بِهِ عَنْ غَيْرِه ؛ فـ ( لَهَا ) و ( تَلَهَّى ) بمعنى [SUP]( [SUP][1][/SUP] ) [/SUP].
قال المناوي – رحمه الله : اللهو الشيء الذي يلتذ به الإنسان ثم ينقضي ؛ وقيل : ما يشغل الإنسان عما يعنيه ويهمه ، قال الطرسوسي : وأصل اللهو : الترويح عن النفس بما لا تقتضيه الحكمة[SUP] ( [2] ) [/SUP].


[1] - انظر ( لسان العرب ) باب الألف فصل اللام ، والنهاية في غريب الحديث والأثر ( مادة : ل ه ى ) .

[2] - انظر ( التوقيف على مهمات التعاريف ) ص : 629 ، ( باب اللام فصل الهاء ) .
 
معنى اللَّعِبِ
اللَّعِبَ لُغَةً : ضِدُّ الجِدِّ ، يُقَالُ : لَعِبَ يَلْعَبُ لَعِبًا ، ولِعْبًا ؛ ولعب فلان : إذا كان فعله غير قاصد به مقصدًا صحيحًا ، ويُقَالُ لِكُلِّ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لا يُجْدِي عَلَيْه نَفْعًا : إنَّمَا أنْتَ لاعِبٌ [SUP]( [SUP][1][/SUP] ) [/SUP].
فاللهو واللعب بينهما عموم وخصوص ؛ وذكر العسكري في ( الفروق اللغوية ) بينهما فرقًا ، فقال : لا لهو إلا لعب ، وقد يكون لعب ليس بلهو ؛ لأن اللعب يكون للتأديب وغيره ، ولا يقال لذلك : لَهْو ، وإنما اللهو لعب لا يعقب نفعًا ، وسمي لهوًا لأنه يشغل عما يعني ، من قولهم : ألهاني الشيء ، أي : شغلني ، ومنه قوله تعالى : { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ } ؛ قال : اللهو : ما يشغل الإنسان عما يعنيه ويهمه ؛ واللعب : طلب المزح بما لا يحسن أن يطلب به[SUP] ( [2] )[/SUP].
وقال الزبيدي في ( تاج العروس ) : وقد فرَّق بَيْنهما جماعَةٌ مِن أهْلِ الفُروقِ فقيل : اللّهْوُ واللَّعِبُ يَشْتركانِ في أنَّهما اشْتِغالٌ بما لا يعني من هَوًى أَو طَرَبٍ حرامًا أَو لا ؛ قيلَ : واللّهْوُ أَعَمُّ مُطْلقًا ، فاسْتِماعُ المَلاهِي لَهْوٌ لا لَعِبٌ ؛ وقيلَ : اللّعِبُ ما قُصِدَ به تَعْجيلُ المَسَرَّةِ والاسْتِرْواح به ، واللّهْوُ ما شغلَ من هَوًى وطَرَبٍ ، وإن لم يُقْصَد به ذلكَ[SUP] ( [3] ) [/SUP].


[1] - انظر ( لسان العرب ) باب الباء فصل اللام ، و ( المفردات ) للراغب الأصفهاني ، والنهاية في غريب الحديث والأثر ( مادة : ل ع ب ) .

[2] - انظر ( الفروق اللغوية ) ص : 469 ، 470 ( 1885 ، 1886 ) .

[3] - انظر تاج العروس ( مادة ل هـ و ) .
 
معنى التَّرْوِيْحِ
الرَّوْح ( بالفتح ) : الرَّاحةُ والسُّرورُ والفَرَحُ ؛ وفي ( التَّهذيب ) عن الأَصمعيِّ : الرَّوْح : الاسْتِرَاحَةُ من غَمِّ القلْبِ .. والراحةُ : ضِدُّ التعب ، واسْتراحَ الرجلُ من الراحة ؛ وقد أَراحَني ورَوَّح عني فاسترحت ، ويقال : وجدت لذلك الأَمر راحةً ، أَي خِفَّةً ؛ وقيل : الراحة : وِجْدانُك رَوْحًا بعد مشقة ، تقول : أَرِحْنِ إِراحةً فأَسْتَريحَ ، وفي الحديث : قال النبي صلى الله عليه وسلم لمؤذنه بلال رضي الله عنه : " أَرِحْنا بها " [SUP]( [1] )[/SUP] ، أَي : أَذِّن للصلاة فنَسْتَريحَ بأَدائها من اشتغال قلوبنا بها ؛ قال ابن الأَثير : وقيل : كان اشتغاله بالصلاة راحة له ؛ فإِنه كان يَعُدُّ غيرها من الأَعمال الدنيوية تعبًا ، فكان يستريح بالصلاة ، لما فيها من مناجاة الله تعالى ، ولذا قال : و " قُرَّة عيني في الصلاة "[SUP] ( [2] ) [/SUP]، قال : وما أَقرب الراحة من قُرَّة العين ؛ ويقال : أَراحَ الرجلُ واسْتراحَ : إِذا رجعت إِليه نفسه بعد الإِعياء [SUP]( [SUP][3][/SUP] ) [/SUP].


[1] - رواه أحمد : 5 / 364 ، وأبو داود ( 4985 ) ، بلفظ : " يَا بِلَالُ أَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ " .

[2] - رواه أحمد : 3 / 128 ، 285 ، والنسائي ( 3939 ، 3940 ) ؛ والحاكم : 2 / 160 ، وصححه على شرط مسلم ، ووافقه الذهبي ؛ عن أنس t .

[3] - انظر ( لسان العرب ) باب الحاء فصل الراء ، و ( المفردات ) للراغب الأصفهاني ، والنهاية في غريب الحديث والأثر ( مادة : ر و ح ) .
 
وجه العلاقة بين الرياضة وتلك الكلمات
يخلط كثير من الناس بين الرياضة واللعب واللهو ، وقد يتعلل البعض لممارسة نوع ما من الرياضة بالترويح عن النفس ؛ ومن التعريفات السابقة يتبين الفرق بين ما يقصد به نفع ، وما لا يقصد به ؛ فحقيقة الرياضة هي تكرار الحركة بقصد فائدة الجسم ، وأما اللعب فلا يقصد به ذلك ، واللهو لعب يشغل الإنسان فيلهيه حتى عن مهمات حياته .
 
أنواع الرياضات
قال ابن تيمية - رحمه الله : لفظ الرياضة يستعمل في ثلاثة أنواع : في رياضة الأبدان بالحركة والمشي ، كما يذكر ذلك الأطباء وغيرهم ؛ وفي رياضة النفوس بالأخلاق الحسنة المعتدلة ، والآداب المحمودة ؛ وفي رياضة الأذهان بمعرفة دقيق العلم ، والبحث عن الأمور الغامضة[SUP] ( [1] ) [/SUP]؛ قال : فإن النظر في العلوم الدقيقة يفتق الذهن ، ويُدَرِّبُه ، ويقويه على العلم ، فيصير مثل كثرة الرمي بالنشاب وركوب الخيل ، تعين على قوة الرمي والركوب ، وإن لم يكن ذلك وقت قتال ؛ وهذا مقصد حسن[SUP] ( [2] ) [/SUP].


[1] - انظر ( الرد على المنطقيين ) ص 255 – دار المعرفة – بيروت .

[2] - المصدر السابق .
 
رياضة النفس
يُقَال : رَوِّضْ نَفْسَكَ بالتَّقْوَى ، أي : ألزمها بأعمال المتقين ، فتعتاد عليها بتكرارها ؛ قال ابن القيم - رحمه الله : وَرِيَاضَةُ النّفُوسِ بِالتّعَلّمِ وَالتّأَدُّبِ ، وَالْفَرَحِ وَالسّرُورِ ، وَالصَّبْرِ وَالثَّبَاتِ وَالْإِقْدَامِ ، وَالسَّمَاحَةِ ، وَفِعْلِ الْخَيْرِ ؛ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا تَرْتَاضُ بِهِ النّفُوسُ ، وَمِنْ أَعْظَمِ رِيَاضَتِهَا : الصَّبْرُ ، وَالْحُبُّ ، وَالشَّجَاعَةُ ، وَالْإِحْسَانُ ؛ فَلَا تَزَالُ تَرْتَاضُ بِذَلِكَ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتّى تَصِيرَ لَهَا هَذِهِ الصِّفَاتُ هَيْئَاتٍ رَاسِخَةً وَمَلَكَاتٍ ثَابِتَةً[SUP] ( [1] ) [/SUP].
فرياضة النفس - كما يقول الماوردي رحمه الله - تَعْصِمُ مَنْ قام بها عمَّا يَشِينُه ، إذ هي كل رِيَاضَةٍ مَحْمُودَةٍ يَتَخَرَّجُ بها الإِنسانُ في فَضيلَة من الفَضَائِلِ ؛ ومَنْ عَانَى تَهْذِيبَ نَفْسِهِ تَظَاهَرَ بِالتَّخَلُّقِ دُونَ الْخُلُقِ ، ثُمَّ بِالْعَادَةِ يَصِيرُ كَالْخُلُقِ ؛ قَالَ أَبُو تَمَّامٍ الطَّائِيُّ :
فَلَمْ أَجِدْ الْأَخْلَاقَ إلَّا تَخَلُّقًا ... وَلَمْ أَجِدْ الْأَفْضَالَ إلَّا تَفَضُّلَا[SUP] ( [2] )[/SUP]
فمن أراد مثلًا أن يحصل لنفسه خلق الجود ، فطريقه أن يتكلف تعاطي فعل الجود ، وهو بذل المال ، فلا يزال يطالب نفسه ويواظب عليه تكلفًا مجاهدًا نفسه فيه ، حتى يصير ذلك طبعًا له ، ويتيسر عليه فيصير به جوادًا ؛ وكذا من أراد أن يحصل لنفسه خلق التواضع وقد غلب عليه الكبر ، فطريقه أن يواظب على أفعال المتواضعين مدة مديدة ، وهو فيها مجاهد نفسه ومتكلف ، إلى أن يصير ذلك خلقًا له وطبعًا ، فيتيسر عليه ، وجميع الأخلاق المحمودة شرعًا تحصل بهذا الطريق ، وغايته أن يصير الفعل الصادر منه لذيذًا ، فالسخي هو الذي يستلذ بذل المال دون الذي يبذله عن كراهة ، والمتواضع هو الذي يستلذ التواضع . ولن ترسخ الأخلاق الدينية في النفس ما لم تتعود النفس جميع العادات الحسنة ، وما لم تترك جميع الأفعال السيئة ، وما لم يواظب عليها مواظبة من يشتاق إلى الأفعال الجميلة ويتنعم بها ، ويكره الأفعال القبيحة ويتألم بها[SUP] ( [3] ) [/SUP].


[1] - انظر ( زاد المعاد ) : 4 / 225 – تحقيق : الأرناؤوط – مؤسسة الرسالة .

[2] - انظر ( أدب الدنيا والدين ) .

[3] - انظر ( موعظة المؤمنين ) للقاسمي ، ص 179 .
 
إلى متى رياضة النفس ؟
رياضة النفس لا تستوعب العمر كله ، وإلا لم يُستفد منها الاستفادة المرجوة ، إذ الفائدة من رياضة النفس تعويدها على الطاعة والفضائل ، فهذا هو الغاية منها ، ولابد أن يستفيد المرء من ذلك في حياته - كما يقول الغزالي - رحمه الله : ينبغي أن يُفهم أن الدابة لا يطلب من رياضتها عين رياضتها ، بل المراد منها أن تتخذ مركبًا يقطع به المراحل ، ويطوي على ظهره الطريق ؛ والبدن مطية للقلب ، يركبها ليسلك بها طريق الآخرة ، وفيها شهوات إن لم يكسرها جمحت به في الطريق ، فمن اشتغل طول العمر بالرياضة ، كان كمن اشتغل طول عمر الدابة برياضتها ، ولم يركبها ، فلا يستفيد منها إلا الخلاص في الحال من عضها ورفسها ورمحها ، وهي - لعمري - فائدة مقصودة ، ولكن مثلها حاصل في البهيمة الميتة ؛ وإنما تراض الدابة لفائدة تحصل من حياتها ، فكذلك الخلاص من ألم الشهوات في الحال يحصل بالنوم والموت ، ولا ينبغي أن يقنع به ، كالراهب الذي قيل له : يا راهب ، فقال : ما أنا راهب ، إنما أنا كلب عقور ، حبست نفسي حتى لا أعقر الناس ؛ وهذا حسن بالإضافة إلى من يعقر الناس ، ولكن لا ينبغي أن يقتصر عليه ؛ فإن من قتل نفسه - أيضًا - لم يعقر الناس ، بل ينبغي أن يتشوف إلى الغاية المقصودة بها [SUP]( [1] ) [/SUP].
وقد تكلمت عن النفس وتأديبها ومحاسبتها في رسالة ( الأدب مع النفس ) فليرجع إليها من شاء .


[1] - انظر ( إحياء علوم الدين ) : 2 / 239 .
 
العبادات جامعة لحفظ صحة الإيمان وصحة البدن
مما ينبغي التنبيه عليه أن العبادات في الإسلام التي نتقرب بها إلى الله تعالى ، جمعت بين حفظ صحة الدين ، وحفظ صحة البدن ؛ يَقُوْلُ ابنُ القَيِّمِ - رَحِمَهُ الله : لا رَيْبَ أنَّ الصَّلاةَ نَفْسَها فيها مِنْ حِفْظِ صِحَّةِ البَدَنِ ، وإذَابَةِ أخْلاطِهِ وفَضَلاتِه ، مَا هُوَ مِنْ أنْفَعِ شَيْءٍ لَهُ ، سِوَى مَا فيها مِنْ حِفْظِ صِحَّةِ الإيْمَانِ ، وسَعَادَةِ الدُّنْيا والآخِرَةِ .
وكَذَلِكَ قِيَامُ اللَّيْلِ مِنْ أنْفَعِ أسْبَابِ حِفْظِ الصِّحَّةِ ، ومِنْ أنْفَعِ الأمُوْرِ لِكَثِيْرٍ مِنَ الأمْرَاضِ المُزْمِنَةِ ، ومِنْ أنْشَطِ شَيْءٍ للبَدَنِ والرُّوْحِ والقَلْبِ ، كَمَا في الصَّحِيْحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : " يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلى قَافيةِ رَأسِ أحَدِكِم إذَا هُوَ نَامَ ثَلاثَ عُقَدٍ : يَضْرِبُ مَكَانَ كُلِّ عُقْدَةٍ ، عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيْلٌ فَارْقُدْ ؛ فإنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللهَ ، انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ ، فإنْ تَوَضَّأ ، انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ ، فإنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ ؛ فأصْبَحَ نَشِيْطًا طَيِّبَ النَّفْسِ ، وإلاَّ أصْبَحَ خَبِيْثَ النَّفْسِ كَسْلانَ " [SUP]( [1] )[/SUP] .
وفي الصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ مِنْ أسْبَابِ حِفْظِ الصِّحَّةِ ، ورِيَاضَةِ البَدَنِ والنَّفْسِ ، مَا لا يَدْفَعُه صَحِيْحُ الفِطْرَةِ .
وأمَّا الجِهَادُ ومَا فيه مِنَ الحَرَكاتِ الكُلِّيَةِ ، الَّتِي هِيَ مِنْ أعْظَمِ أسْبَابِ القُوَّةِ ، وحِفْظِ الصِّحَّةِ ، وصَلابَةِ القَلْبِ والبَدَنِ ، ودَفْعِ فَضَلاتِهما ، وزَوَالِ الهَمِّ والغَمِّ ؛ فأمْرٌ إنَّمَا يَعْرِفُهُ مَنْ لَهُ مِنْهُ نَصِيْبٌ .
وكَذَلِكَ الحَجُّ وفِعْلُ المَنَاسِكِ ، وكَذَلِكَ المُسَابَقَةُ عَلى الخَيْلِ وبالنِّضَالِ ( الرماية بالسهام ) ، والمَشْيُ إلى المَسَاجِدِ للجُمُعَاتِ والجَمَاعَاتِ ، وحَرَكَةُ الوُضُوْءِ والاغْتِسَالِ ، وغَيْرُ ذَلِكَ .
وهَذَا أقَلُّ مَا فيه : الرِّيَاضَةُ المُعِيْنَةُ عَلى حِفْظِ الصِّحَّةِ ، ودَفْعِ الفَضَلاتِ ، ومَا شُرِعَ لَهْ مِنَ التَّوَصُّلِ بِهِ إلى خَيْرَاتِ الدُّنْيا والآخِرَةِ ، ودَفْعِ شُرُوْرِهِما فأمْرٌ وَرَاءَ ذَلِكَ .
فَعَلِمْتَ أنَّ هَدْيَهُ صلى الله عليه وسلم فَوْقَ كُلِّ هَدْيٍ : في طِبِّ الأبْدَانِ والقُلُوْبِ ، وحِفْظِ صِحَّتِهِما ، ودَفْعِ أسْقَامِهِما ، ولا مَزِيْدَ عَلى ذَلِكَ لِمَنْ قَدْ أحْضَرَ رُشْدَهُ ، وبالله التَّوْفيقُ [SUP]( [2] ) [/SUP].


[1] - رواه البخاري ( 1091 ، 3096 ) واللفظ له ، ومسلم ( 776 ) .

[2] - انظر ( زاد المعاد ) : 4 / 225 .
 
الرياضة البدنية
الحركة هي أصل الرياضة البدنية ؛ وكل عضو تُرك استعماله يضعف عن أداء مهماته على وجه جيد ، فاليد إذا عُطِّلت ، والجسم إذا آثر صاحبه الدعة والكسل ، كل ذلك يؤثر في ضعف صاحبه ؛ ولذلك وضعت الرياضة في كل شيء .
لِكُلِّ عُضْوٍ رِيَاضَةُ
قال ابن القيم - رحمه الله : وَأَيّ عُضْوٍ كَثُرَتْ رِيَاضَتُهُ قَوِيَ ، وَخُصُوصًا عَلَى نَوْعِ تِلْكَ الرّيَاضَةِ ؛ بَلْ كُلّ قُوَّةٍ فَهَذَا شَأْنُهَا ، فَإِنَّ مَنْ اسْتَكْثَرَ مِنْ الْحِفْظِ قَوِيَتْ حَافِظَتُهُ ، وَمَنْ اسْتَكْثَرَ مِنْ الْفِكْرِ قَوِيَتْ قُوَّتُهُ الْمُفَكِّرَةُ ؛ وَلِكُلِّ عُضْوٍ رِيَاضَةٌ تَخُصُّهُ ، فَلِلصّدْرِ الْقِرَاءَةُ ، فَلْيَبْتَدِئْ فِيهَا مِنْ الْخُفْيَةِ إلَى الْجَهْرِ بِتَدْرِيجٍ ؛ وَرِيَاضَةُ السّمْعِ بِسَمْعِ الْأَصْوَاتِ وَالْكَلَامِ بِالتّدْرِيجِ ، فَيَنْتَقِلُ مِنْ الْأَخَفِّ إلَى الْأَثْقَلِ ؛ وَكَذَلِكَ رِيَاضَةُ اللِّسَانِ فِي الْكَلَامِ ، وَكَذَلِكَ رِيَاضَةُ الْبَصَرِ ، وَكَذَلِكَ رِيَاضَةُ الْمَشْيِ بِالتّدْرِيجِ شَيْئًا فَشَيْئًا ؛ وَأَمّا رُكُوبُ الْخَيْلِ ، وَرَمْيُ النَّشَابِ ، وَالصِّرَاعُ ( المصارعة ) ، وَالْمُسَابَقَةُ عَلَى الْأَقْدَامِ ، فَرِيَاضَةٌ لِلْبَدَنِ كُلِّهِ ، وَهِيَ قَالِعَةٌ لِأَمْرَاضٍ مُزْمِنَةٍ ، كَالْجُذَامِ ، وَالِاسْتِسْقَاءِ ، وَالْقُولَنْجِ[SUP] ( [1] ) [/SUP].


[1] - انظر ( زاد المعاد ) : 4 / 225 .
 
مشروعية الرياضة البدنية
أصل مشروعية الرياضة البدنية قول الله تَعَالَى : { وأعِدُّوا لَهم ما استطعتم من قُوةٍ ومِنْ رِباطِ الخيلِ تُرْهِبون به عَدُوَّ الله وعدوكم } [ الأنفال : 60 ] ؛ ولا شك أن الآية عامة في كل قوة يمكن الاستعداد بها ، ومنها القوة البدنية ، والتي تحصل بأنواع الرياضة المناسبة ، وأما ما رواه أحمد ومسلم عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ : " ] وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [ أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ ، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ " ، فلا ينفي كون غير الرمي معتبرًا ، كما أن قوله صلى الله عليه وسلم : " الحج عرفة " ، و " الندم توبة " ، لا ينفي اعتبار غيره ؛ بل يدل على أن هذا المذكور جزء شريف من المقصود ، فكذا ها هنا ؛ وهذه الآية تدل على أن الاستعداد للجهاد بالنبل والسلاح وتعليم الفروسية والرمي فريضة ، إلا أنه من فروض الكفايات[SUP] ( [1] ) [/SUP]؛ قال الجصاص – رحمه الله : " أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ " أنه من معظم ما يجب إعداده من القوة على قتال العدو ؛ ولم ينف به أن يكون غيره من القوة ، بل عموم اللفظ الشامل لجميع ما يستعان به على العدو ، ومن سائر أنواع السلاح وآلات الحرب[SUP] ( [2] ) [/SUP].
وتقدم من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على مشروعية أنواع من الرياضات قولًا وفعلًا وتقريرًا ؛ وأضيف ها هنا ما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وغيرهم عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ اللَّهَ عز وجل يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلاَثَةَ نَفَرٍ الْجَنَّةَ : صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ ، وَالرَّامِيَ بِهِ ، وَمُنْبِلَهُ ؛ وَارْمُوا وَارْكَبُوا ، وَأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا ، لَيْسَ مِنَ اللَّهْوِ إِلاَّ ثَلاَثٌ : تَأْدِيبُ الرَّجُلِ فَرَسَهُ ، وَمُلاَعَبَتُهُ أَهْلَهُ ، وَرَمْيُهُ بِقَوْسِهِ وَنَبْلِهِ ؛ وَمَنْ تَرَكَ الرَّمْيَ بَعْدَ مَا عَلِمَهُ رَغْبَةً عَنْهُ فَإِنَّهَا نِعْمَةٌ تَرَكَهَا - أَوْ قَالَ - كَفَرَهَا "[SUP] ( [3] ) [/SUP].
ورَوَى النَّسَائِيُّ والطبراني مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ : رَأَيْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَجَابِرَ بْنَ عُمَيْرٍ الْأَنْصَارِيَّ يَرْمِيَانِ ، فَمَلَّ أَحَدُهُمَا فَجَلَسَ ، فَقَالَ الْآخَرُ : سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ، فَهُوَ لَغْوٌ وَسَهْوٌ ، إلَّا أَرْبَعُ خِصَالٍ : مَشْيُ الرَّجُلِ بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ ، وَتَأْدِيبُ فَرَسِهِ ، وَمُلَاعَبَتُهُ أَهْلَهُ ، وَتَعْلِيمُ السِّبَاحَةِ "[SUP] ( [4] ) [/SUP].
ومعنى هذا - والله أعلم - أن كل ما يتلهى به الرجل مما لا يفيده في العاجل ولا في الآجل فائدة فهو باطل ، والإعراض عنه أولى ؛ وهذه الأمور المستثناة - في حديثي عقبة وعطاء - لأن الإنسان وإن كان يفعلها على أنه يتلهى بها وينشط ، فإنها حق لاتصالها بما قد يفيد ، فإن الرمي بالقوس ، والمشي بين الغرضين ( الغرض هو ما يقصده الرماة بالإصابة ) ، وتأديب الفرس ، وتعلم السباحة من معاون القتال .
وأما ملاعبة الأهل ، فقد تؤدي إلى ما يكون عنه ولد يوحِّد الله تعالى ويعبده .
وفي مسند أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُفُّ عَبْدَ اللهِ وَعُبَيْدَ اللهِ وَكَثِيرًا مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ ، ثُمَّ يَقُولُ : " مَنْ سَبَقَ إِلَيَّ ، فَلَهُ كَذَا وَكَذَا " ، قَالَ : فَيَسْتَبِقُونَ إِلَيْهِ ، فَيَقَعُونَ عَلَى ظَهْرِهِ ، وَصَدْرِهِ ، فَيُقَبِّلُهُمْ ، وَيَلْزَمُهُمْ [SUP]( [5] ) [/SUP]. وفيه ما يدل على تشجيع الصغار على الرياضة .


[1] - انظر ( مفاتيح الغيب ) للرازي : 15 / 148 .

[2] - انظر ( أحكام القرآن ) : 4 / 253 .

[3] - أحمد : 4/144 ، وأبو داود ( 2513 ) ، والترمذي ( 1637 ) ، والنسائي ( 3578 ) ، وابن ماجه ( 2811 ) ، والحاكم : 2 / 104 ، وقال : صحيح الإسناد . ورواه الترمذي ( 1637) من حديث عبد الله بن عبد الرحمن مرسلا ، وقال : حسن صحيح .

[4] - النسائي في الكبير ( 8938 - 8940 ) ؛ ورواه الطبراني في ( الكبير ) : 2 / 193 ( 1785 ) ، وفي الأوسط ( 8147 ) ؛ وقال الهيثمي في ( المجمع : 5 / 272 ) : رواه الطبراني في الأوسط والكبير ، والبزار ؛ ورجال الطبراني رجال الصحيح ، خلا عبد الوهاب بن بخت ، وهو ثقة .ا.هـ ، وصححه الألباني في الصحيحة ( 315 ) ، وفي صحيح الترغيب ( 1282 ) .

[5] - أحمد : 1 / 214 ؛ وقال الهيثمي في ( مجمع الزوائد : 5 / 316 ) : رواه أحمد وفيه يزيد بن أبي زياد وفيه ضعف لين وقال أبو داود: لا أعلم أحدًا ترك حديثه وغيره أحب إلي منه وروى له مسلم مقرونًا والبخاري تعليقًا ، وبقية رجاله ثقات.
 
أنواع الرياضات البدنية التي كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
الناظر في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته يظهر له عدة رياضات بدنية كانت على عهده صلى الله عليه وسلم ، وعند التأمل نراها جميعًا من معاون القتال .
1 - الرمي .
2 - المشي .
3 - العدو .
4 - السباحة .
5 - ركوب الخيل .
6 - المصارعة .
7 - المبارزة .
8 - الملاعبة بالحراب .
9 - العلاج ، فقد كان بعضهم يعالج الحجارة الثقيلة لرفعها ، ليتبين لهم من الأشد ؛ وهو ما يسميه أهل الرياضة ( رفع الأثقال ) .
 
أنواع الألعاب
ذكرنا ما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من رياضات ، وهناك ما كان يلعبه الأطفال مما لم نذكره لأنه ليس من المشروع ، كاللعب بالجوز والكجة ونحو ذلك مما ذكر العلماء عدم جوازه .
ويمكن تقسيم الألعاب عمومًا إلى ثلاثة أنواع :
ألعاب مشروعة : وهي ما جاء الدليل على مشروعيتها .
ألعاب ممنوعة : ما جاء الدليل على منعها ؛ إما كراهة وإما تحريمًا ، كالنرد .
ألعاب مسكوت عنها : فاختلف فيها ، هل الأصل في الألعاب التحريم ، أم الإباحة ؟ وبيانها كالتالي .
1 - ألْعَابٌ مَشروعة
وهي ما جاء الشرع بذكرها ، وبيان ما يتعلق بها ؛ كالرماية وركوب الخيل والسباحة والمصارعة والسبق على الأقدام .. ونحو ذلك مما فيه عون على القتال ؛ وتقدم دليلها .
ويضاف إليها قياسًا ما يكون من عدة الحرب الحديثة ، كالمظلات ، وما يتعلق بإتقان استخدام الآلات الحديثة في الحروب .
 
2 - ألْعَابٌ مَمْنُوعَةٌ
الألعاب الممنوعة هي ما جاء الدليل على منعها ؛ كالْمَيْسِرِ ( القمار ) ، والنَّرْدِ ( الطَّاوِلَةِ ) ، والشِّطْرَنْجِ عِنْدَ جَمْهُورِ أهْلِ العِلْمِ ؛ قَالَ ابنُ القَيِّمِ - رَحِمَهُ الله : فإنَّ المُغَالَبَاتِ في الشَّرْعِ تَنْقَسِمُ ثَلاثَةُ أقْسَامٍ : أحَدُها : مَا فيه مَفْسَدَةٌ رَاجِحَةٌ عَلى مَنْفَعَتِه : كالنَّرْدِ ، والشِّطْرَنْجِ ؛ فَهَذَا يُحَرِّمُه الشَّارِعُ ولا يُبِيْحُه ، إذْ مَفْسَدَتُه رَاجِحَةٌ عَلى مَصْلَحَتِه ، وهِيَ مِنْ جِنْسِ مَفْسَدَةِ السُّكْرِ ، ولِهَذَا قَرَنَ الله سُبْحَانَه وتَعَالَى بَيْنَ الخَمْرِ والقُمَارِ في الحُكْمِ ، وجَعَلَهُما قَرِيْنَيْ الأنْصَابِ والأزْلامِ ، وأخْبَرَ أنَّها كُلُّهَا رِجْسٌ ، وأنَّها مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ، وأمَرَ باجْتِنَابِها ، وعَلَّقَ الفَلاحَ باجْتِنَابِها ، وأخْبَرَ أنَّها تَصُدُّ عَنْ ذِكْرِهِ ، وعَنِ الصَّلاةِ ، وتَهَدَّدَ مَنْ لَمْ يَنْتَهِ عَنْها ، ومَعْلُومٌ أنَّ شَارِبَ الخَمْرِ إذَا سَكِرَ ؛ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَصُدُّه عَنْ ذِكْرِ الله وعَنِ الصَّلاةِ ، ويُوْقِعُ العَدَاوَةَ والبَغْضَاءَ بِسَبَبِه .
وكَذَلِكَ المُغَالَبَاتُ الَّتِي تُلْهِي بِلا مَنْفَعَةٍ ؛ كالنَّرْدِ ، والشِّطْرَنْجِ ، وأمْثَالِهِما ، مِمَّا يَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ الله ، وعَنِ الصَّلاةِ ؛ لِشِدَّةِ الْتِهَاءِ النَّفْسِ بِها ، واشْتِغَالِ القَلْبِ فيها أبَدًا بالْفِكْرِ [SUP]([/SUP] [1] [SUP])[/SUP] .
أما النرد فقد روى مالك وأحمد والبخاري في ( الأدب المفرد ) وأبو داود وابن ماجة عن أبي موسى رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ "[SUP] ( [2] ) [/SUP]، وروى أحمد والبخاري في ( الأدب المفرد ) ومسلم في صحيحه وأبو داود وابن ماجة عن بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ "[SUP] ( [3] )[/SUP] ، قال النووي – رحمه الله : ومعنى صبغ يده في لحم الخنزير ودمه في حال أكله منهما ، وهو تشبيه لتحريمه بتحريم أكلهما ، والله أعلم[SUP] ( [4] ) [/SUP].
قال ابن القيم - رحمه الله : سر هذا التشبيه - والله أعلم - أن اللاعب بها لما كان مقصوده بلعبه أكل المال بالباطل ، الذي هو حرام كحرمة لحم الخنزير ، وتوصل إليه بالقمار ، وظن أنه يفيده حل المال ، كان كالمتوصل إلى أكل لحم الخنزير بذكاته ؛ والنبي صلى الله عليه وسلم شبَّه اللاعب بها بغامس يده في لحم الخنزير ودمه ، إذ هو مقدمة الأكل ، كما أن اللعب بها مقدمة أكل المال ، فإن أكل بها المال كان كأكل لحم الخنزير ؛ والتشبه إنما وقع في مقدمة هذا بمقدمة هذا ، والله أعلم[SUP] ( [5] ) [/SUP].
وفي الموطأ عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنه بلغها أن أهل بيت في دارها كانوا سكانًا فيها ، وعندهم نرد ؛ فأرسلت إليهم : لئن لم تخرجوها لأخرجنكم من داري ، وأنكرت ذلك عليهم[SUP] ( [6] ) [/SUP]؛ وفيه – أيضًا - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه كان إذا وجد أحدًا من أهله يلعب بالنرد ، ضربه ، وكسرها[SUP] ( [7] ) [/SUP]؛ وفيه – أيضًا : قال يحيى : وسمعت مالكًا يقول : لا خير في الشطرنج ، وكرهها ؛ وسمعته يكره اللعب بها وبغيرها من الباطل ، ويتلو هذه الآية : { فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ } [ يونس : 32 ] [SUP]( [8] ) [/SUP].
قال أبو عمر ابن عبد البر – رحمه الله : إنكار عائشة لهذا لا يكون إلا لعلم عندها ، لا رأيها ؛ وكذلك عبد الله بن عمر لا يكسر النرد ، ويضرب اللاعب ، إلا وقد بلغه فيها النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه مبين عن الله تعالى ما يحل ، وما لا يحل ، وما يكره ، وما يستحب[SUP] ( [9] ) [/SUP].


[1] - انظر ( الفُرُوسِيَّةِ ) ص 169 .

[2] - الموطأ : 2 / 958 ( 1718 ) ، وأحمد : 4 / 394 ، 397 ، والأدب المفرد ( 1269 ، 1272 ) ، وأبو داود ( 4938 ) ، وابن ماجة ( 3762 .

[3] - أحمد : 5 / 352 ، 357 ؛ والأدب المفرد ( 1271 ) ، ومسلم ( 2260 ) ، وأبو داود ( 4939 ) ، وابن ماجة ( 3763 ) ، والنردشير هو النرد ، فالنرد عجمي معرب ، و ( شير ) معناه : حلو .

[4] - انظر ( شرح النووي على مسلم ) : 15 / 16 .

[5] - انظر ( بدائع الفوائد ) : 3 / 716 ، 717 .

[6] - الموطأ : 2 / 958 ( 1719 ) .

[7] - الموطأ : 2 / 958 ( 1720 ) .

[8] - الموطأ : 2 / 958 .

[9] - انظر ( الاستذكار ) : 8 / 460 .
 
وأما الشطرنج ، فالجمهور على تحريمه ، وذهب الشافعية إلى كراهته كراهة تنزيه إلا إذا اقترن به محرم فيكون حرامًا لما صاحبه ؛ قالوا : وفَارَق الشطرنج حيث يكره إن خلا عن المال ، بأن معتمده الحساب الدقيق والفكر الصحيح ، ففيه تصحيح الفكر ونوع من التدبير ؛ ومعتمد النرد الحزر والتخمين ، المؤدي إلى غاية من السفاهة والحمق[SUP] ( [1] ) [/SUP].
وألحق العلماء بنوع الألعاب الممنوعة شرعًا ما لَيْسَ فيها إعْمَالٌ للْعَقْلِ ، بَلْ هي قَائِمَةٌ عَلى التَّخْمِيْنِ ، وذلك قياسًا على النرد ؛ قال الشافعي - رحمه الله : يكره من وجه الخبر اللعب بالنرد أكثر مما يكره اللعب بشيء من الملاهي ، ولا نحب اللعب بالشطرنج ، وهو أخف من النرد ، ويكره اللعب بالحزة والقرق ، وكل ما لعب الناس به ، لأن اللعب ليس من صنعة أهل الدين ولا المروءة[SUP] ( [2] ) [/SUP]؛ قال النووي – رحمه الله : فالحزة : قطع خشب يحفر فيها حفر في ثلاثة أسطر ، يجعل فيها حصى صغار يلعب بها ، وقد تسمى : الأربعة عشر ؛ والقرق أن يخط في الأرض خط مربع ، ويجعل في وسطه خطان كالصليب ، ويجعل على رؤوس الخطوط حصى صغار يلعب بها[SUP] ( [3] ) [/SUP].
قال ابن قدامة - رحمه الله : كل لعب فيه قمار فهو محرم ، أيُّ لعب كان ، وهو من الميسر الذي أمر الله تعالى باجتنابه ، ومن تكرر منه ذلك ردت شهادته ، وما خلا من القمار وهو اللعب الذي لا عوض فيه من الجانبين ولا من أحدهما ، فمنه ما هو محرم ، ومنه ما هو مباح ؛ فأما المحرم فاللعب بالنرد ، وهذا قول أبي حنيفة وأكثر أصحاب الشافعي ، قال بعضهم : وهو مكروه غير محرم ؛ ولنا ما روى أبو موسى وبريدة - رضي الله عنهما - وذكر حديثهما ؛ ثم قال : وكان سعيد بن جبير إذا مرَّ على أصحاب النردشير لم يسلم عليهم .
إذا ثبت هذا ، فمن تكرر منه اللعب به لم تقبل شهادته ، سواء لعب قمارًا أو غير قمار ؛ وهذا قول أبي حنيفة ومالك وظاهر مذهب الشافعي ، قال مالك : من لعب بالنرد فلا أرى شهادته طائلة ، لأن الله تعالى قال : { فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ } [ يونس : 32 ] ، وهذا ليس من الحق ، فيكون من الضلال ؛ فأما الشطرنج فهو كالنرد في التحريم إلا أن النرد آكد منه في التحريم لورود النص في تحريمه ، ولكن هذا في معناه فيثبت فيه حكمه قياسًا عليه[SUP] ( [4] ) [/SUP].
وقَالَ الكَمَالُ بنُ الهُمَامِ - رَحِمَهُ الله : والحاصل أن الفسق في نفس الأمر مانع شرعًا ( يعني من الشهادة ) ، غير أن القاضي لا يرتب ذلك إلا بعد ظهوره له ، فالكل سواء في ذلك ؛ ولذا نقول : إذا علم أنه يلعب بالنرد ردَّ شهادته ، سواء قامر به أو لم يقامر ؛ لما في حديث أبي داود : " مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ " ؛ ولعب الطاب ( نوع من الألعاب ) في بلادنا مثله ؛ لأنه يرمى ويطرح بلا حساب وإعمال فكر ، وكل ما كان كذلك مما أحدثه الشيطان ، وعمله أهل الغفلة فهو حرام ، سواء قومر به أو لا .ا.هـ [SUP]([/SUP] [5] [SUP])[/SUP] .
قال الرملي - رحمه الله : وفارق الشطرنج بأن معتمده الحساب الدقيق والفكر الصحيح ، ففيه تصحيح الفكر ونوع من التدبير ؛ ومعتمد النرد الحزر والتخمين المؤدي إلى غاية من السفاهة والحمق ؛ قال الرافعي ما حاصله : ويقاس بهما ما في معناهما من أنواع اللهو ، فكل ما اعتمد الحساب والفكر كالمنقلة حُفَرٌ أو خطوط ينقل منها وإليها حصى بالحساب ، لا يَحْرُم ، ومحلها في المنقلة إن لم يكن حسابها تبعًا لما يخرجه الطاب الآتي ، وإلا حرمت ؛ وكل ما معتمده التخمين يحرم ؛ ومن القسم الثاني ( أي التخمين ) - كما أفاده السبكي والزركشي وغيرهما - الطاب ، وهو عصى صغار ترمى ، وينظر للونها ، ويرتب عليه مقتضاه الذي اصطلحوا عليه [SUP]( [6] ) [/SUP].
ويلتحق بهذا النوع ما اقترن به مَحْظُوْرٌ شَرْعيٌّ وإن كان في أصله مباحًا ، فكُلُّ لُعْبةٍ مَشْرُوعَةٍ أو مُبَاحَةٍ اقترن بها مَحْظُور شَرْعيٍّ ، كالقمار ، أو الإضْرَارِ بالآخَرِيْنَ ، أو إغْرَاءِ العَدَاوَةِ بِيْنَ اللاعِبِيْنَ ، أو تفويت لوقت الصلاة ، أو سبٍّ ، ونَحْوِ ذَلِكَ ؛ فلا يجوز ممارستها لما صاحبها من محرم .
قال مقيده – عفا الله عنه : ويدخل فيما لا يشرع من الألعاب كثير مما يلعب به الناس اليوم ، كالدمينو ، والورق ( الكوتشينة ) ، والسُلَّم والثعبان ، وما شابه ذلك مما يعتمد على الحظ والتخمين .


[1] - انظر ( إعانة الطالبين ) : 4 / 282 - ؛ و( نهاية المحتاج ) للرملي : 8 /

[2] - انظر ( الأم ) : 6 / 224 - دار الفكر .

[3] - انظر ( روضة الطالبين ) : 11 / 226 - المكتب الإسلامي .

[4] - انظر ( المغني ) : 12 / 36 – دار الفكر ، مختصرًا .

[5] - انظر ( فتح القدير ) : 7 / 413 – دار الفكر - بيروت .

[6] - انظر ( نهاية المحتاج شرح المنهاج ) : 8 / 295 – دار الفكر – بيروت .
 
3 - ألْعَابٌ مَسكوت عنها
هذا هو النوع الثالث من الألعاب ، وهي ما استحدث من ألعاب لم تكن موجودة ، أو نقلت إلينا من غيرنا من الأمم ؛ كالتنس وكرة القدم والكرة الطائرة ... ونحو ذلك .
وللعلماء في أصل هذه الألعاب قولان :
الأوَّلُ : أنَّ الأصْلَ في الألْعَابِ التَّحْرِيمُ إلا ما استثناه الشرع ، واستدلوا بحديث عقبة رضي الله عنه المتقدم وفيه : " كُلُّ شَيْءٍ يَلْهُو بِهِ ابْنُ آدَمَ فَهُوَ بَاطِلٌ ، إِلَّا ثَلَاثًا : رَمْيَهُ عَنْ قَوْسِهِ ، وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ ، وَمُلَاعَبَتَهُ أَهْلَهُ ، فَإِنَّهُنَّ مِنْ الْحَقِّ " ، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم : " كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ، فَهُوَ لَغْوٌ وَسَهْوٌ ، إلَّا أَرْبَعُ خِصَالٍ : مَشْيُ الرَّجُلِ بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ ، وَتَأْدِيبُ فَرَسِهِ ، وَمُلَاعَبَتُهُ أَهْلَهُ ، وَتَعْلِيمُ السِّبَاحَةِ " ، وقد تقدم أيضًا ؛ وبِهَذَا قاَلَ الأحَنَاف ، والخَطَّابِيِّ والبغوي مِنَ الشَّافِعِيَّةِ ، وغَيْرِهُم . وقد تقدم قول الكمال بن الهمام في قياس الطاب على النرد ، ثم قال : وكل ما كان كذلك مما أحدثه الشيطان ، وعمله أهل الغفلة فهو حرام ، سواء قومر به أو لا .ا.هـ .
وقَالَ الكَاسَانِيُّ - رَحِمَهُ الله : واللَّعِبُ حَرَامٌ في الأصْلِ ؛ إلاَّ أنَّ اللَّعِبَ بِهَذِه الأشْيَاءِ صَارَ مُسْتَثْنىً مِنَ التَّحْرِيْمِ شَرْعًا ، فَبَقِيَتِ المُلاعَبَةُ بِمَا وَرَاءهَا عَلى أصْلِ التَّحْرِيْمِ ؛ ولأنَّ الاسْتِثْنَاءَ يَحْتَمِلُ أنْ يَكُوْنَ لِمَعْنىً لا يُوْجَدُ في غَيْرِها ، فَكَانَتْ لَعِبًا صُوْرَةً ورِيَاضَةً وتَعَلُّمَ أسْبَابِ الجِهَادِ ، ولَئِنْ كَانَ لَعِبًا لَكِنَّ اللَّعِبَ إذَا تَعَلَّقَتْ بِه عَاقِبَةٌ حَمِيْدَةٌ لا يَكُوْنُ حَرَامًا ، ولِهَذا اسْتَثْنَى مُلاعَبَةَ أهْلِهِ ، لِتَعَلُّقِ عَاقِبَةٍ حَمِيْدَةٍ بِها ، وهِيَ انْبِعَاثُ الشَّهْوَةِ الدَّاعِيَةِ إلى الوَطْءِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ التَّوَالُدِ والتَّنَاسُلِ والسُّكْنَى ، وغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ العَوَاقِبِ الحَمِيْدَةِ [SUP]( [1] ) [/SUP].
وقال الخَطَّابيُّ - رَحِمَهُ الله - عِنْدَ شَرْحِ حديث عقبة رضي الله عنه : وفي هَذَا بَيَانٌ أنَّ جَمِيْعَ أنْوَاعِ اللَّهْوِ مَحْظُوْرَةٌ ، وإنَّمَا اسْتَثْنَى رَسُوْلُ الله صلى الله عليه وسلم هَذِه الخِلالَ مِنْ جُمْلَةِ مَا حَرَّمَ مِنْها ؛ لأنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْها - إذَا تَأمَّلْتَها - وَجَدَّتَها مُعِيْنَةً عَلى حَقٍّ ، أو ذَرِيْعَةً إلَيْه ، ويَدْخُلُ في مَعْنَاهَا : مَا كَانَ مِنَ المُنَاضَلَةِ ، والسِّلاحِ ، والشَّدِّ عَلى الأقْدَامِ ... ثُمّ قَالَ : فأمَّا سَائِرُ مَا يَتَلَهَّى بِه البَطَّالُوْنَ مِنْ أنْوَاعِ اللَّهْوِ : كالنَّرْدِ ، والشِّطْرَنْجِ ، وسَائِرِ ضُرُوْبِ اللِّعْبِ بِمَا لا يُسْتَعَانُ بِه في حَقٍّ فَهُوَ مَحْظُوْرٌ[SUP] ( [2] ) [/SUP].ا.هـ . وبنحوه قال البغوي - رحمه الله - في شرح الحديث : وفيه بيان أن جميع أنواع اللهو محظورة ، واستثني منها هذه الثلاث لكونها ذريعة إلى الحق ، ويدخل في معناها المثاقفة ( المبارزة ) بالسلاح ، والشد على الأقدام ، ونحوها ؛ فأما سوى ذلك من المزاجلة بالحمام ، واللعب بالنرد ، ونحوها ، فحرام[SUP] ( [3] ) [/SUP].
القول الثَّاني : أنَّ الأصْلَ في الألْعَابِ هُوَ الحِلُّ ، إلاَّ مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّرْعُ ، وبِهَذَا قَالَ أكْثَرُ أهْلِ العِلْمِ ، وهُوَ الرَّاجِحُ .
قَالَ ابنُ العَرَبِيِّ - رحمه الله : قَوْلُه : " كُلُّ مَا يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ بَاطِلٌ " ، لَيْسَ مُرَادُه حَرَامًا ، وإنَّمَا يُرِيْدُ بِه أنَّه عَارٍ مِنَ الثَّوَابِ ، وأنَّه للدُّنْيا مَحْضًا ، لا تَعَلُّقَ لَهُ بالآخِرَةِ ، والمُبَاحُ مِنْه بَاقٍ [SUP]( [4] ) [/SUP].
وقال الغزالي - رحمه الله : فقوله : " بَاطِلٌ " لا يدل على التحريم ، بل يدل على عدم الفائدة ، وقد يُسلَّم ذلك على أن التلهي بالنظر إلى الحبشة خارج عن هذه الثلاثة ، وليس بحرام ، بل يلحق بالمحصور ( أي الثلاثة الموجودة في الحديث ) غير المحصور قياسًا ؛ كقوله صلى الله عليه وسلم : " لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ "[SUP] ( [5] ) [/SUP]، فإنه يلحق به رابع وخامس ؛ وفي هذا دليل على أن التفرج في البساتين ، وسماع أصوات الطيور ، وأنواع المداعبات مما يلهو به الرجل ، لا يحرم عليه شيء منها ، وإن جاز وصفه بأنه باطل[SUP] ([6] ) [/SUP].
وقَالَ ابنُ قُدَامَةَ – رحمه الله : وسَائِرُ أنْوَاعِ اللَّعِبِ إذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ ضَرَرًا ، ولا شُغْلاً عَنْ فَرْضٍ ؛ فالأصْلُ إبَاحَتُه[SUP] ( [7] ) [/SUP].
وقال ابنِ تَيْمِيَّةَ – رحمه الله : وفي الصَّحِيْحِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قَالَ : " كُلُّ لَهْوٍ يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ فَهُوَ بَاطِلٌ ، إلاَّ رَمْيَهُ بِقَوْسِهِ ، وتَأدِيْبَهُ فَرَسَهُ، ومُلاعَبَةَ امْرَأتَهُ ، فإنَّهُنَّ مِنَ الحَقِّ " ، والبَاطِلُ مِنَ الأعْمَالِ هُوَ مَا لَيْسَ فيه مَنْفَعَةٌ ، فَهَذَا يُرَخَّصُ فيه للنُّفُوْسِ الَّتِي لا تَصْبِرُ عَلى مَا يَنْفَعُ ، وهَذَا الحَقُّ في القَدْرِ الَّذِي يُحْتَاجُ إلَيْه في الأوْقَاتِ الَّتِي تَقْتَضِي ذَلِكَ : كالأعْيَادِ والأعْرَاسِ وقُدُومِ الغَائِبِ ، ونَحْوِ ذَلِكُم[SUP] ( [8] ) [/SUP].ا.هـ .
وقال ابن حجر رحمه الله : وإنما أطلق على الرمي أنه لهو لإمالة الرغبات إلى تعليمه ، لما فيه من صورة اللهو ، لكن المقصود من تعلمه الإعانة على الجهاد ؛ وتأديب الفرس إشارة إلى المسابقة عليها ، وملاعبة الأهل للتأنيس ونحوه ؛ وإنما أطلق على ما عداها البطلان من طريق المقابلة ، لا أن جميعها من الباطل المحرم[SUP] ( [9] ) [/SUP].
وقَالَ ابنُ القَيَّمِ - رَحِمَهُ الله : وأمَّا مَا لَيْسَ فيهِ مَضَرَّةٌ رَاجِحَةٌ ، ولا هُوَ - أيْضًا - مُتَضَمِّنٌ لِمَصْلَحَةٍ يَأْمُرُ الله تَعَالَى بِها ، ورَسُوْلُه صلى الله عليه وسلم ، فَهَذَا لا يَحْرُمُ ، ولا يُؤْمَرُ بِهِ ؛ كالصِّرَاعِ ( المصارعة ) ، والعَدْوِ ، والسِّبَاحَةِ ، وشَيْلِ الأثْقَالِ[SUP] ( [10] ) [/SUP].
وما أحسن ما قاله ابن تيمية - رحمه الله - في هذا الباب : اللَّذَّةُ الَّتِي لا تُعَقِّبُ لَذَّةً في دَارِ القَرَارِ ولا ألَمًا ، ولا تَمْنَعُ لَذَّةَ دَارِ القَرَارِ فَهَذِه لَذَّةٌ بَاطِلَةٌ ، إذْ لا مَنْفَعَةَ فيها ، ولا مَضَرَّةَ ، وزَمَنُها يَسِيْرٌ ، لَيْسَ لِتَمَتُّعِ النَّفْسِ بِها قَدْرٌ ، وهِيَ لابُدَّ أنْ تَشْغَلَ عَمَّا هُوَ خَيْرٌ مِنْها في الآخِرَةِ ، وإنْ لَمْ تَشْغَلْ عَنْ أصْلِ اللَّذَّةِ في الآخِرَةِ ... قال : ولَكِنْ مَا أعَانَ عَلى اللَّذَّةِ المَقْصُوْدَةِ مِنَ الجِهَادِ والنِّكَاحِ فَهُو حَقٌّ ، وأمَّا مَا لَمْ يُعِنْ عَلى ذَلِكَ فَهُوَ بَاطِلٌ ، لا فَائِدَةَ فيه ؛ ولَكِنَّه إنْ لَمْ يَكُنْ فيه مَضَرَّةٌ رَاجِحَةٌ لَمْ يَحْرُمْ ، ولَمْ يُنْهَ عَنْه ، ولَكِنْ قَدْ يَكُوْنُ مَا فِعْلُهُ مَكُرُوْهًا ؛ لأنَّه يَصُدُّ عَنِ اللَّذَّةِ المَطْلُوْبَةِ ؛ إذْ لَوْ اشْتَغَلَ اللاهِي حِيْنَ لَهْوِهِ بِمَا يِنْفَعُه ويَطْلُبُ لَهُ اللّذَّةَ المَقْصُوْدَةَ ، لَكَانَ خَيْرًا لَهُ .... ثُمَّ قَالَ : ومَحَبَّةُ النُّفُوْسِ للبَاطِلِ نَقْصٌ ، لَكِنْ لَيْسَ كُلُّ الخَلْقِ مَأمُوْرِيْنَ بالكَمَالِ ، ولا يُمْكِنُ ذَلِكَ فيهم ؛ فإذَا فَعَلُوا مَا بِهِ يَدْخُلُوْنَ الجَنَّةَ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهم ، مَا لا يَمْنَعُهُم مِنَ دُخُوْلِها [SUP]( [11] ) [/SUP].ا.هـ .
ولابد من التنبيه من أنَّ القَوْلَ بإبَاحَةِ اللَّعِبِ هُنَا ، لَيْسَ عَلى إطْلاقِهِ ، بَلْ المراد به اللَّعِبُ الَّذِي لَم يَقْتَرِنْ بِهِ مَحْظُوْرٌ شَرْعِيٌّ ، لا في أصْلِهِ ، ولا في وَصْفِهِ ، ولا في شَرْطِه .


[1] - انظر ( بَدَائِعِ الصَّنائِعِ ) : 6 / 206 .

[2] - انظر ( مَعالمِ السُّنَّ ) : 2 / 242 .

[3] - انظر ( شرح السنة ) : 10 / 383 .

[4] - انظر ( عَارِضَةِ الأحْوَذِيِّ ) : 7 / 137 .

[5] - البخاري ( 6878 ) ، ومسلم ( 1676 ) .

[6] - انظر ( إحياء علوم الدين ) : 2 / 286 .

[7] - انظر ( المُغْنِي ) : 12 / 172 .

[8] - انظر ( الاسْتِقَامَةِ ) : 1 / 277 .

[9] - انظر ( فتح الباري ) : 11 / 91 .

[10] - انظر ( الفُرُوسِيَّةِ ) : 172 .

[11] - انظر ( الاستقامة ) : 2 / 153 وما بعدها باختصار .
 
وبعد ؛ فإذَا كان مِنَ هذه الألْعَابِ الرِّيَاضِيَّةِ مَا هُوَ مُبَاحٌ ؛ إلاَّ أنَّه لَيْسَ لِلْمُسْلِمِ أنْ يُضيع وقته في اللَّهْوِ والتَّسْلِيَةِ ؛ فإن الوقت هو عمره ، والواجبات أكثر من الأوقات ، فإذا انشغل بذلك سيلهيه - حتمًا - عن أداء واجبات يأثم بفواتها . وما أحسن ما قاله الشافعي - رحمه الله : ويكره اللعب بالحزة والقرق ، وكل ما لعب الناس به ، لأن اللعب ليس من صنعة أهل الدين ولا المروءة [SUP]( [1] )[/SUP].


[1] - الأم : 6 / 224 – دار الفكر .
 
أحكام تتعلق بالرياضة البدنية
مشروعية المسابقة
ثبت في السنة المطهرة مشروعية المسابقة على الأقدام ، وبين الخيل ، وبين الإبل ، وبالمصارعة ، وبالمناضلة ؛ قال ابن العربي - رحمه الله : اعْلَمُوا - وَفَّقَكُمْ اللَّهُ - أَنَّ الْمُسَابَقَةَ شِرْعَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ ، وَخَصْلَةٌ بَدِيعَةٌ ، وَعَوْنٌ عَلَى الْحَرْبِ ؛ وَقَدْ فَعَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِنَفْسِهِ ، وَبِخَيْلِهِ ; فَرُوِيَ أَنَّهُ سَابَقَ عَائِشَةَ ؛ وَرُوِيَ أَنَّهُ سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي أُضْمِرَتْ والَّتِي لَا تُضْمَرُ ؛ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَابَقَ بَيْنَ الْعَضْبَاءِ وَغَيْرِهَا ، فَسُبِقَتْ الْعَضْبَاءُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَلَّا يَرْفَعَ شَيْئًا مِنْ الدُّنْيَا إلَّا وَضَعَهُ " ؛ وَفِي ذَلِكَ من الْفَوَائِدِ رِيَاضَةُ النَّفْسِ وَالدَّوَابِّ ، وَتَدْرِيبُ الْأَعْضَاءِ عَلَى التَّصَرُّفِ [SUP]( [1] ) [/SUP]. وقَالَ اَلْقُرْطُبِيّ - رحمه الله : لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ اَلْمُسَابَقَةِ عَلَى اَلْخَيْلِ وَغَيْرهَا مِنْ اَلدَّوَابِّ ، وَعَلَى اَلْأَقْدَامِ ، وَكَذَا اَلتَّرَامِي بِالسِّهَامِ ، وَاسْتِعْمَال اَلْأَسْلِحَةِ ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ اَلتَّدْرِيبِ عَلَى اَلْحَرْبِ[SUP] ( [2] )[/SUP].


[1] - انظر ( أحكام القرآن ) لابن العربي : 5 / 49 .

[2] - نقلا عن ( فتح الباري ) لابن حجر : 6 / 73 .
 
المسابقة على الأقدام
روى أحمد وأبو داود والنسائي عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ : خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ ، وَأَنَا جَارِيَةٌ لَمْ أَحْمِلْ اللَّحْمَ ، وَلَمْ أَبْدُنْ ؛ فَقَالَ لِلنَّاسِ : " تَقَدَّمُوا " ، فَتَقَدَّمُوا ، ثُمَّ قَالَ لِي : " تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ " ، فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ ، فَسَكَتَ عَنِّي ، حَتَّى إِذَا حَمَلْتُ اللَّحْمَ وَبَدُنْتُ ، وَنَسِيتُ ، خَرَجْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ ، فَقَالَ لِلنَّاسِ : " تَقَدَّمُوا " فَتَقَدَّمُوا ، ثُمَّ قَالَ : " تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ " فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي ، فَجَعَلَ يَضْحَكُ وَهُوَ يَقُولُ : " هَذِهِ بِتِلْكَ "[SUP] ( [1] ) [/SUP]؛ وفيه مشروعية المسابقة بالعدو ، وملاطفة الزوجة وتأنيسها .
وفي صحيح مسلم عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قَالَ : غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ - قَالَ : ثُمَّ أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَاءَهُ عَلَى الْعَضْبَاءِ رَاجِعِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ ؛ قَالَ : فَبَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ ؛ وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ لاَ يُسْبَقُ شَدًّا ( أي : عدوًا ) ، فَجَعَلَ يَقُولُ : أَلاَ مُسَابِقٌ إِلَى الْمَدِينَةِ ؟ هَلْ مِنْ مُسَابِقٍ ؟ فَجَعَلَ يُعِيدُ ذَلِكَ ؛ قَالَ : فَلَمَّا سَمِعْتُ كَلاَمَهُ ، قُلْتُ : أَمَا تُكْرِمُ كَرِيمًا ، وَلاَ تَهَابُ شَرِيفًا ! قَالَ : لاَ ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، بِأَبِى وَأُمِّى ، ذَرْنِى فَلأُسَابِقَ الرَّجُلَ ؛ قَالَ : " إِنْ شِئْتَ " ؛ قَالَ : قُلْتُ : اذْهَبْ ، إِلَيْكَ ؛ وَثَنَيْتُ رِجْلَيَّ فَطَفَرْتُ ( أي : وَثَبْتُ ) ، فَعَدَوْتُ ، فَرَبَطْتُ عَلَيْهِ ( أي : حَبَسْت نَفْسِي عَنْ الْجَرْي الشَّدِيد ) شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ أَسْتَبْقِي نَفَسِي ، ثُمَّ عَدَوْتُ فِي إِثْرِهِ ، فَرَبَطْتُ عَلَيْهِ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ ، ثُمَّ إِنِّي رَفَعْتُ حَتَّى أَلْحَقَهُ ؛ فَأَصُكُّهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ ، قُلْتُ : قَدْ سُبِقْتَ وَاللَّهِ ؛ قَالَ : أَنَا أَظُنُّ ؛ قَالَ : فَسَبَقْتُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ [SUP]( [2] )[/SUP] .
قال النووي - رحمه الله : وفي هذا دليل لجواز المسابقة على الأقدام ، وهو جائز بلا خلافٍ إذا تسابقا بلا عوض ، فإن تسابقا على عوض ففي صحتها خلاف ؛ الأصح عند أصحابنا لا تصح[SUP] ( [3] ) [/SUP].


[1] - أحمد : 6 / ، وأبو داود ( 2578 ) ، والنسائي في الكبرى ( 8942 ) .

[2] - جزء من حديث رواه مسلم ( 1807 ) .

[3] - انظر ( شرح النووي على مسلم ) : 12 / 183 .
 
المسابقة بالمصارعة
روى البيهقي عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ بِالْبَطْحَاءِ ، فَأَتَى عَلَيْهِ يَزِيدُ بْنُ رُكَانَةَ ، أَوْ رُكَانَةُ بْنُ يَزِيدَ ، وَمَعَهُ أَعْنُزٌ لَهُ ، فَقَالَ لَهُ : يَا مُحَمَّدُ ، هَلْ لَكَ أَنْ تُصَارِعَنِي ؟ فَقَالَ : " مَا تُسْبِقْنِي ؟ " ، قَالَ : شَاةً مِنْ غَنَمِي ، فَصَارَعَهُ فَصَرَعَهُ ، فَأَخَذَ شَاةً ؛ قَالَ رُكَانَةُ : هَلْ لَكَ فِي الْعُودِ ؟ قَالَ : " مَا تُسْبِقْنِي ؟ " ، قَالَ : أُخْرَى - ذَكَرَ ذَلِكَ مِرَارًا - فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، وَاللَّهِ مَا وَضَعَ أَحَدٌ جَنْبِي إِلَى الأَرْضِ ، وَمَا أَنْتَ الَّذِي تَصْرَعُنِي ؛ يَعْنِى : فَأَسْلَمَ ، وَرَدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَنَمَهُ[SUP] ( [1] ) [/SUP]. وقوله : " مَا تُسْبِقْنِي ؟ " أي : ما تعطيني على ذلك مسابقةً .


[1] - رواه البيهقي في الكبرى ( 20255 ) ثم قال : وَهُوَ مُرْسَلٌ جَيِّدٌ ، وَقَدْ رُوِىَ بِإِسْنَادٍ آخَرَ مَوْصُولاً ، إِلاَّ أَنَّهُ ضَعِيفٌ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . ا.هـ ، قلت : هو في مراسيل أبي داود ( 308 ) ؛ وقال ابن حجر في ( التلخيص الحبير : 4 / 397 ) : إسْنَادُهُ صَحِيحٌ إلَى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ؛ وأما الموصول فرواه أبو داود ( 4078 ) ، والترمذي ( 1784 ) وإسناده ضعيف ، وقال الألباني في ( السلسلة الضعيفة : 13/ 176 ) : وهو مخرج في الإرواء ( 1503 ) ، وبينت هناك أن قصة المصارعة صحيحة ؛ لورودها من غير هذه الطريق .
 
المسابقة بين الخيل
في الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي أُضْمِرَتْ مِنْ الْحَفْيَاءِ ، وَأَمَدُهَا ثَنِيَّةُ الْوَدَاعِ ؛ وَسَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضْمَرْ مِن الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ ؛ وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ فِيمَنْ سَابَقَ بِهَا [SUP]( [1] )[/SUP] ؛ وفي صحيح البخاري : قَالَ سُفْيَانُ : بَيْنَ الْحَفْيَاءِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ : خَمْسَةُ أَمْيَالٍ ، أَوْ سِتَّةٌ ؛ وَبَيْنَ ثَنِيَّةَ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ : مِيلٌ[SUP] ( [2] ) [/SUP].
وسابق : من المسابقة ، وهي السبق الذي يشترك فيه اثنان فأكثر ، على جائزة أو بدونها ؛ واضمرت : من الإضمار والضمور ، وهو الهزال ؛ والخيل المضمرة : هي التي ذهب رهلها ، فقوي لحمها ، واشتد جريها ؛ والحفياء : موضع بقرب المدينة ؛ وأمدها : غايتها ونهاية المسافة التي تسابق إليها ؛ وثنية الوداع : الثنية هي الطريق في الجبل ، وسميت ثنية الوداع بذلك لأن الخارج من المدينة يمشي معه المودعون إليها .
قال الولي العراقي - رحمه الله - في ( طرح التثريب ) : فِيهِ الْمُسَابِقَةُ بَيْنَ الْخَيْلِ ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْعَبَثِ الْمَذْمُومِ ، بَلْ مِنْ الرِّيَاضَةِ الْمَحْمُودَةِ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى تَحْصِيلِ الْمَقَاصِدِ فِي الْغَزْوِ ، وَالِانْتِفَاعِ بِهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى الْقِتَالِ كَرًّا وَفَرًّا ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهَا مُبَاحَةٌ أَوْ مُسْتَحَبَّةٌ ، وَمَذْهَبُ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ .ا.هـ . ونحوه في ( الفتح ) للحافظ ابن حجر – رحمه الله[SUP] ( [3] ) [/SUP].


[1] - البخاري ( 410 ) ، ومسلم ( 1870 ) .

[2] - البخاري ( 2713 ) .

[3] - انظر ( فتح الباري ) لابن حجر : 6 / 73 .
 
المسابقة بين الإبل
في صحيح البخاري عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : كَانَتْ نَاقَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تُسَمَّى الْعَضْبَاءَ ، وَكَانَتْ لَا تُسْبَقُ ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَعُودٍ لَهُ ، فَسَبَقَهَا ؛ فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَقَالُوا : سُبِقَتْ الْعَضْبَاءُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يَرْفَعَ شَيْئًا مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا وَضَعَهُ "[SUP] ( [1] ) [/SUP]؛ في الحديث جواز المسابقة بين الإبل .


[1] - البخاري ( 6136 ) .
 
المناضلة
المناضلة هي المسابقة برمي السهام ؛ وفي صحيح البخاري عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رضي الله عنه قَالَ : مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا ، ارْمُوا وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلَانٍ " ، قَالَ : فَأَمْسَكَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَا لَكُمْ لَا تَرْمُونَ ؟ " ، قَالُوا : كَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ ؟ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " ارْمُوا ، فَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ "[SUP] ( [1] ) [/SUP]؛ ورواه أبو يعلى وابن حبان والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : خَرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَقَوْمٌ مِنْ أَسْلَمَ يَرْمُونَ ، فَقَالَ : " ارْمُوا بَنِي إسْمَاعِيلَ ؛ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا ، ارْمُوا وَأَنَا مَعَ ابْنِ الْأَدْرَعِ " ، فَأَمْسَكَ الْقَوْمُ قِسِّيَهُمْ وَقَالُوا : مَنْ كُنْت مَعَهُ غَلَبَ ، قَالَ : " ارْمُوا وَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ "[SUP] ( [2] ) [/SUP].
وروى ابن ماجة والطبراني والحاكم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بنفَرٍ يَرْمُونَ , فَقَالَ : " رَمْيًا بني إِسْمَاعِيلَ ؛ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا "[SUP] ( [3] ) [/SUP].


[1] - البخاري ( 2743 ، 3193 ، 3316 ) .

[2] - أبو يعلى ( 6119 ) ، وابن حبان ( 4695 ) ، والحاكم ( 2465 ) .

[3] - أحمد : 1 / 364 ، ابن ماجة ( 2815 ) ، والطبراني في الكبير : 12 / 156 ( 12746 ) ، والحاكم ( 2464 ) وصححه على شرط مسلم ، ووافقه الذهبي .
 
المسابقة على جُعْلٍ
المسابقة فيما هو مشروع أو مباح على غير جُعْلٍ ( مال ) : جائزة باتفاق ، قَالَ ابنُ قُدَامَةَ - رَحِمَهُ الله : والمُسَابَقَةُ عَلى ضَرْبَيْنِ : مُسَابَقَةٌ بِعِوَضٍ ، ومُسَابَقَةٌ بِغَيْرِ عِوَضٍ : فأمَّا المُسَابَقَةُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَتَجُوْزُ مُطْلقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيْدٍ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ ؛ كالمُسَابَقَةِ عَلى الأقْدَامِ ، والسُّفُنِ ، والطُّيُوْرِ ، والبِغَالِ ، والحَمِيْرِ ، والفيلَةِ ، والمَزَارِيْقِ ( حراب صغيرة ) ، والمُصَارَعَةِ ، ورَفْعِ الحَجَرِ لِيُعْرَفَ الأشَدُّ ، وغَيْرِ هَذَا [SUP]( [1] ) [/SUP].ا.هـ .
وثبتت المسابقة على جُعْلٍ في بعض الأنواع السابقة ، فقد روى أحمد وأهل السنن عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لاَ سَبَقَ إِلاَّ فِي خُفٍّ ، أَوْ حَافِرٍ ، أَوْ نَصْلٍ "[SUP] ( [2] ) [/SUP]؛ والسَبَق ( بفتح السين والباء ) : هو ما يجعل للسابق على سبقه من المال ؛ والمعنى : لا يحل أخذ المال بالمسابقة " إِلاَّ فِي خُفٍّ " أي : إبل ، " أَوْ حَافِرٍ " أي : خيل ، " أَوْ نَصْلٍ " أي : سهم . قال ابن عبد البر - رحمه الله : وأما السبق في الرهان فلا يجوز إلا في ثلاثة أشياء ، هي : الخف ، والحافر ، والنصل .. ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه ]3 ] ] .
قال الخطابي - رحمه الله - في ( معالم السنن ) : يريد أن الجعل والعطاء لا يُستحق إلا في سباق الخيل والإبل وما في معناهما ، وفي النصل ، وهو الرمي ؛ وذلك لأن هذه الأمور عدة في قتال العدو ، وفي بذل الجعل عليها ترغيب في الجهاد وتحريض عليه ، ويدخل في معنى الخيل البغال والحمير ؛ لأنها كلها ذوات حوافر ، وقد يحتاج إلى سرعة سيرها ونجائها لأنها تحمل أثقال العساكر وتكون معها في المغازي[SUP] ( [4] ) [/SUP].ا.هـ .
وقال البغوي - رحمه الله - في ( شرح السنة ) : وفيه إباحة أخذ المال على المناضلة لمن نضل ، وعلى المسابقة على الخيل ، والإبل لمن سبق ، وإليه ذهب جماعة من أهل العلم أباحوا أخذ المال على المناضلة ، والمسابقة ، لأنها عدة لقتال العدو ، وفي بذل الجعل عليها ترغيب في الجهاد [SUP] ( [5] ) [/SUP].
قال مقيده - عفا الله عنه : حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتقدم : " لا سَبَقَ إلاَّ في نَصْلٍ ، أو خُفٍّ ، أو حَافِرٍ " ، يدل على جواز المسابقة على جُعْل في هذه الثلاثة ؛ وقد اتفق أهل العلم على ذلك ؛ قَالَ ابنُ عَبْدِ البَرِّ - رَحِمَهُ الله : أجْمَعَ أهْلُ العِلْمِ عَلى أنَّ السَّبَقَ لا يَجُوْزُ عَلى وَجْهِ الرِّهَانِ إلاَّ في الخُّفِّ ، والحَافِرِ ، والنَّصْلِ[SUP] ( [6] ) [/SUP].ا.هـ .


[1] - انظر ( المُغْنِي ) : 8 / 652 .

[2] - أحمد : 2 / 256 ، 258 ، 474 ، وأبو داود ( 2574 ) ، والترمذي ( 1700 ) وحسنه ، والنسائي ( 3585 - 3587 ) ، وابن ماجة ( 2878 ) .

[3] - انظر ( الاستذكار ) : 5 / 141 .

[4] - انظر ( معالم السنن ) لأبي سليمان الخطابي عند شرح ( 2574 ) لسنن أبي داود .

[5] - انظر ( شرح السنة ) : 10 / 394 .

[6] - انظر ( التَّمْهِيْدِ ) : 14 / 88 .
 
واختلفوا فيما عدا ذلك من مسابقات قد تكون من عدة الجهاد ؛ فأضاف الحنفية السبق بالأقدام ؛ قَالَ الكَاسَانِيُّ - رَحِمَهُ الله : أنْ يَكُوْنَ في الأنْوَاعِ الأرْبَعَةِ : الحَافِرِ ، والخُفِّ ، والنَّصْلِ ، والقَدَمِ ، لا في غَيْرِها[SUP] ( [1] ) [/SUP].
وأضاف الشافعي - رحمه الله - ما يمكن أن يستخدم في الجهاد من البغال الحمير والفيلة ، لدخوله في الخُّفِّ والحَافِرِ ؛ قَالَ : وَهَذَا يَعْنِي بِهِ أن مَا تَقَدَّمَ مِنَ البِغَالِ والحَمِيْرِ والفيلَةِ ، دَاخِلٌ في مَعْنَى مَا نَدَبَ الله إلَيْه ، وحَمِدَ عَلَيه أهْلَ دِيْنِه مِنَ الإعْدَادِ لِعُدَّةِ القُوَّةِ ، ورِبَاطِ الخَيْلِ[SUP] ( [2] ) [/SUP]. قَالَ الشربيني - رَحِمَهُ الله : قَالَ الإمَامُ ( أي : الجويني ) : ويُؤَيِّدُه العُدُوْلُ عَنْ ذِكْرِ الفَرَسِ والبَعِيْرِ إلى الخُفِّ والحَافِرِ ؛ ولا فَائِدَةَ فيه غَيْرُ قَصْدِ التَّعْمِيْمِ ، وإنْ قَصَرَ الحَدِيْثُ عَلى الإبِلِ والخَيْلِ ؛ لأنَّها المُقَاتَلُ عَلَيْها غَالِبًا [SUP]( [3] ) [/SUP].
وقال المرداوي - رحمه الله : لا يَجُوْزُ بِعِوَضٍ إلاَّ في الخَيْلِ ، والإبِلِ ، والسِّهَامِ ؛ هَذَا هُوَ المَذْهَبُ بِلا رَيْبٍ ، وعَلَيْه جَمَاهِيْرُ الأصْحَابِ ، وقَطَعَ بِه كَثِيْرٌ مِنْهُم ؛ وذَكَرَ ابنُ البَنَّا وَجْهًا : يِجُوْزُ بِعِوَضٍ في الطَّيْرِ المُعَدَّةِ لإخْبَارِ الأعْدَاءِ ؛ وذَكَرَ في ( النَّظْمِ ) وَجْهًا بَعِيْدًا : يَجُوْزُ بِعِوَضٍ في الفيلَةِ ؛ وقَدْ صَارَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رُكَانَةَ عَلى شَاةٍ فَصَرَعَهُ ، ثُمَّ عَادَ مِرَارًا فَصَرَعَهُ ، فَأَسْلَمَ فَرَدَّ عليه غَنَمَهُ ؛ رَوَاهُ أبو دَاوُد في مَرَاسِيلِهِ . قَالَ في ( الفُرُوْعِ ) : وهَذَا وغَيْرُه مَعَ الكُفَّارِ مِنْ جِنْسِ جِهَادِهم ؛ فَهُوَ في مَعْنَى الثَّلاثَةِ المَذْكُوْرَةِ ، فإنَّ جِنْسَها جِهَادٌ ... والصِّرَاعُ ، والسَّبْقُ بالأقْدَامِ ، ونَحْوُها طَاعَةٌ إذَا قُصِدَ بِها نَصْرُ الإسْلامِ ، وأخْذُ العِوَضِ عَلَيْه أخْذٌ بالحَقِّ ؛ فالمُغَالَبَةُ الجَائِزَةُ تَحِلُّ بالعِوَضِ إذَا كَانَتْ مِمَّا يُعِيْنُ عَلى الدِّيْنِ ، كَمَا في مُرَاهَنَةِ أبِى بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ ؛ واخْتَارَ هَذَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّيْنِ ( ابنُ تَيْمِيَّةَ ) وذَكَرَ أنَّه أحَدُ الوَجْهَيْنِ عِنْدَنَا ؛ مُعْتَمِدًا عَلى مَا ذَكَرَهُ البَنَّا [SUP] ( [4] ) [/SUP].
وقَالَ ابنُ القَيِّمِ - رَحِمَهُ الله : فَكُلُّ مُغَالَبَةٍ يُسْتَعَانُ بِها عَلى الجِهَادِ تَجُوْزُ بالعِوَضِ ، بِخِلافِ المُغَالَبَاتِ الَّتِي لا يُنْصَرُ الدِّيْنُ بِها[SUP] ( [5] ) [/SUP].
وفي جَوَابٍ للَّجْنَةِ الدَّائِمَةِ للْبُحُوْثِ العِلْمِيَّةِ والإفْتَاءِ : السِّبَاقُ عَلى الخَيْلِ ، والإبِلِ ، ونَحْوِها مِنْ عُدَدِ الجِهَادِ ؛ كالطَّائِرَاتِ ، والدَّبابَاتِ للتَّدْرِيْبِ عَلَيْها ، وكَسْبِ الفُرُوْسِيَّةِ وَاجِبٌ ، أو مُسْتَحَبٌّ حَسْبَ مَا تَقْتَضِيْهِ حَاجَةُ المُسْلِمِيْنَ في الجِهَادِ ، دِفَاعًا عَنْ حَوْزَتِهِم ، ونُصْرَةً لِدِيْنِهم ، وتَيْسِيْرًا لِنَشْرِ الإسْلامِ ، ولِمَنْ يُسَاعِدُ عَلَيْه بِفِكْرَةٍ ، أو مَهَارَتِه فيهِ ، أو بِمَالِهِ ، الأجْرُ والثَّوَابُ ا.هـ [SUP]( [6] ) [/SUP].
وفي جَوَابٍ آخَرَ : المُسَابَقَةُ مَشْرُوْعَةٌ فيما يُسَتَعَانُ بِهِ عَلى حَرْبِ الكُفَّارِ مِنَ الإبِلِ ، والخَيْلِ ، والسِّهَامِ ، ومَا في مَعْنَاهَا مِنْ آلاتِ الحَرْبِ : كالطَّيَّارَاتِ ، والدَّبَّابَاتِ ، والغَوَّاصَاتِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِجَوَائِزَ ، أمْ بِدُوْنِ جَوَائِزَ [SUP]( [7] )[/SUP] .


[1] - انظر (بَدَائِعِ الصنائع ) : 6 / 206 .

[2] - انظر ( الأمِّ ) : 4 / 230 .

[3] - انظر ( مُغْنِي المُحْتَاجِ ) : 4 / 312 .

[4] - انظر ( الإنْصَافِ) : 6 / 90 ، 91 ، وانظر ( الفروع ) لابن مفلح : 4 / 347 .

[5] - انظر ( الفُرُوسِيَّةِ ) ص 35 .

[6] - فتوى رَقَمِ ( 3219 ) ، بتَارِيْخِ : 11 / 9 / 1400 هـ .

[7] - فتوى رَقَمِ ( 3323 ) ، بتَارِيْخِ : 19 / 12 / 1400 هـ .
 
وأما الألْعَابُ المَمْنُوعَةُ ؛ كالمَيْسِرِ ( والقِمَارِ ) والنَّرْدِ ، وما شابهها ؛ فَقَدْ أجْمَعَ أهْلُ العِلْمِ عَلى تَحْرِيمِها ، وَتَحْرِيمِ أخْذِ العِوَضِ فيها [SUP]( [1] )[/SUP] .
وأما المباح من الألعاب مما لا يستعان به على الجهاد ؛ فالمسابقة فيها بغير عوض جائزة ؛ ومَنَعَ العلماء أخْذُ العِوَضِ فيهِا وفي كُلِّ مَّا لَيْسَ مِنْ عدة الجِهَادِ لحديث أبي هريرة المتقدم : " لا سَبَقَ إلاَّ في نَصْلٍ ، أو خُفٍّ ، أو حَافِرٍ " ؛ قال ابنُ القَيَّمِ - رَحِمَهُ الله : مَا لَيْسَ فيهِ مَضَرَّةٌ رَاجِحَةٌ ، ولا هُوَ - أيْضًا - مُتَضَمِّنٌ لِمَصْلَحَةٍ يَأْمُرُ الله تَعَالَى بِها ، ورَسُوْلُه صلى الله عليه وسلم ، فَهَذَا لا يَحْرُمُ ، ولا يُؤْمَرُ بِهِ : كالصِّرَاعِ ، والعَدْوِ ، والسِّبَاحَةِ ، وشَيْلِ الأثْقَالِ ... ونَحْوِهَا ؛ فَهَذَا القِسْمُ رَخَّصَ فيه الشَّارِعُ بِلا عِوَضٍ ، إذْ لَيْسَ فيه مَفْسَدَةٌ رَاجِحَةٌ ، ولِلنُّفُوْسِ فيه اسْتِرَاحَةٌ وإجْمَامٌ ، وقَدْ يَكُوْنُ مَعَ القَصْدِ الحَسَنِ عَمَلاً صَالِحًا ؛ كسَائِرِ المُبَاحَاتِ الَّتِي تَصِيْرُ بالنِّيَّةِ طَاعَاتٍ ، فاقْتَضَتْ حِكْمَةُ الشَّرْعِ التَّرْخِيْصَ فيه ؛ لِمَا يِحْصُلُ فيه مِنْ إجْمَامِ النَّفْسِ ورَاحَتِها ، واقْتَضَتْ تَحْرِيْمَ العِوَضِ فيه ، إذْ لَوْ إبَاحَتْهُ بِعِوَضٍ ؛ لاتَّخَذَتْه النُّفُوْسُ صِنَاعَةً ومَكْسَبًا ، فالْتَهَتْ بِهِ عَنْ كَثِيْرٍ مِنْ مَصَالِحِ دِيْنِها ودُنْيَاهَا ؛ فأمَّا إذَا كَانَ لَعِبًا مَحْضًا ، ولا مَكْسَبَ فيه ؛ فإنَّ النَّفْسَ لا تُؤْثِرُه عَلى مَصَالِحِ دُنْيَاهَا ودِيْنِها ، ولا تُؤْثِرُه عَلَيْها إلاَّ النُّفُوْسُ الَّتِي خُلِقَتْ للبَطَالَةِ[SUP] ( [2] ) [/SUP].
وقال الشِّيْرَازِيُّ - رَحِمَهُ الله : وأمَّا كُرَةُ الصَّوْلَجَانِ ، ومُدَاحَاةُ الأحْجَارِ ، ورَفْعُها مِنَ الأرْضِ ، والمُشَابَكَةُ ، والسِّبَاحَةُ ، واللَّعِبُ بالخَاتَمِ ، والوُقُوْفُ عَلى رِجْلٍ وَاحِدَةٍ ، وغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ اللَّعِبِ الَّذِي لا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلى الحَرْبِ ، فَلا تَجُوْزُ المُسَابَقَةُ عَلَيْها بِعِوَضٍ ؛ لأنَّه لا يُعَدُّ للحَرْبِ ، فَكَانَ أخْذُ العِوَضِ فيه مِنْ أكْلِ المَالِ بالبَاطِلِ[SUP] ( [3] ) [/SUP]؛ قال النووي – رحمه الله : فأما السبق بالمداحي وكرة الصولجان وما ذكره المصنف من أنواع اللعب ، فعلى الوجه الذي ذكره المصنف لا وجه غيره[SUP] ( [4] ) [/SUP].
قَالَ ابنُ تَيْمِيَّةُ - رَحِمَهُ الله - حِيْنَ سُئِلَ عَنْ لِعْبِ الكُرَةِ في بَابِ السَّبَقِ ( أيْ : الكُرَةِ الَّتِي تُلْعَبُ بالصَّوْلَجَانِ ): ولِعْبُ الكُرَةِ إذَا كَانَ قَصَدَ صَاحِبُهُ المَنْفَعَةَ للْخَيْلِ والرِّجَالِ ؛ بِحَيْثُ يُسْتَعَانُ بِها عَلى الكَرِّ والفَرِّ ، والدُّخُوْلِ والخُرُوْجِ ، ونَحْوِهِ في الجِهَادِ ، وغَرَضُه الاسْتِعَانَةُ عَلى الجِهَادِ الَّذِي أمَرَ الله بِه رَسُوْلَه e ، فَهُوَ حَسَنٌ ؛ وإنْ كَانَ في ذَلِكَ مَضَرَّةٌ بالخَيْلِ والرِّجَالِ ، فإنَّه يُنْهَى عَنْهُ[SUP] ( [SUP][5][/SUP] )[/SUP] .
قال مقيده – عفا الله عنه : وكذلك كل ما جاز من الألعاب وليس هو من عدة الجهاد فتجوز المسابقة فيه بلا عوض ، ولا تجوز بعوض ؛ قال د. سَعْدُ الشَّثري عِنْدَ ذِكْرِه لـِكُرَة القَدَمِ والطَّائِرَةِ والسَّلَّةِ والتِّنِسِ : وكَذا اتَّفَقُوا عَلى تَحْرِيمِها إنْ كَانَ فيها سَبَقٌ ، وعِوَضٌ يُبذلُ[SUP] ( [6] ) [/SUP].
وصفوة القول ما قاله ابن تيمية – رحمه الله : وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ مَا ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَنَّ الْمُغَالِبَاتِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ : فَمَا كَانَ مُعِينًا عَلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ : ] وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ [ ، جَازَ بِجُعْلِ وَبِغَيْرِ جُعْلٍ ؛ وَمَا كَانَ مُفْضِيًا إلَى مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ : كَالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ ، فَمَنْهِيٌّ عَنْهُ بِجُعْلٍ وَبِغَيْرِ جُعْلٍ ؛ وَمَا قَدْ يَكُونُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ بِلَا مَضَرَّةٍ رَاجِحَةٍ : كَالْمُسَابَقَةِ وَالْمُصَارَعَةِ ، جَازَ بِلَا جُعْلٍ[SUP] ( [7] ) [/SUP]. والعلم عند الله تعالى .


[1] - انظر ( المُغْني ) لابنِ قُدَامَةَ : 9 / 170 ، و( الفُرُوسِيَّةُ ) لابنِ القَيِّمِ ص 64 ، و( أحْكَامُ القُرْآنِ ) للجَصَّاصِ : 2 / 566 ، و ( مجْمُوْعُ الفَتَاوَى ) لابنِ تَيْمِيَّةَ : 3 / 216 .

[2] - انظر ( الفُرُوسِيَّةِ ) ص 172 .

[3] - انظر ( المُهَذَّبِ ) : 1 / 421 .

[4] - انظر ( المجموع شرح المهذب ) : 15 / 143 .

([5]) «مُخْتَصَرُ الفَتَاوَى المِصْرِيَّةِ» للبَعْليِّ (251) .

[6] - انظر (المُسَابَقَاتُ ) ص 202 .

[7] - انظر ( مجموع الفتاوى ) : 32 / 227 .
 
المسابقات العلمية الشرعية
هذه المسابقات التي تُجرى بين المتسابقين في حفظ القرآن ، ومتون العلم ، وكتابة البحوث الشرعية بعوض ( مال ) ؛ قد أجازها طائفة من أهل العلم ، نقل ذلك ابنُ القَيِّمِ - رَحِمَهُ الله في ( الفروسية ) ، قال : قالوا : والرهان لم يحرم جملة ، فإن النبي راهن في تسبيق الخيل ؛ وإنما الرهان المحرم : الرهان على الباطل ، الذي لا منفعة فيه في الدين ، وأما الرهان على ما فيه ظهور أعلام الإسلام وأدلته وبراهينه - كما قد راهن عليه الصديق - فهو من أحق الحق ، وهو أولى بالجواز من الرهان على النضال وسباق الخيل والإبل ؛ وأثر هذا في الدين أقوى ؛ لأن الدين قام بالحجة والبرهان ، وبالسيف والسنان ؛ والمقصد الأول إقامته بالحجة ، والسيف مُنَفِّذ .
قالوا : وإذا كان الشارع قد أباح الرهان في الرمي ، والمسابقة بالخيل والإبل ، لما في ذلك من التحريض على تعلم الفروسية ، وإعداد القوة للجهاد ، فجواز ذلك في المسابقة والمبادرة إلى العلم والحجة التي بها تفتح القلوب ، ويعز الإسلام ، وتظهر أعلامه أولى وأحرى ؛ وإلى هذا ذهب أصحاب أبي حنيفة وشيخ الإسلام ابن تيمية ا.هـ .
وقَالً في موضع آخر : ولَمَّا كَانَ الجِلادُ بالسَّيْفِ والسِّنَانِ ، والجِدَالِ بالحُجَّةِ والبُرْهَانِ كالأخَوَيْنِ الشَّقِيْقَيْنِ ، والقَرِيْنَيْنِ المُتَصَاحِبَيْنِ ؛ كَانَتْ أحْكَامُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُما شَبِيْهَةً بأحْكَامِ الآخَرِ ، ومُسْتَفَادَةً مِنْه .
فالإصَابَةُ في الرَّمِي والنِّضَالِ ، كالإصَابَةِ في الحُجَّةِ والمَقَالِ ، والطَّعْنُ والتَّبْطِيْلُ نَظِيْرُ إقَامَةِ الحُجَّةِ وإبْطَالِ حُجَّةِ الخَصْمِ ، والدُّخُوْلُ والخُرُوْجُ نَظِيْرُ الإيْرَادِ والاحْتِرَازِ مِنْه ، وجَوَابُ الخَصْمِ والقَرْنِ عِنْدَ دُخُوْلِه عَلَيْكَ ، كَجَوَابِ الخَصْمِ عَمَّا يُوْرِدُه عَلَيْكَ .
فالفُرُوْسِيَّةُ فُرُوْسِيَّتَانِ : فُرُوْسِيَّةُ العِلْمِ والبَيَانِ ، وفُرُوْسِيَّةُ الرَّمْي والطِّعَانِ .
ولَمَّا كَانَ أصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أكْمَلَ الخَلْقِ في الفُرُوْسِيَّتَيْنِ ؛ فَتَحُوا القُلُوْبَ بالحُجَّةِ والبُرْهَانِ ، والبِلادَ بالسَّيْفِ والسِّنَانِ .
ومَا النَّاسُ إلاَّ هَؤُلاءِ الفَرِيْقَانِ ، ومَنْ عَدَاهُمَا ؛ فإنْ لَمْ يَكُنْ رِدْءًا وعَوْنًا لَهُمَا ، فَهُوَ كَلٌّ ( عِبْءٌ ) عَلى نَوْعِ الإنْسَانِ .ا.هـ .
 
آداب الرياضة البدنية
تبين مما سبق أن الإسلام أقر الرياضة النافعة ، وشجع عليها ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ " ؛ ولما كان الإسلام هو المنهج الوسط في كل شيء ، فلا إفراط ولا تفريط ، ولا غلو ولا تقصير ، وجدناه قد وضع الضوابط والآداب التي تجعل الأعمال في الإطار العادل الذي يتوافق مع المصلحة .
والمتأمل في شأن الرياضة يجد أنها لا تُثمِر ثمرتها المرجوَّة إلا إذا لازمتها الأخلاق ، حتى اختُرع لها ما سموه ( الأخلاق الرياضية ) ؛ والأخلاق في الإسلام عامة في كل الممارسات ؛ والأدب في الإسلام يشمل كل الأعمال .
إن للرياضة البدنية في الإسلام آداب تخرجها من حيز اللعب واللهو إلى فعل الطاعة ، ومما لا أجر فيه إلى ما فيه ثواب ، ومما قد يفعله البعض لتضييع وقته ، إلى ما يستثمر فيه الوقت لفائدة الجسم وتحصيل الأجر ؛ كما تمنع من أن يكتسب المتروض إثمًا ، فيلزم الابتعاد عن كل ما نهى الشرع عنه أثناء التروض .
ذلك لأن الإسلام حين يُبيح شيئًا ويُجيزه يجعل له حدودًا تمنع خروجه عن حدِّ الاعتدال ، وتحافظ على الآداب ، وتتَّسِق مع الحكمة العامَّة للتشريع ، وفي إطار هذه الحدود يجِب أن تُمارَس الرياضة ، وإلا كان ضررُها أكبرَ من نفعها ، وذلك مَناط تحريمها ، كما هي القاعدة العامة للتشريع : منع ما غلب ضرره على نفعه ؛ ويُشير إلى ذلك كله قوله تعالى : { يا أيُّها الذين آمنُوا لا تُحَرِّموا طَيِّباتِ مَا أحَلَّ اللهُ لكُمْ ولا تَعتدُوا إنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ } [ سورة المائدة : 87 ] ، فالآية بعموم لفظها تحرِّم الاعتداءَ في كلِّ تصرُّف سواء أكان ذلك مَطعومًا أم ملبوسًا أم شيئًا آخرَ وراء ذلك ، والاعتداء هو تجاوُز الحد المعقول الذي شرَعه الدِّين . والله أعلم .
وإليك هذه الآداب :
1 - نية التَّقَوِّي على طاعة الله تعالى ؛ هذه النية هي أول الآداب ، وبها تتحول هذه اللعبة إلى عبادة وقربة ، يؤجر عليها المسلم ، وبدونها لا تكون فائدة أخروية ، وإن استفاد بدنيًّا بممارسته لعبة مباحة يستفيد منها الجسم .
 
2 - ستر العورة ؛ فلا يحل كشف العورة بحجة ممارسة الرياضة ؛ وعورة الرجل من السُّرَة إلى الركبة ، فلا يجوز كشف الأفخاذ للرجال ، فعند أحمد وأهل السنن من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : " احْفَظْ عَوْرَتَكَ ، إِلاَّ مِنْ زَوْجَتِكَ ، أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ " ؛ وروى أَحمدُ وأَبو داود والترمذي عن جرهد الأَسلميِّ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ به وهو كاشفٌ عن فخذِه ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : " غطِّ فَخذَك ؛ فَإِنَّهَا مِنَ الْعَوْرَةِ " ؛ فيحرم كشف العورة ، والنظرُ إِلى عورةِ الآخرين .
كما لا يجوز للمرأة أن تكشف شيئًا من جسدها إن كانت تمارس رياضة في مكان تظن أن يطلع فيه رجال ؛ فعورة المرأة جسدها كله ، واستثنى البعض الوجه والكفين ؛ فربما تريد المرأة أن تمارس رياضة المشي - مثلا - فتخرج لذلك بحجابها الشرعي ؛ ولا يجوز أن تهرول في مكان فيه رجال ، لأن الهرولة فيها شيء من كشف العورات ؛ إما بارتفاع الثوب الساتر ، أو بالتصاقه بجسم المرأة ونحو ذلك ، وإذا كان الشرع لم يبح لها الرَمَلَ في الطواف ، ولا الهرولة في السعي بين الصفا والمروة ، وهما عبادتان ، فما بالنا بما دون ذلك ؛ فإن أمنت أن يراها أحد من الرجال ، جاز لها ذلك ، لمسابقة النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها .
وأما ما يعرف اليوم بلباس السباحة ( المايوه ) ، وهو ما لا يغطي إلا السوأتين للرجال ، وأما النساء فتغطي - أيضًا - ثدييها ، ثم يُكشف سائر البدن ، فهذا مما لا شك في حرمته ، وأنه من الكبائر .
 
3 - تجنب الحرام من الألعاب ؛ وفي غيرها غنية ، فيجب أن تكون الرياضة مشروعة كما تقدم ؛ ويختار المسلم من الرياضة ما يفيده بدنيًّا وذهنيًّا ، وأفضلها ما جاءت به السنة ، وما يقاس عليها ؛ كالرماية ، والفروسية ، والسباحة ، والجري ، وألعاب القوى ؛ أما إذا كانت الرياضة محرَّمةً ؛ كسباقات المراهنة ، فعلى المسلم أن يبتعد عنها ، لأنه يَحرُم اتخاذ المسابقات الرياضية وسيلة للكسب الحرام ؛ كما يلزمه أن يتجنب ما حَرُم من الألعاب كالنرد ( الطاولة ) ، وما حامت حوله الشبهة ، مما يضيع الوقت ، ولا فائدة تعود منها .
 
4 - التزام حسن الخلق وتجنب سوء الأخلاق ؛ فيجب على المسلم أن يتمسك بأخلاق الإسلام في ممارساته كلها ، ومن ذلك حال التروض ؛ كما يجب أن يتجنب سوء الأخلاق من سبٍّ ، أو كذب ، أو غضب يخرج المرء عن الأدب ، أو أي نوع من التطاول ؛ فإن ذلك مما يؤثر في جواز اللعب ، وإن كان أصل اللعبة مباحًا .
 
5 - عدم الاختلاط : فلا يختلط الذكور والإناث في ممارسة أي نوع من الرياضة ؛ لأن هذا يخالف الشرع ، ويجب أن يُعَلَّم المسلم منذ صغره الابتعاد عن كل ما يثير الفتنة ويحرك الشهوات ؛ وكل جنس يمارس ما يناسبه من الرياضة في مكان خاص به .
 
6 - الحرص على الزملاء ؛ فأخلاقيات المسلم تظهر في ممارساته كلها ، ولا يجوز إيذاء من يمارس معه الرياضة بأي نوع من الإيذاء قولا وفعلا ؛ لأنه لا يجوز أن يؤذي المسلم مسلمًا ، ولو كان لاعبًا .
7 - عدم الانشغال بها عن الواجبات ؛ فيجب على المسلم ألا يشغله اللهو بالرياضة إلى حدِّ نسيان الواجبات ، ولا أن يصرِف لها اهتمامًا كبيرًا يغطِّي على ما هو أعظم منها وأهم .
فلا يؤخر الصلاة عن وقتها ؛ ولا يفطر في رمضان من أجل الرياضة ، ولا يشغله ممارسة الرياضة عن طاعة الوالدين أو صلة الأرحام ، أو رعاية زوجة وأبناء .
 
8 - يحرم قصد إيقاع الأذى بالحيوانات ، فلا تُتخذ الطيور أهدافًا للتدريب على الرماية ، كما لا يجوز تعذيب الحيوان ، أو التحريش بين الطيور والحيوانات بقصد اللهو والاستمتاع بمناظرها ؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ الطيور غرضًا يُرمى ، كما نهى عن التحريش بين البهائم[SUP] ( [1] ) [/SUP].


[1] - يراجع ( الأدب مع الحيوان ) للكاتب .
 
9 - اختيار المكان المناسب ؛ فالإسلام لا يرضى أن تُمارَس الرياضة بشكل يؤذِي الغير ، كما يمارس البعض لعب الكرة - أو غيرها - في الأماكن الخاصَّة بمرور الناس وحاجاتهم ، وللطريق آداب لابد من مراعاتها[SUP] ( [1] ) [/SUP]؛ والإسلام نَهى عن الضَّرر والضِّرار ، وعن إيذاء المسلمين بأي نوع من الإيذاء .
من الأفضل أن تُمارس الرياضة في الأماكن الواسعة النظيفة ، كالنوادي ، وأفنية المدارس ، والحدائق الواسعة ؛ حيث يكون المكان مناسبًا ، ويتوفر فيه الهواء النقي ، ويبعد عن مساكن الناس .


[1] - يراجع ( آداب الطريق ) للكاتب .
 
10 - تنظيم الوقت : المسلم يعلم أن وقته هو عمره ، وهو رأس ماله الذي به يصنع مكانته في الدنيا بحسن استغلال الوقت فيما فيه الإفادة ، كما أن فيه يعمل لمكانه في الآخرة ودرجته فيها ، فالوقت ظرف الأعمال ؛ فيجب على المسلم أن ينظم وقته ، مع مراعاة الأهم فالمهم من الأعمال ؛ فلا تشغله الرياضة التي هي من المباحات عن واجبات دينه من صلاة وغيرها ؛ ولا عن واجبات حياته من استذكار دروسه التي تمهد له مكانته في المجتمع ؛ فيخص لكل واجب وقتًا مناسبًا ، ويخصص بعض الوقت لممارسة الرياضة .
 
11 - رعاية السنِّ والحال ؛ فلكل سنٍّ وحال رياضة تناسبه ، فلا يصلح للأطفال فيما دون التمييز أن يمارسوا ما لا يناسبهم من الرياضة الشاقة والعنيفة ؛ كما لا يصلح لكبار السنِّ ممارسة أنواع من الرياضة قد تصلح للشباب رعاية لحالهم .
 
12 - مراعاة الجنس ؛ فللذكور رياضات تناسبهم ، وللإناث كذلك ؛ والإسلام لا يرضى لجنس أن يزاول ألعاب جنس آخر تَليق به ، ولا تتناسب مع غيره في تكوينه وفي مهمِّته ، ورسالته في الحياة .
فالمسلمة لا تمارس الألعاب العنيفة ؛ كحمل الأثقال ، أو الكاراتيه ، أو المصارعة ، أو الملاكمة .. ونحو ذلك ، مما يتنافى مع أنوثتها وتكوينها الخلقي ؛ كما أنها لا تمارس الرياضة في حضور الرجال ؛ صونًا لها ، ووقاية من إثارة الغرائز ، كما حث على ذلك ديننا الحنيف .
والإسلام يحرص على أن يكون أفراده ابتداءً أقوياء الإيمان ، كما يحرص على أن يكونوا أقوياء البدن ، وذلك حتى يكون الإنسان لبنة صالحة في المجتمع المسلم .
 
13 - المواظبة المتوازنة : في ممارسة الرياضة بانتظام فائدة الجسم ، وفي قطعها يتأثر الجسم سلبًا بلا شك ؛ لذلك ينبغي المواظبة المتوازنة مع حال الإنسان ووقته حتى لا يشعر بالملل ، وحتى يستفيد الجسم الفائدة المرجوة ، بحيث لا تتأثر الواجبات بذلك .
 
حكم مشاهدة الألعاب المباحة
الأصل أن مشاهدة المباح من الألعاب مباحة ؛ ودليل ذلك ما رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : بَيْنَا الْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِحِرَابِهِمْ ، دَخَلَ عُمَرُ فَأَهْوَى إِلَى الْحَصَى ، فَحَصَبَهُمْ بِهَا ؛ فَقَالَ : " دَعْهُمْ يَا عُمَرُ "[SUP] ( [1] ) [/SUP].
وعندهما عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ : رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ ، حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّتِي أَسْأَمُ ، فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ ، الْحَرِيصَةِ عَلَى اللَّهْوِ[SUP] ( [2] ) [/SUP]؛ قال الولي العراقي – رحمه الله – في ( طرح التثريب ) : وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِتَرْوِيحِ النَّفْسِ بِالنَّظَرِ إلَى بَعْضِ اللَّهْوِ الْمُبَاحِ .ا.هـ .
ولكن ليعلم أن هذا ينبغي أن يكون على الاعتدال ، فلا يشغل الإنسان وقته وفكره بذلك ؛ فمن الناس من أدمن إضاعة الأوقات في تتبع المباريات والأخبار الرياضية ؛ وهذا من الحمق والسفه ، بل وصل الأمر عند البعض إلى درجة الهوس ؛ مما يجعل صاحبه يخرج عن الأدب إذا رأى شيئًا لا يعجبه فيغضب ويسب ، وقد يؤثر ذلك على من حوله من زوجة وولد ، مما يجعل مثل هذه المشاهدة في حقِّه حرام ، فما أدى إلى الحرام فهو حرام .
وقد عُرض على اللجنة الدائمة للإفتاء سؤال هذا نصه : ما حكم مشاهدة المباراة الرياضية ، المتمثلة في مباراة كأس العالم وغيره ؟
فأجابت اللجنة : مباريات كرة القدم التي على مال أو نحوه من جوائز حرام ؛ لكون ذلك قمارًا ؛ لأنه لا يجوز أخذ السَبَق - وهو العوض - إلا فيما أذن فيه الشرع ، وهو المسابقة على الخيل والإبل والرماية ؛ وعلى هذا فحضور المباريات حرام ، ومشاهدتها كذلك ، لمن علم أنها على عوض ؛ لأن في حضوره لها إقرارًا لها .
أما إذا كانت المباراة على غير عوض ، ولم تشغل عما أوجب الله من الصلاة وغيرها ، ولم تشتمل على محظور ؛ ككشف العورات ، أو اختلاط النساء بالرجال ، أو وجود آلات لهو ، فلا حرج فيها ولا في مشاهدتها . وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم [SUP] ( [3] ) [/SUP].


[1] - البخاري ( 2745 ) ، ومسلم ( 893 ) .

[2] - البخاري ( 4938 ) ، ومسلم ( 892 ) .

[3] - فتاوى اللجنة الدائمة : 15 / 238 .
 
حكم تشجيع الفرق الرياضية
قد يحصل ميل من الْمُشاهِد إلى إحدى الفرق لبراعتها ، أو لشيء آخر ، فهذا الميل إذا لم يصحبه محرم مما قد يؤدي إلى التنازع والتدابر والتقاطع بين المسلمين ، أو يعطل عن واجب ، أو يدعو إلى عصبية ، فهو في حيز المباح ، وأما إذا أدى إلى شيء مما ذكرنا فهو محرَّم ، لا يشك في ذلك مسلم .
ويجب على المسلم أن يكون مشتغلاً بما خُلِق من أجله ، وهو عبادة الله وحده ، والتزام أوامره ، واجتناب نواهيه ؛ وأن يربأ بنفسه عن مثل هذه الأمور التي تضرُّه بدينه ودنياه ، وتشغله عن مصالحه الدنيوية والأخروية ؛ والقاعدة المقررة عند أهل العلم في المباحات أن ما شغل عن الواجبات ، أو صار وسيلة إلى ارتكاب محرم ، فإنه يكون حينئذ حرامًا ، وأما ما شغل عن المستحب ، ولا يكون وسيلة إلى محرم ، فإنه يكون حينئذ مكروهًا ، وما لا يشغل عن هذا ولا ذاك ، فإنه يكون مباحًا على الأصل .
ومن نظر في أحوال المشجعين اليوم وجدهم قد انهمكوا في التشجيع ، وغفلوا عن كثير من الواجبات ، ومن ذلك ترك الصلاة في الجماعة ، وتأخيرها عن وقتها ، وغير ذلك مما لا يخفى ، بل ووصل الأمر عند بعضهم إلى ارتكاب عدة كبائر ؛ من غيبة وسباب بالآباء والأمهات ، وظلم وعدم إنصاف في الحديث عن الفرق الأخرى ؛ وقد وصل الأمر إلى التراشق بالحجارة والقتال بالأيدي والأسلحة البيضاء وغير ذلك ، بل أصبح عند كثير من الفرق ما يسمى ( ألتراس )[SUP] ( [1] )[/SUP] من المشجعين ينظمون مظاهرات عند فوز فريقهم يرتكبون فيها من المحرمات ما يعلمه من رأى ذلك .
وقد وقع طلاق كثير من النساء بسبب هذا التشجيع المقيت ، وقُطِّعت أرحام ، وعُقَّ آباء ، وظُلم أبناء ، وفعلت منكرات كثيرة .
ومصيبة المصائب أن هذا الأمر قد أدى إلى سوء علاقات بين دول أفرادها مسلمين ؛ فقد أدى التشجيع الممقوت إلى التحزُّب والتعصب الذي يفرِّق بين الأحبَّة ، ويشاقق بين الإِخوة ، ويجعل في الأمَّة أحزابًا وشيَعًا ؛ والإسلام يدعو إلى الاتّحاد بين أفراده ، ويَمقُتُ النِّزاع والخلاف ؛ قال الله تعالى : ] وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [ [ آل عمران : 105 ] ، وقال U ] مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ . مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [ [ الروم : 31 ، 32 ] .
فإذا وصل الأمر إلى هذا الحدِّ ، فلا شك في التحريم حينئذ ، إضافة إلى ما يصاحب ذلك من تعلق القلب وانشغاله ، والحب والبغض من أجل هذه الفرقة أو تلك ، والموالاة والمعاداة بسببها ؛ وهذا من أسباب قسوة القلب ، وربما مواته إذا لم يتب صاحبه ، وينزع عن هذه الذنوب ، ويرجع إلى الله تعالى منيبًا قلبه ، نادمًا عما كان منه ، عازمًا على عدم العود إل مثله .
اللهم من كان من أمة محمد على غير الحقِّ ، وهو يظن أنه على الحقِّ ، فردَّه إلى الحقِّ ردًّا جميلا ، حتى يكون من أهل الحق .. آمين ، وصلى الله وسلم وبارك على النبي محمد وعلى آله .


[1] - ألتراس ( Ultras ) : كلمة لاتينية تعني المتطرفين ، وتظهر في صورة من مشجعي الفرق الرياضية ، والمعروفة بانتمائها وولائها الشديد لفرقها .
 
خاتمة
هذا ما يسره الله الكريم في تسطير هذه الآداب المتعلقة بالرياضة والتروض ، وأسأله سبحانه أن يتقبلها ، وأن ينفع بها ؛ وما كان فيها من صواب فبتوفيق الله وحده ، وله الحمد والمنة ، وما كان من تقصير فمني ومن الشيطان ، وأستغفر الله العظيم منه .
لكن قـدرة مثلي غير خافية ... والنمل يعذر في القدر الذي حملا
والله أسأل التوفيق والسداد ، لا رب غيره ، ولا أرجو إلا خيره ، عليه توكلت وإليه أنيب ، وهو حسبي ونعم الوكيل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
] رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [ .. آمين ؛ وصلى الله وسلم وبارك على النبي محمد وآله .
 
عودة
أعلى