وأخرج أحمد وابن المنذر، عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أن ثلاثة نفر فيما سلف من الناس انطلقوا يرتادون لأهليهم، فأخذتهم السماء فدخلوا غاراً فسقط عليهم حجر، فجافّ حتى ما يرون منه خصاصة. فقال بعضهم لبعض: قد وقع الحجر وعفا الأثر ولا يعلم مكانكم إلا الله، فادعوا الله عز وجل بأوثق أعمالكم. فقال رجل منهم:
اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي والدان فكنت أحلب لهما في إنائهما فآتيهما، فإذا وجدتهما راقدين قمت على رأسيهما كراهة أن أرد سنتهما في رأسيهما حتى يستيقظا متى استيقظا، اللهم إن كنت تعلم أني إنما فعلت ذلك رجاء رحمتك ومخافة عذابك ففرِّج عنا. فزال ثلث الحجر.
وقال الثاني: اللهم إن كنت تعلم أني استأجرت أجيراً على عمل يعمله فأتاني يطلب أجره وأنا غضبان فزبرته فانطلق وترك أجره فجمعته وثمرته حتى كان منه كل المال فأتاني يطلب أجره فدفعت إليه ذلك كله، ولو شئت لم أعطه إلا أجره الأوّل، اللهم إن كنت تعلم أني إنما فعلت ذلك رجاء رحمتك ومخافة عذابك، فافرج عنا. فزال ثلثا الحجر.
وقال الثالث: اللهم إن كنت تعلم أنه أعجبته امرأة فجعل لها جعلاً فلما قدر عليها وفر لها نفسها وسلّم لها جَعْلَها. اللهم إن كنت تعلم أني إنما فعلت ذلك رجاء رحمتك ومخافة عذابك، ففرّج عنا. فزال الحجر وخرجوا معاتيق يمشون "
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي وابن المنذر، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " بينما ثلاثة نفر ممن كان قبلكم يمشون، إذ أصابهم مطر فأووا إلى غار فانطبق عليهم، فقال بعضهم لبعض: إنه والله يا هؤلاء لا ينجيكم إلا الصّدْق، فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه. فقال واحد منهم:
اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أجير يعلم على فرق من أرز فذهب وتركه، وإني عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته فصار من أمره أني اشتريت منه بقراً، وأنه أتاني يطلب أجره فقلت له: اعمد إلى تلك البقر فسقْها فقال لي: إنما لي عندك فرق من أرز. فقلت له: اعمد إلى تلك البقر فإنها من ذلك الفرق فساقها، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا. فانساخت عنهم الصخرة.
فقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران فكنت آتيهما كل لية بلبن غنم لي، فأبطأت عليهما ليلة فجئت وقد رقدا، وعيالي يتضاغون من الجوع فكنت لا أسقيهم حتى يشرب أبواي، فكرهت أن أوقظهما وكرهت أن أدعهما فيستكنا بشربتهما، فلم أزل أنتظر حتى طلع الفجر، فإن كُنْتَ تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنا. فانساخت عنهم الصخرة حتى نظروا إلى السماء.
فقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي ابنة عم من أحب الناس إليّ، وإني راودتها عن نفسها فأبت إلا أن آتيها بمائة دينار، فطلبتها حتى قَدِرْتُ فأتيتها بها فدفعْتها إليها فأمكنتني من نفسها، فلما قعدت بين رجليها قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه. فقمت وتركت المائة دينار، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنّا. ففرج الله عنهم فخرجوا ".
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه، عن النعمان بن بشير أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن أصحاب الرقيم: " أن ثلاثة نفر دخلوا إلى الكهف، فوقع من الجبل حجر على الكهف فأوصد عليهم، فقال قائل منهم: تذكروا أيكم عمل حسنة لعل الله أن يرحمنا. فقال أحدهم: نعم، قد عملت حسنة مرة... إنه كان لي عمال استأجرتهم في عمل لي، كل رجل منهم بأجر معلوم. فجاءني رجل ذات يوم وذلك في شطر النهار فاستأجرته بقدر ما بقي من النهار بشطر أصحابه الذين يعملون بقية نهارهم ذلك، كل رجل منهم نهاره كله. فرأيت من الحق أن لا أنقصه شيئاً مما استأجرت عليه أصحابه. فقال رجل منهم: يعطي هذا مثل ما يعطيني ولم يعمل إلا نصف نهاره!! فقلت له: إني لا أبخسك شيئاً من شرطك، وإنما هو مالي أحكم فيه بما شئت. فغضب وترك أجره، فلما رأيت ذلك عزلت حقه في جانب البيت ما شاء الله، ثم مر بي بعد ذلك بقر فاشتريت له فصيلاً من البقر حتى بلغ ما شاء الله، ثم مر بي الرجل بعد حين وهو شيخ ضعيف وأنا لا أعرفه، فقال لي: إن لي عندك حقاً. فلم أذكره حتى عرّفني ذلك، فقلت له: نعم... إياك أبغي. فعرضت عليه ما قد أخرج الله له من ذلك الفصيل من البقر، فقلت له: هذا حقك من البقر. فقال لي: يا عبد الله، لا تسخر بي... إن لا تتصدق علي أعطني حقي. فقلت: والله ما أسخر منك: إن هذا لحقك. فدفعته إليه، اللهم فإن كنت تعلم أني قد كنت صادقا وأني فعلت ذلك لوجهك فأفرج عنا هذا الحجر. فانصدع حتى رأوا الضوء وأبصروا.
وقال الآخر: قد عملت حسنة مرة، وذلك أنه كان عندي فضل فأصاب الناس شدة فجاءتني امرأة فطلبت مني معروفاً، فقلت: لا والله، ما هو دون نفسك. فأبت عليَّ ثم رَجَعَتْ فذكّرتني بالله، فأبيت عليها وقلت: لا والله، ما هو دون نفسك. فأبت عليّ ثم رجَعَت فذكّرتني بالله فأبيت عليها وقلت: لا والله، ما هو دون نفسك. فأبت عليّ فذكَرَتْ ذلك لزوجها فقال: أعطيه نفسك وأغني عيالك. فلما رأت ذلك سمحت بنفسها، فلما هممت بها قالت: إني أخاف الله رب العالمين. فقلت لها: تخافين الله في الشدّة ولم أخفه في الرخاء؟ فأعطيتها ما استغنت هي وعيالها. اللهم فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك لوجهك فأفرج عنا هذا الحجر، فانصدع الحجر حتى رأوا الضوء وأيقنوا الفرج.
ثم قال الثالث: قد عملت حسنة مرة، كان لي أبوان شيخان كبيران قد بلغهما الكبر، وكانت لي غنم فكنت أرعاها... وأختلف فيما بين غنمي وبين أبوي أطعمهما وأشبعهما وأرجع إلى غنمي، فلما كان ذات يوم أصابني غيث شديد فحبسني فلم أرجع إلا مؤخراً، فأتيت أهلي فلم أدخل منزلي حتى حلبت غنمي، ثم مضيت إلى أبوي أسقيهما فوجدتهما قد ناما، فشق عليّ أن أوقظهما وشق عليّ أن أترك غنمي، فلم أبرح جالساً ومحلبي على يدي حتى أيقظهما الصبح فسقيتهما، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك لوجهك فأفرج عنا هذا الحجر. ففرّج الله عنهم وخرجوا إلى أهليهم راجعين "
قلت: وقد ورد بتخاصم الجنة والنار حديثٌ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اِحتجت الجنة والنار فقالت هذه يدخلني الجبارون والمتكبرون وقالت هذه يدخلني الضعفاء والمساكين فقال الله تعالى لهذه: أنت عذابي أعذب بِك من أشاء وقال لهذه: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء ولكل واحدة منكما ملؤها " خرّجه البخاري ومسلم والترمذي وقال: حديث حسن صحيح
وقال ابن الجوزی فی زاد المسير
قوله تعالى: { هذان خصمان } اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال.
أحدها: أنها نزلت في النفر الذين تبارزوا للقتال يوم بدر، حمزة، وعلي، وعبيدة بن الحارث، وعتبة وشيبة ابنَي ربيعة، والوليد ابن عتبة، هذا قول أبي ذر.
والثاني: أنها نزلت في أهل الكتاب، قالوا للمؤمنين: نحن أولى بالله، وأقدم منكم كتاباً، ونبيُّنا قبل نبيكم، وقال المؤمنون: نحن أحق بالله، آمنا بمحمد، وآمنا بنبيِّكم وبما أنزل الله من كتاب، وأنتم تعرفون نبيَّنا، ثم كفرتم به حسداً، فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس، وقتادة.
والثالث: أنها في جميع المؤمنين، والكفار، وإِلى هذا المعنى ذهب الحسن، وعطاء، ومجاهد.
والرابع: أنها نزلت في اختصام الجنة والنار، فقالت النار: خلقني الله لعقوبته، وقالت الجنة: خلقني الله لرحمته، قاله عكرمة.
واختلف الناس في الورود؛ فقيل: الورود الدخول؛ روي عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " الورود الدخول لا يبقى بَرٌّ ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمنين برداً وسلاماً كما كانت على إبراهيم { ثُمَّ نُنَجِّي ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّنَذَرُ ٱلظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً } " أسنده أبو عمر في كتاب «التمهيد». وهو قول ابن عباس وخالد بن معدان وابن جريج وغيرهم. وروي عن يونس أنه كان يقرأ «وإن منكم إلا وارِدها» الورود الدخول؛ على التفسير للورود، فغلط فيه بعض الرواة فألحقه بالقرآن. وفي مسند الدارمي عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يرد الناس النار ثم يصدرون منها بأعمالهم فأوّلهم كلمح البرق ثم كالريح ثم كحُضْر الفرس ثم كالراكب المجِدّ في رَحْله ثم كشدّ الرجل في مشيته " .....
وقالت فرقة: الورود الممر على الصراط. وروي عن ابن عباس وابن مسعود وكعب الأحبار والسدي، ورواه السدي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقاله الحسن أيضاً؛ قال: ليس الورود الدخول، إنما تقول: وردت البصرة ولم أدخلها. قال: فالورود أن يمرّوا على الصراط. قال أبو بكر الأنباري: وقد بنى على مذهب الحسن قوم من أهل اللغة، واحتجوا بقول الله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } قالوا: فلا يدخل النار من ضمن الله أن يبعده منها. وكان هؤلاء يقرؤون «ثَمَّ» بفتح الثاء «نُنَجِّي الَّذينَ اتَّقَوْا». واحتج عليهم الآخرون أهل المقالة الأولى بأن معنى قوله: «أولئِك عنها مبعدون» عن العذاب فيها، والإحراق بها. قالوا: فمن دخلها وهو لا يشعر بها، ولا يحس منها وجعاً ولا ألماً، فهو مبعد عنها في الحقيقة. ويستدلون بقوله تعالى: { ثُمَّ نُنَجِّي ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } بضم الثاء؛ فـ«ـثم» تدل على نجاء بعد الدخول.
قلت: وفي صحيح مسلم: " ثم يُضرَبُ الجسر على جهنم وتَحُلُّ الشفاعة فيقولون اللَّهُمَّ سَلِّم سَلِّم» قيل: يا رسول الله وما الجِسرُ؟ قال: «دَحْضٌ مَزِلّةٌ فيه خَطَاطيفُ وكَلاَليبُ وحَسَكٌ تكون بنجد فيها شُوَيْكَة يقال لها السَّعْدان فيمرُّ المؤمنون كطرْف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والرّكاب فناجٍ مُسلَّمْ ومخدوشٌ مُرْسَل ومَكْدُوس في نار جهنم " الحديث. وبه احتج من قال: إن الجواز على الصراط هو الورود الذي تضمنته هذه الآية لا الدخول فيها......
وقال مجاهد:
ورود المؤمنين النار هو الحمى التي تصيب المؤمن في دار الدنيا، وهي حظ المؤمن من النار فلا يردها. روى أبو هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد مريضاً من وعك به، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: أبشر فإن الله تبارك وتعالى يقول «هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن لتكون حظّه من النار» "......
وقال ابن كثير فی تفسيره
قال الإمام أحمد: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا خالد بن سليمان عن كثير بن زياد البرساني عن أبي سمية قال: اختلفنا في الورود، فقال بعضنا: لا يدخلها مؤمن، وقال بعضهم: يدخلونها جميعاً، ثم ينجي الله الذين اتقوا، فلقيت جابر بن عبد الله، فقلت له: إنا اختلفنا في الورود، فقال: يردونها جميعاً، وقال سليمان بن مرة: يدخلونها جميعاً، وأهوى بإصبعيه إلى أذنيه، وقال: صمتا إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها، فتكون على المؤمن برداً وسلاماً؛ كما كانت النار على إبراهيم، حتى إن للنار ضجيجاً من بردهم، ثم ينجي الله الذين اتقوا، ويذر الظالمين فيها جثياً " غريب ولم يخرجوه......
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن عن إسرائيل عن السدي، عن مرة عن عبد الله، هو ابن مسعود: { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يرد الناس كلهم، ثم يصدرون عنها بأعمالهم " ورواه الترمذي عن عبد بن حميد عن عبيد الله عن إسرائيل عن السدي به. ورواه من طريق شعبة عن السدي عن مرة عن ابن مسعود موقوفاً، هكذا وقع هذا الحديث ههنا مرفوعاً......
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر، عن أم مبشر عن حفصة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني لأرجو أن لا يدخل النار إن شاء الله أحد شهد بدراً والحديبية " قالت: فقلت: أليس الله يقول: { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا }؟ قالت: فسمعته يقول: { ثُمَّ نُنَجِّي ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّنَذَرُ ٱلظَّـٰلِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً }. وقال أحمد أيضاً: حدثنا ابن إدريس، حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر، عن أم مبشر امرأة زيد بن حارثة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة، فقال: " لا يدخل النار أحد شهد بدراً والحديبية " قالت حفصة: أليس الله يقول: { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا }؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { ثُمَّ نُنَجِّى ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } الآية، وفي " الصحيحين " من حديث الزهري عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد تمسه النار، إلا تحلة القسم ". وقال عبد الرزاق: قال معمر: أخبرني الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من مات له ثلاثة لم تمسه النار إلا تحلَّة القسم " يعني: الورود، وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا زمعة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم " قال الزهري: كأنه يريد هذه الآية: { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً }.....
وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قوله: { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } قال: هو الممر عليها. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله: { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } قال: ورود المسلمين: المرور على الجسر بين ظهرانيها، وورود المشركين: أن يدخلوها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " الزالون والزالات يومئذ كثير، وقد أحاط بالجسر يومئذ سماطان من الملائكة دعاؤهم: يا ألله سلم سلم " وقال السدي عن مرة عن ابن مسعود في قوله: { كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً } قال: قسماً واجباً. وقال مجاهد: حتماً، قال: قضاء؛ وكذا قال ابن جريج.
وقال ابن جرير: حدثنا الزبير بن بكار، حدثنا أبو ضمرة أنس بن عياض، سمعت زيد بن أسلم يقول: وجعلكم ملوكاً، فلا أعلم إلا أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان له بيت وخادم فهو ملك " ، وهذا مرسل غريب، وقال مالك: " بيت وخادم وزوجة "
وقد ورد في الحديث: " من أصبح منكم معافى في جسده، آمناً في سربه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها "
وأخرج ابن مردويه عن داود بن صالح قال: قال سهل بن حنيف الأنصاري: أتدرون فيم أنزلت { ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين }؟ قلت: في سبيل الله. قال: لا، ولكنها في صفوف الصلاة.
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خير صفوف الرجال أوّلها، وشر صفوف الرجال آخرها. وخير صفوف النساء آخرها، وشر صفوف النساء أوّلها ".
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن ماجة وأبو يعلى، عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خير صفوف الرجال مقدمها، وشرها مؤخرها. وخير صفوف النساء آخرها وشرها مقدمها ".
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خير صفوف الرجال المقدم، وشرها المؤخر. وخير صفوف النساء المؤخر، وشرها المقدم ".
: { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَ أَن تَأْتِيهُمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ } وذلك كائن يوم القيامة { أَوْ يَأْتِىَ بَعْضُ ءَايَـٰتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِى بَعْضُ ءَايَـٰتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا } وذلك قبل يوم القيامة كائن من أمارات الساعة وأشراطها حين يرون شيئاً من أشراط الساعة؛ كما قال البخاري في تفسير هذه الآية: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد الواحد، حدثنا عمارة حدثنا أبو زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا رآها الناس، آمن من عليها " فذلك حين { لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ ....
حديث آخر] عن أبي ذر الغفاري في الصحيحين وغيرهما من طرق عن إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي عن أبيه، عن أبي ذر جندب بن جنادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتدري أين تذهب الشمس إذا غربت؟ " قلت: لا أدري، قال: " إنها تنتهي دون العرش، فتخر ساجدة، ثم تقوم حتى يقال لها: ارجعي، فيوشك يا أبا ذر أن يقال لها: ارجعي من حيث جئت، وذلك حين { لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ } " [حديث آخر] عن حذيفة بن أسيد أبي سريحة الغفاري رضي الله عنه، قال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا سفيان عن فرات، عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من غرفة، ونحن نتذاكر الساعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها، والدخان، والدابة، وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج عيسى بن مريم، وخروج الدجال، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، ونار تخرج من قعر عدن، تسوق أو تحشر الناس، تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا " وهكذا رواه مسلم وأهل السنن الأربعة من حديث فرات القزاز عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن حذيفة بن أسيد به، وقال الترمذي: حسن صحيح......
حديث آخر] عن عبد الله بن عمرو وعبد الرحمن بن عوف ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم أجمعين. قال الإمام أحمد: حدثنا الحكم بن نافع، حدثنا إسماعيل ابن عياش عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد، يرده إلى مالك بن يخامر، عن ابن السعدي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" لا تنقطع الهجرة ما دام العدو يقاتل " فقال معاوية وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمرو بن العاص: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الهجرة خصلتان، إحداهما تهجر السيئات، والأخرى تهاجر إلى الله ورسوله، ولا تنقطع ما تقبلت التوبة، ولا تزال التوبة تقبل حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت، طبع على كل قلب بما فيه، وكفي الناس العمل " هذا الحديث حسن الإسناد، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة، والله أعلم.
وقال السيوطی فی دره المنثور:
وأخرج الحاكم وصححه عن أنس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الإِمارات خرزات منظومات بسلك، فإذا انقطع السلك نبع بعضه ".
وأخرج الطيالسي وسعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة والطبراني وابن المنذر وأبو الشيخ والبيهقي وابن مردويه عن صفوان بن عسال عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الله جعل بالمغرب باباً عرضه سبعون عاماً، مفتوحاً للتوبة لا يغلق ما لم تطلع الشمس من مغربها قبله، فذلك قوله { يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها } ولفظ ابن ماجة: فإذا طلعت من نحوه لم ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ".
وأخرج أحمد وعبد بن حميد ومسلم والحاكم وصححه وابن مردويه عن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بادروا بالأعمال ستاً: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، والدخان، ودابة الأرض، وخويصة أحدكم، وأمر العامة، قال قتادة: خويصة أحدكم: الموت. وأمر العامة: الساعة ".
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن مردويه والبيهقي في البعث عن حذيفة بن أسيد قال: أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من علية ونحن نتذاكر فقال " ماذا تذكرون؟قلنا: نتذاكر الساعة. قال فإنها لا تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات: الدخان، والدجال، وعيسى ابن مريم، ويأجوج ومأجوج، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من قعر عدن أو اليمن تطرد الناس إلى المحشر، تنزل معهم إذا نزلوا وتقيل معهم إذا قالوا ".
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم والنسائي وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها ".
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا محمد بن كثير العبدي عن عمرو بن قيس، عن عطية عن أبي سعيد مرفوعاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله " ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم { إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَـٰتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ }
رواه الترمذي وابن جرير من حديث عمرو بن قيس الملائي عن عطية عن أبي سعيد، وقال الترمذي: لا نعرفه إلاّ من هذا الوجه.
وقد أورد البخاري رحمه الله ههنا حديثين: (أحدهما) قال: حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر، حدثنا شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم، عن أبي سعيد بن المعلى قال: مر بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أصلي، فدعاني فلم آته، حتى صليت فأتيته، فقال:
ما منعك أن تأتيني؟ " فقلت: كنت أصلي، فقال: " ألم يقل الله: { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ }؟ ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج من المسجد؟ " فذهب النبي صلى الله عليه وسلم ليخرج، فذكرته فقال: " { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } هي السبع المثاني والقرآن الذي أوتيته "
(الثاني) قال: حدثنا آدم، حدثنا ابن أبي ذئب، حدثنا المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم " ، فهذا نص في أن الفاتحة السبع المثاني والقرآن العظيم، ولكن لا ينافي وصف غيرها من السبع الطوال بذلك؛ لما فيها من هذه الصفة، كما لا ينافي وصف القرآن بكماله بذلك أيضاً، كما قال تعالى:
{ ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَـٰباً مُّتَشَـٰبِهاً مَّثَانِيَ }
[الزمر: 23] فهو مثاني من وجه، ومتشابه من وجه، وهو القرآن العظيم أيضاً، كماأنه عليه الصلاة والسلام لما سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى، فأشار إلى مسجده، والآية نزلت في مسجد قباء، فلا تنافي، فإن ذكر الشيء لا ينفي ذكر ما عداه إذا اشتركا في تلك الصفة، والله أعلم. و
قوله: { لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ } أي: استغن بماآتاك الله من القرآن العظيم عما هم فيه من المتاع والزهرة الفانية،
ومن ههنا ذهب ابن عيينة إلى تفسير الحديث الصحيح: " ليس منا من لم يتغن بالقرآن " إلى أنه يستغني به عما عداه، وهو تفسير صحيح، ولكن ليس هو المقصود من الحديث كما تقدم في أول التفسير...
اختلف في معنى قوله: { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } فقال ابن أبي نجيح: عن مجاهد { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ }: يحييكم بعد موتكم، وقال الحسن البصري: كما بدأكم في الدنيا، كذلك تعودون يوم القيامة أحياء، وقال قتادة: { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } قال: بدأ فخلقهم، ولم يكونوا شيئاً، ثم ذهبوا، ثم يعيدهم، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: كما بدأكم أولاً، كذلك يعيدكم آخراً،
واختار هذا القول أبو جعفر بن جرير، وأيده بما رواه من حديث سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج، كلاهما عن المغيرة بن النعمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة، فقال: " يا أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلاً، كما بدأنا أول خلق نعيده، وعداً علينا إنا كنا فاعلين "....
وقال محمد بن كعب القرظي في قوله تعالى: { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ }: من ابتدأ الله خلقه على الشقاوة، صار إلى ما ابتدىء عليه خلقه، وإن عمل بأعمال أهل السعادة، ومن ابتدأ خلقه على السعادة، صار إلى ما ابتدىء خلقه عليه، وإن عمل بأعمال أهل الشقاء، كما أن السحرة عملوا بأعمال أهل الشقاء، ثم صاروا إلى ما ابتدئوا عليه، وقال السدي: { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقاً هَدَىٰ وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلاَلَةُ } يقول: { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } كما خلقناكم، فريق مهتدون، وفريق ضلال، كذلك تعودون وتخرجون من بطون أمهاتكم.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: قوله: { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقًا هَدَىٰ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلَـٰلَةُ } قال: إن الله تعالى بدأ خلق ابن آدم مؤمناً وكافراً، كما قال:
{ هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }
[التغابن: 2] ثم يعيدهم يوم القيامة كما بدأهم مؤمناً وكافراً.
قلت: ويتأيد هذا القول بحديث ابن مسعود في صحيح البخاري: " فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخل الجنة " وقال أبو القاسم البغوي: حدثنا علي بن الجعد، حدثنا أبو غسان عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن العبد ليعمل فيما يرى الناس بعمل أهل الجنة، وإنه من أهل النار، وإنه ليعمل فيما يرى الناس بعمل أهل النار، وإنه من أهل الجنة، وإنما الأعمال بالخواتيم " هذا قطعة من حديث البخاري من حديث أبي غسان محمد بن مطرف المدني في قصة قزمان يوم أحد، وقال ابن جرير: حدثني ابن بشار حدثنا عبد الرحمن، حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " تبعث كل نفس على ما كانت عليه " وهذا الحديث رواه مسلم وابن ماجه من غير وجه، عن الأعمش به، ولفظه:
يبعث كل عبد على ما مات عليه " وعن ابن عباس مثله، قلت: ويتأيد بحديث ابن مسعود، قلت: ولا بد من الجمع بين هذا القول، إن كان هو المراد من الآية، وبين قوله تعالى:
{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا }
[الروم: 30] وما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه " وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقول الله تعالى: إني خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين، فاجتالتهم عن دينهم " الحديث، ووجه الجمع على هذا، أنه تعالى خلقهم ليكون منهم مؤمن وكافر في ثاني الحال، وإن كان قد فطر الخلق كلهم على معرفته وتوحيده والعلم بأنه لا إله غيره، كما أخذ عليهم الميثاق بذلك، وجعله في غرائزهم وفطرهم ومع هذا قدر أن منهم شقياً، ومنهم سعيداً
{ هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ }
[التغابن: 2] وفي الحديث: " كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها " وقدر الله نافذ في بريته، فإنه هو
{ وَٱلَّذِى قَدَّرَ فَهَدَىٰ }
[الأعلى: 3] و { ٱلَّذِىۤ أَعْطَىٰ كُلَّ شَىءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ } [طه: 50] وفي الصحيحين: " فأما من كان منكم من أهل السعادة، فسييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاوة، فسييسر لعمل أهل الشقاوة " ولهذا قال تعالى: { فَرِيقًا هَدَىٰ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلَـٰلَةُ }....
وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع وابن جعفر المعني قالا: حدثنا شعبة عن المغيرة بن النعمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظةٍ: فقال: " إنكم محشورون إلى الله عز وجل حفاة عراةً غرلاً، كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا، إنا كنا فاعلين "
وقوله تعالى: { وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ } أي: من الأعمال، وفي قوله تعالى: { وَءَاثَارَهُمْ } قولان: (أحدهما) تكتب أعمالهم التي باشروها بأنفسهم، وآثارهم التي أثروها من بعدهم، فنجزيهم على ذلك أيضاً، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر؛ كقوله صلى الله عليه وسلم " من سن في الإسلام سنة حسنة، كان له أجرها، وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيئاً ......
وهكذا الحديث الآخر الذي في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا مات ابن آدم، انقطع عمله إلا من ثلاث: من علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية من بعده " ....
(والقول الثاني) أن المراد بذلك آثار خطاهم إلى الطاعة أو المعصية، قال ابن أبي نجيح وغيره عن مجاهد: { مَاَ قَدَّمُواْ } أعمالهم، { وَءَاثَارَهُمْ } قال: خطاهم بأرجلهم، وكذا قال الحسن وقتاده: { وَءَاثَارَهُمْ } يعني: خطاهم. وقال قتادة: لو كان الله عز وجل مغفلاً شيئاً من شأنك يابن آدم أغفل ما تعفي الرياح من هذه الآثار، ولكن أحصى على ابن آدم أثره، وعمله كله، حتى أحصى هذا الأثر فيما هو من طاعة الله تعالى، أو من معصيته، فمن استطاع منكم أن يكتب أثره في طاعة الله تعالى، فليفعل. وقد وردت في هذا المعنى أحاديث:
(الحديث الأول) قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا أبي، حدثنا الجريري عن أبي نضرة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: خلت البقاع حول المسجد، فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: " إنه بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد؟ " قالوا: نعم يارسول الله قد أردنا ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم " يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم، دياركم تكتب آثاركم " ، وهكذا رواه مسلم من حديث سعيد الجريري وكهمس بن الحسن، كلاهما عن أبي نضرة، واسمه المنذر بن مالك بن قطعة العبدي، عن جابر رضي الله عنه به.
الحديث الثاني) قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن الوزير الواسطي، حدثنا إسحاق الأزرق عن سفيان الثوري عن أبي سفيان عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: كانت بنو سلمة في ناحية من المدينة، فأرادوا أن ينتقلوا إلى قريب من المسجد، فنزلت: { إِنَّا نَحْنُ نُحْىِ الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ وَءَاثَارَهُمْ } فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم
إن آثاركم تكتب " فلم ينتقلوا، تفرد بإخراجه الترمذي عند تفسيره هذه الآية الكريمة...
(الحديث الرابع) قال الإمام أحمد: حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثني حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: توفي رجل في المدينة، فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال " يا ليته مات في غير مولده " ، فقال رجل من الناس: ولم يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الرجل إذا توفي في غير مولده، قيس له من مولده إلى منقطع أثره في الجنة " ، ورواه النسائي عن يونس بن عبد الأعلى، وابن ماجه عن حرملة، كلاهما عن ابن وهب عن حيي بن عبد الله به...
ملحوظة
جاء فی الحديث الصحيح
أعظمُ الناسِ أجرًا في الصلاةِ أبعدُهم فأبعدُهم ممشى، والذي ينتظر الصلاةَ، حتى يصليها مع الإمام، أعظمُ أجرًا من الذي يصلي ثم ينامُ .
بمناسبة وما كنا معذبين أحب أن انقل ماقاله الامام ابن كثير فی تفسيره قال:
بقي ههنا مسألة قد اختلف الأئمة رحمهم الله تعالى فيها قديماً وحديثاً، وهي الولدان الذين ماتوا وهم صغار وآباؤهم كفار: ماذا حكمهم؟ وكذا المجنون والأصم والشيخ الخرف ومن مات في الفترة ولم تبلغه دعوة؟ وقد ورد في شأنهم أحاديث أنا أذكرها لك بعون الله وتوفيقه، ثم نذكر فصلاً ملخصاً من كلام الأئمة في ذلك والله المستعان.
(فالحديث الأول) عن الأسود بن سريع. قال الإمام أحمد: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا معاذ بن هشام، حدثنا أبي عن قتادة عن الأحنف بن قيس. عن الأسود بن سريع: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أربعة يحتجون يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئاً، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة، فأما الأصم فيقول: رب قد جاء الإسلام وما أسمع شيئاً، وأما الأحمق فيقول: رب قد جاء الإسلام، والصبيان يحذفوني بالبعر؛ وأما الهرم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئاً، وأما الذي مات في الفترة فيقول: رب ما أتاني لك رسول. فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه، فيرسل إليهم أن ادخلوا النار، فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها، لكانت عليهم برداً وسلاماً " وبالإسناد عن قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة مثله، غير أنه قال في آخره: " فمن دخلها كانت عليه برداً وسلاماً، ومن لم يدخلها يسحب إليها " ، وكذا رواه إسحاق بن راهويه عن معاذ بن هشام، ورواه البيهقي في كتاب الاعتقاد من حديث أحمد بن إسحاق عن علي بن عبد الله المديني به، وقال: هذا إسناد صحيح، وكذا رواه حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي رافع عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أربعة كلهم يدلي على الله بحجة " فذكر نحوه، ورواه ابن جرير من حديث معمر عن همام عن أبي هريرة، فذكره موقوفاً، ثم قال أبو هريرة: فاقرؤوا إن شئتم: { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } وكذا رواه معمر عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة موقوفاً.
(الحديث الثاني) عن أنس بن مالك. قال أبو داود الطيالسي: حدثنا الربيع عن يزيد هو ابن أبان قال: قلنا لأنس: يا أبا حمزة ما تقول في أطفال المشركين؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" لم يكن لهم سيئات فيعذبوا بها، فيكونوا من أهل النار، ولم يكن لهم حسنات فيجازوا بها، فيكونوا من أهل الجنة ". (الحديث الثالث) عن أنس أيضاً. قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا أبو خيثمة، حدثنا جرير عن ليث عن عبد الوارث، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يؤتى بأربعة يوم القيامة: بالمولود، والمعتوه، ومن مات في الفترة، والشيخ الفاني الهرم، كلهم يتكلم بحجته، فيقول الرب تبارك وتعالى لعنق من النار - ابرز، ويقول لهم: إني كنت أبعث إلى عبادي رسلاً من أنفسهم، وإني رسول نفسي إليكم، ادخلوا هذه - قال: - فيقول من كتب عليه الشقاء: يا رب أنى ندخلها ومنها كنا نفر؟ - قال: - ومن كتب عليه السعادة يمضي فيقتحم فيها مسرعاً - قال: - فيقول الله تعالى: أنتم لرسلي أشد تكذيباً ومعصية، فيدخل هؤلاء الجنة، وهؤلاء النار " وهكذا رواه الحافظ أبو بكر البزار عن يوسف بن موسى عن جرير بن عبد الحميد بإسناده مثله.
(الحديث الرابع) عن البراء بن عازب رضي الله عنه. قال الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده أيضاً: حدثنا قاسم بن أبي شيبة، حدثنا عبد الله، يعني: ابن داود، عن عمر بن ذر عن يزيد بن أمية، عن البراء قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أطفال المسلمين، قال: " هم مع آبائهم " وسئل عن أولاد المشركين، فقال: " هم مع آبائهم " فقيل: يا رسول الله ما يعملون؟ قال: " الله أعلم بهم " ورواه عمر بن ذر عن يزيد بن أمية عن رجل عن البراء عن عائشة، فذكره.
(الحديث الخامس) عن ثوبان. قال الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار في مسنده: حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، حدثنا ريحان بن سعيد، حدثنا عباد بن منصور عن أيوب، عن أبي قلابة عن أبي أسماء، عن ثوبان: أن النبي صلى الله عليه وسلم عظم شأن المسألة، قال: " إذا كان يوم القيامة، جاء أهل الجاهلية يحملون أوزارهم على ظهورهم، فيسألهم ربهم، فيقولون: ربنا لم ترسل إلينا رسولاً، ولم يأتنا لك أمر، ولو أرسلت إلينا رسولاً، لكنا أطوع عبادك، فيقول لهم ربهم: أرأيتم إن أمرتكم بأمر تطيعوني؟ فيقولون: نعم، فيأمرهم أن يعمدوا إلى جهنم فيدخلوها، فينطلقون حتى إذا دنوا منها، وجدوا لها تغيظاً وزفيراً، فرجعوا إلى ربهم، فيقولون: ربنا أخرجنا أو أجرنا منها، فيقول لهم: ألم تزعموا أني إن أمرتكم بأمر تطيعوني، فيأخذ على ذلك مواثيقهم، فيقول: اعمدوا إليها فادخلوها، فينطلقون حتى إذا رأوها فرقوا منها ورجعوا وقالوا: ربنا فرقنا منها، ولا نستطيع أن ندخلها، فيقول: ادخلوها داخرين "
فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم " لو دخلوها أول مرة، كانت عليهم برداً وسلاماً " ثم قال البزار: ومتن هذا الحديث غير معروف إلا من هذا الوجه، لم يروه عن أيوب إلا عباد، ولا عن عباد إلا ريحان بن سعيد، قلت: وقد ذكره ابن حبان في ثقاته، وقال يحيى بن معين والنسائي: لا بأس به، ولم يرضه أبو داود، وقال أبو حاتم: شيخ لا بأس به، يكتب حديثه، ولا يحتج به.
(الحديث السادس) عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري. قال الإمام محمد بن يحيى الذهلي: حدثنا سعيد بن سليمان عن فضيل بن مرزوق عن عطية، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الهالك في الفترة والمعتوه والمولود، يقول الهالك في الفترة: لم يأتني كتاب، ويقول المعتوه: رب لم تجعل لي عقلاً أعقل به خيراً ولا شراً، ويقول المولود: رب لم أدرك العقل، فترفع لهم نار، فيقال لهم: ردوها، قال: فيردها من كان في علم الله سعيداً لو أدرك العمل، ويمسك عنها من كان في علم الله شقياً لو أدرك العمل، فيقول: إياي عصيتم، فكيف لو أن رسلي أتتكم؟! " وكذا رواه البزار عن محمد بن عمر بن هياج الكوفي عن عبيد الله بن موسى عن فضيل بن مرزوق به، ثم قال: لا يعرف من حديث أبي سعيد إلا من طريقه عن عطية عنه، وقال في آخره: " فيقول الله: إياي عصيتم، فكيف برسلي بالغيب؟ "......
الحديث العاشر) عن عم حسناء. قال أحمد: حدثنا روح، حدثنا عوف عن حسناء بنت معاوية، من بني صريم قالت: حدثني عمي قال: قلت: يا رسول الله من في الجنة؟ قال: " النبي في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة، والوئيد في الجنة " فمن العلماء من ذهب إلى الوقوف فيهم لهذا الحديث، ومنهم من جزم لهم بالجنة لحديث سمرة بن جندب في " صحيح البخاري " أنه عليه الصلاة والسلام قال في جملة ذلك المنام حين مر على ذلك الشيخ تحت الشجرة وحوله ولدان، فقال له جبريل: هذا إبراهيم عليه السلام، وهؤلاء أولاد المسلمين وأولاد المشركين، قالوا: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ قال: " نعم وأولاد المشركين " ومنهم من جزم لهم بالنار؛ لقوله عليه السلام: " هم مع آبائهم " ومنهم من ذهب إلى أنهم (يمتحنون يوم القيامة في العرصات)، فمن أطاع دخل الجنة، وانكشف علم الله فيهم بسابق السعادة، ومن عصى دخل النار داخراً، وانكشف علم الله فيه بسابق الشقاوة، وهذا القول يجمع بين الأدلة كلها، وقد صرحت به الأحاديث المتقدمة المتعاضدة الشاهد بعضها لبعض، وهذا القول هو الذي حكاه الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري عن أهل السنة والجماعة، وهو الذي نصره الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب الاعتقاد، وكذلك غيره من محققي العلماء والحفاظ والنقاد.
وقد ذكره الشيخ أبو عمر بن عبد البر النمري بعد ما تقدم من أحاديث الامتحان، ثم قال: وأحاديث هذا الباب ليست قوية، ولا تقوم بها حجة، وأهل العلم ينكرونها؛ لأن الآخرة دار جزاء، وليست بدار عمل ولا ابتلاء، فكيف يكلفون دخول النار، وليس ذلك في وسع المخلوقين، والله لا يكلف نفساً إلا وسعها؟.
(والجواب) عما قال أن أحاديث هذا الباب منها ما هو صحيح؛ كما قد نص على ذلك كثير من أئمة العلماء، ومنها ما هو حسن، ومنها ما هو ضعيف يتقوى بالصحيح والحسن، وإذا كانت أحاديث الباب الواحد متصلة متعاضدة على هذا النمط، أفادت الحجة عند الناظر فيها. وأما قوله: إن الدار الآخرة دار جزاء، فلا شك أنها دار جزاء، ولا ينافي التكليف في عرصاتها قبل دخول الجنة أو النار، كما حكاه الشيخ أبو الحسن الأشعري عن مذهب أهل السنة والجماعة من امتحان الأطفال، وقد قال تعالى:
{ يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ }
الآية [القلم: 42]،
وقد ثبت في الصحاح وغيرها: أن المؤمنين يسجدون لله يوم القيامة، وأن المنافق لا يستطيع ذلك، ويعود ظهره كالصفيحة الواحدة طبقاً واحداً، كلما أراد السجود، خرّ لقفاه. وفي الصحيحين في الرجل الذي يكون آخر أهل النار خروجاً منها: أن الله يأخذ عهوده ومواثيقه أن لا يسأل غير ما هو فيه، ويتكرر ذلك مراراً، ويقول الله تعالى: " يابن آدم ما أغدرك " ثم يأذن له في دخول الجنة، وأما قوله: فكيف يكلفهم الله دخول النار، وليس ذلك في وسعهم، فليس هذا بمانع من صحة الحديث، فإن الله يأمر العباد يوم القيامة بالجواز على الصراط، وهو جسر على جهنم أحدّ من السيف وأدق من الشعرة، ويمر المؤمنون عليه بحسب أعمالهم كالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب، ومنهم الساعي، ومنهم الماشي، ومنهم من يحبو حبواً، ومنهم المكدوش على وجهه في النار، وليس ما ورد في أولئك بأعظم من هذا، بل هذا أطم وأعظم.
وأيضاً فقد أثبتت السنة بأن الدجال يكون معه جنة ونار، وقد أمر الشارع المؤمنين الذين يدركونه أن يشرب أحدهم من الذي يرى أنه نار، فإنه يكون عليه برداً وسلاماً، فهذا نظير ذاك، وأيضاً فإن الله تعالى أمر بني إسرائيل أن يقتلوا أنفسهم، فقتل بعضهم بعضاً حتى قتلوا فيما قيل في غداة واحدة سبعين ألفاً، يقتل الرجل أباه وأخاه، وهم في عماية غمامة أرسلها الله عليهم، وذلك عقوبة لهم على عبادتهم العجل، وهذا أيضاً شاق على النفوس جداً لا يتقاصر عما ورد في الحديث المذكور، والله أعلم.
(فصل) إذا تقرر هذا، فقد اختلف الناس في ولدان المشركين على أقوال (أحداها) أنهم في الجنة.
واحتجوا بحديث سمرة: أنه عليه السلام رأى مع إبراهيم عليه السلام أولاد المسلمين وأولاد المشركين، وبما تقدم في رواية أحمد عن حسناء عن عمها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " والمولود في الجنة " وهذا استدلال صحيح، ولكن أحاديث الامتحان أخص منه. فمن علم الله منه أنه يطيع، جعل روحه في البرزخ مع إبراهيم وأولاد المسلمين الذين ماتوا على الفطرة، ومن علم منه أنه لا يجيب، فأمره إلى الله تعالى ويوم القيامة يكون في النار، كما دلت عليه أحاديث الامتحان، ونقله الأشعري عن أهل السنة، ثم إن هؤلاء القائلين بأنهم في الجنة منهم من جعلهم مستقلين فيها، ومنهم من جعلهم خدماً لهم، كما جاء في حديث علي بن زيد عن أنس عند أبي داود الطيالسي وهو ضعيف، والله أعلم.
(والقول الثاني) أنهم مع آبائهم في النار. واستدل عليه بما رواه الإمام أحمد بن حنبل عن أبي المغيرة: حدثنا عتبة بن ضمرة بن حبيب، حدثني عبد الله بن أبي قيس مولى غطيف: أنه أتى عائشة، فسألها عن ذراري الكفار، فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هم تبع لآبائهم " فقلت: يا رسول الله بلا أعمال؟ فقال: " الله أعلم بما كانوا عاملين " وأخرجه أبو داود من حديث محمد بن حرب عن محمد بن زياد الألهاني، سمعت عبد الله بن أبي قيس، سمعت عائشة تقول: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذراري المؤمنين، قال: " هم مع آبائهم " قلت: فذراري المشركين؟ قال: " هم مع آبائهم " فقلت: بلا عمل؟ قال: " الله أعلم بما كانوا عاملين " ورواه أحمد أيضاً عن وكيع عن أبي عقيل يحيى بن المتوكل، وهو متروك، عن مولاته بهية عن عائشة: أنها ذكرت أطفال المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " إن شئت أسمعتك تضاغيهم في النار "....
(والقول الثالث) التوقف فيهم. واعتمدوا على قوله صلى الله عليه وسلم " الله أعلم بما كانوا عاملين " وهو في " الصحيحين " من حديث جعفر بن أبي إياس عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين، قال: " الله أعلم بما كانوا عاملين " وكذلك هو في " الصحيحين " من حديث الزهري عن عطاء بن يزيد، وعن أبي سلمة عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن أطفال المشركين، فقال: " الله أعلم بما كانوا عاملين " ومنهم من جعلهم من أهل الأعراف، وهذا القول يرجع إلى قول من ذهب إلى أنهم من أهل الجنة، لأن الأعراف ليس دار قرار ومآل أهلها إلى الجنة، كما تقدم تقرير ذلك في سورة الأعراف، والله أعلم.
(فصل) وليعلم أن هذا الخلاف مخصوص بأطفال المشركين، فأما ولدان المؤمنين، فلا خلاف بين العلماء؛ كما حكاه القاضي أبو يعلى بن الفراء الحنبلي عن الإمام أحمد أنه قال: لا يختلف فيهم أنهم من أهل الجنة، وهذا هو المشهور بين الناس، وهو الذي نقطع به إن شاء الله عز وجل،...
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي في سننه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خير النساء التي إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في مالك ونفسها. ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { الرجال قوامون على النساء } إلى قوله { قانتات حافظات للغيب } ".
وأخرج الحاكم عن سعد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاث من السعادة: المرأة تراها فتعجبك وتغيب فتأمنها على نفسها ومالك، والدابة تكون وطيئة فتلحقك بأصحابك، والدار تكون واسعة كثيرة المرافق. وثلاث من الشقاء: المرأة تراها فتسوءك وتحمل لسانها عليك، وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها ومالك، والدابة تكون قطوفاً، فإن ضربتها أتعبتك، وإن تركتها لم تلحقك بأصحابك. والدار تكون ضيقة قليلة المرافق "
وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة والحاكم والبيهقي من طريق حصين بن محصن قال: حدثتني عمتي قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الحاجة فقال: " أي هذه أذات بعل أنت؟ قلت: نعم. قال: كيف أنت له؟ قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه. قال: انظري أين أنت منه فإنما هو جنتك ونارك "
وأخرج البزار والحاكم والبيهقي في سننه عن أبي هريرة قال: " جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله أخبرني ما حق الزوج على الزوجة؟ قال: " من حق الزوج على الزوجة أن لو سال منخراه دماً وقيحاً وصديداً فلحسته بلسانها ما أدت حقه، لو كان ينبغي لبشر أن يسجد لبشر أمرت المرأة أن تسجد لزوجها إذا دخل عليها لما فضله الله عليها "
وأخرج البزار عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، دخلت الجنة ".
وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم برجالكم من أهل الجنة: النبي في الجنة، والصديق في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة، ورجل زار أخاه في ناحية المصر يزوره في الله في الجنة، ونساؤكم من أهل الجنة الودود العدود على زوجها، التي إذا غضب جاءت حتى تضع يدها في يده، ثم تقول: لا أذوق غمضاً حتى ترضى ".
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه والبيهقي عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيما امرأة باتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة ".
وأخرج الحاكم عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اثنان لا تجاوز صلاتهما رؤوسهما. عبد آبق من مواليه حتى يرجع، وامرأة عصت زوجها حتى ترجع ".
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان لعنتها الملائكة حتى تصبح ".
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وحسنه النسائي والبيهقي عن طلق بن علي. سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا دعا الرجل امرأته لحاجته فلتجبه وإن كانت على التنور ".
وقال ابن كثير فی تفسيره
وقد قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد، عن أبي حُرة الرقاشي، عن عمه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " فإن خفتم نشوزهن فاهجروهن في المضاجع " قال حماد: يعني: النكاح. وفي " السنن " و " المسند " عن معاوية بن حيدة القشيري أنه قال: يا رسول الله ما حق امرأة أحدنا عليه؟ قال: " أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت " وقوله: { وَٱضْرِبُوهُنَّ } ، أي: إذا لم يرتدعن بالموعظة ولا بالهجران، فلكم أن تضربوهن ضرباً غير مبرح، كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع: " واتقوا الله في النساء، فإنهن عندكم عوان، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك، فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " وكذا قال ابن عباس وغير واحد: ضرباً غير مبرح، قال الحسن البصري: يعني غير مؤثرـ وقال الفقهاء: هو أن لا يكسر فيها عضواً، ولا يؤثر فيها شيئاً، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: يهجرها في المضجع، فإن أقبلت، وإلا فقد أذن الله لك أن تضربها ضرباً غير مبرح، ولا تكسر لها عظماً، فإن أقبلت، وإلا فقد أحل الله لك منها الفدية. وقال سفيان بن عيينة عن الزهري، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن إياس بن عبد الله بن أبي ذُباب قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تضربوا إماء الله " فجاء عمر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذئرت النساء على أزواجهن، فرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لقد أطاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم " رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه....
وهناك قصة اخری وردت فی الحديث الصحيح قال السيوطی فی دره المنثور
أخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بينما امرأتان معهما ابنان لهما، جاء الذئب فأخذ أحد الابنين، فتحاكما إلى داود فقضى له للكبرى فخرجتا فدعاهما سليمان فقال: هاتوا السكين أشقه بينهما. فقالت الصغرى: يرحمك الله، هو ابنها لا تشقه. فقضى به للصغرى ".
قوله تعالى: { وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً } أي وقال الشيطان؛ والمعنى: لأستخلصنّهم بغوايتي وأضلنّهم بإضلالي، وهم الكفرة والعصاة. وفي الخبر " من كل ألفٍ واحد لله والباقي للشيطان ". قلت: وهذا صحيح معنى؛ يعضده قوله تعالى لآدم يوم القيامة: «ابعث بعث النار» فيقول: وما بعث النار؟ فيقول من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين». أخرجه مسلم
. وبعث النار هو نصيب الشيطان
ملحوظة
جاء فی الصحيح عن عمران بن الحصين
كنا مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في سَفَرٍ فتَفَاوَتَ بينَ أصحابِهِ في السَّيْرِ فرفع رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صوتَه بهاتَيْنِ الآيَتَيْنِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ إلى قولِه وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ فلَمَّا سَمِعَ ذلك أصحابُه حَثُّوا المَطِيَّ وعَرَفوا أنه عندَ قولٍ يَقُولُهُ فقال هل تَدْرُونَ أَيُّ يومٍ ذلك قالوا اللهُ ورسولُه أعلمُ قال ذاك يومٌ يُنَادِي اللهُ فيه آدمَ فيُنَادِيهِ رَبُّهُ فيقولُ يا آدمُ ابْعَثْ بَعْثَ النارِ فيقولُ أَيْ رَبِّ وما بَعْثُ النارِ فيقولُ من كلِّ أَلْفٍ تِسْعُمِائِةٍ وتِسْعَةٌ وتِسْعُونَ إلى النارِ وواحِدٌ إلى الجنةِ فيَئِسَ القومُ حتى ما أَبْدَوْا بضاحِكَةٍ فلما رَأَى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الذي بأصحابِهِ قال اعْمَلُوا وأَبْشِرُوا فوالذي نفسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ إنكم لَمَعَ خَلِيقَتَيْنِ ما كانَتَا مع شيءٍ إلا كَثَّرَتَاهُ يَأْجُوجُ ومَأْجُوجُ ومَن مات من بَنِي آدمَ وبَنِي إبليسَ قال فسُرِّيَ عن القومِ بَعْضُ الذي يَجِدُونَ قال اعْمَلُوا وأَبْشِرُوا فوالذي نفسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ ما أنتم في الناسِ إلا كالشامَةِ في جَنْبِ البَعِيرِ أو كالرَّقْمَةِ في ذِرَاعِ الدَّابَّةِ
ولاحظ أخی الحبيب قول ابليس فی ماجاء فی الحديث الصحيح فی سنن ابن ماجه يريده من نصيبه
إنَّ عبدًا قتلَ تسعةً وتِسعينَ نفسًا ثمَّ عرضَت لَهُ التَّوبةُ، فسألَ عَن أعلمِ أَهْلِ الأرضِ، فدُلَّ على رجلٍ فأتاهُ فقالَ: إنِّي قتَلتُ تسعةً وتسعينَ نفسًا، فَهَل لي من توبةٍ؟ قالَ: بعدَ تِسعةٍ وتسعينَ نفسًا قالَ: فانتَضَى سيفَهُ فقتلَهُ، فأَكْملَ بِهِ المائةَ، ثمَّ عرضَت لَهُ التَّوبةُ، فسألَ عن أعلَمِ أَهْلِ الأرضِ، فدُلَّ على رجلٍ فأتاهُ فقالَ: إنِّي قتَلتُ مائةَ نفسٍ، فَهَل لي من تَوبةٍ؟ فقالَ: ويحَكَ، ومَن يحولُ بينَكَ وبينَ التَّوبةِ؟ اخرُج منَ القَريةِ الخبيثَةِ الَّتي أنتَ فيها إلى القريةِ الصَّالحةِ قَريةِ كذا وَكَذا، فاعبُدْ ربَّكَ فيها، فخرجَ يريدُ القريةَ الصَّالحةَ، فعرضَ لَهُ أجلُهُ في الطَّريقِ، فاختَصَمت فيهِ ملائِكَةُ الرَّحمةِ وملائِكَةُ العذابِ، قالَ إبليسُ: أَنا أولى بِهِ، إنَّهُ لم يعصِني ساعةً قطُّ، قالَ: فقالَت ملائِكَةُ الرَّحمةِ: إنَّهُ خَرجَ تائبًا
وأخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أحب الله عبداً، نادى جبريل: إني قد أحببت فلاناً، فأحبه. فينادي في السماء، ثم تنزل له المحبة في أهل الأرض، فذلك قول الله: { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً } وإذا أبغض الله عبداً، نادى جبريل: إني قد أبغضت فلاناً، فينادي في أهل السماء، ثم تنزل له البغضاء في أهل الأرض ".
وقال ابن كثير
وقال الإمام أحمد: حدثنا أسود بن عامر، حدثنا شريك عن محمد ابن سعد الواسطي عن أبي ظبية، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن المقة من الله - قال شريك: هي المحبة - والصيت في السماء، فإذا أحب الله عبداً، قال لجبريل عليه السلام: إني أحب فلاناً، فينادي جبريل: إن ربكم يمق - يعني: يحب - فلاناً، فأحبوه - أرى شريكاً قد قال: فتنزل له المحبة في الأرض - وإذا أبغض عبداً، قال لجبريل: إني أبغض فلاناً، فأبغضه، قال: فينادي جبريل: إن ربكم يبغض فلاناً، فأبغضوه - أرى شريكاً قال: فيجري له البغض في الأرض " غريب، ولم يخرجوه.
وقوله: { لَهُ مُعَقِّبَـٰتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } أي: للعبد ملائكة يتعاقبون عليه؛ حرس بالليل، وحرس بالنهار، يحفظونه من الأسواء والحادثات، كما يتعاقب ملائكة آخرون لحفظ الأعمال من خير أو شر، ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار، فاثنان عن اليمين والشمال يكتبان الأعمال، صاحب اليمين يكتب الحسنات، وصاحب الشمال يكتب السيئات، وملكان آخران يحفظانه ويحرسانه، واحد من ورائه، وآخر من قدامه، فهو بين أربعة أملاك بالنهار، وأربعة أملاك بالليل، بدلاً، حافظان وكاتبان،
كما جاء في الصحيح: " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، فيصعد إليه الذين باتوا فيكم، فيسألهم وهو أعلم بكم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون " وفي الحديث الآخر: " إن معكم من لا يفارقكم إلا عند الخلاء وعند الجماع، فاستحيوهم وأكرموهم "....
وقد قرأ بعضهم: (هنالك تتلو كل نفس ما أسلفت) وفسرها بعضهم بالقراءة، وفسرها بعضهم بمعنى تتبع ما قدمت من خير وشر،
وفسرها بعضهم بحديث: " لتتبع كل أمة ما كانت تعبد، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت " الحديث
ملحوظة
الحديث هو
....إذا كان يومُ القيامةِ أذَّن مُؤذِّنٌ لتتبَعْ كلُّ أمَّةٍ ما كانت تعبُدُ ، فلا يبقَى أحدٌ كان يعبُدُ غيرَ اللهِ من الأصنامِ والأنصابِ إلَّا يتساقطون في النَّارِ ، حتَّى إذا لم يبقَ إلَّا من كان يعبدُ اللهَ من بَرٍّ وفاجرٍ وغيرِ أهلِ الكتابِ فيُدعَى اليهودُ ، فيُقالُ لهم : ما كنتم تعبدون ؟ قالوا : كنَّا نعبدُ عُزيرًا ابنَ اللهِ ! فيُقالُ كذبتم ما اتَّخذ من صاحبةٍ ولا ولدٍ ، فماذا تبغون ؟ قالوا عطِشنا يا ربَّنا فاسْقِنا ، فيُشارُ إليهم ألا ترِدون ؟ فيُحشرون إلى النَّارِ كأنَّها سِرابٌ يُحطِّمُ بعضُها بعضًا ، فيتساقطون في النَّارِ ثمَّ تُدعَى النَّصارَى فيُقالُ لهم : ما كنتم تعبدون ؟ قالوا : كنَّا نعبدُ المسيحَ ابنَ اللهِ ! فيُقالُ : كذبتم ما اتَّخذ اللهُ من صاحبةٍ ولا ولدٍ ، فماذا تبغون ؟ فيقولون : عطِشنا يا ربَّنا فاسْقِنا ، فيُشارُ إليهم : ألا ترِدُون ؟ فيُحشرون إلى جهنَّمَ كأنَّها سِرابٌ يُحطِّمُ بعضُها بعضًا ، فيتساقطون في النَّارِ حتَّى إذا لم يبْقَ إلَّا من كان يعبُدُ اللهَ من بَرٍّ وفاجرٍ أتاهم اللهُ في أدنَى صورةٍ من الَّتى رأَوْه فيها ، قال فما تنتظرون ؟ تتبعُ كلُّ أمَّةٍ ما كانت تعبدُ ، قالوا : يا ربَّنا ! فارقنا النَّاسُ في الدُّنيا أفقرَ ما كنَّا إليهم ، ولم نُصاحِبْهم فيقولُ : أنا ربُّكم ، فيقولون نعوذُ باللهِ منك ، لا نُشرِكُ باللهِ شيئًا – مرَّتَيْن أو ثلاثًا – حتَّى إنَّ بعضَهم ليكادُ أن ينقلِبَ فنقولُ : هل بينكم وبينه آيةٌ فتعرِفونه بها ؟ فيقولون : نعم ، فيكشِفُ عن ساقٍ فلا يبقَى من كان يسجُدُ للهِ من تلقاءِ نفسِه إلَّا أذِن اللهُ له بالسُّجودِ ولا يبقَى من كان يسجُدُ اتِّقاءَ ورياءً إلَّا جعل اللهُ ظهرَه طبقةً واحدةً ، ......
وقوله تعالى: { وَتَقَلُّبَكَ فِى ٱلسَّـٰجِدِينَ } قال قتادة: { ٱلَّذِى يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِى ٱلسَّـٰجِدِينَ } قال: في الصلاة يراك وحدك، ويراك في الجمع، وهذا قول عكرمة وعطاء الخراساني والحسن البصري. وقال مجاهد: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى من خلفه كما يرى من أمامه،
ويشهد لهذا ما صح في الحديث: " سووا صفوفكم فإني أراكم من وراء ظهري " وروى البزار وابن أبي حاتم من طريقين عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية: يعني تقلبه من صلب نبي إلى صلب نبي حتى أخرجه نبياً
وعده هذا حاصل يوم تبدل الأرض غير الأرض، وهي هذه، على غير الصفة المألوفة المعروفة، كما جاء في الصحيحين من حديث أبي حازم عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقيّ، ليس فيها مَعْلَم لأحد " وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن أبي عَدِيّ عن داود عن الشعبي عن مسروق، عن عائشة: أنها قالت: أنا أول الناس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَـٰوَٰتُ } قالت: قلت: أين الناس يومئذ يا رسول الله؟ قال: " على الصراط " ، رواه مسلم منفرداً به دون البخاري، والترمذي وابن ماجه من حديث داود بن أبي هند به، وقال الترمذي: حسن صحيح، ورواه أحمد أيضاً عن عفان عن وهيب عن داود، عن الشعبي، عنها، ولم يذكر مسروقاً. وقال قتادة: عن حسان بن بلال المزني عن عائشة رضي الله عنها: أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله: { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَـٰوَٰتُ } قالت: قلت: يا رسول الله فأين الناس يومئذ؟ قال: " لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من أمتي، ذاك أن الناس على جسر جهنم " وروى الإمام أحمد من حديث حبيب بن أبي عمرة عن مجاهد، عن ابن عباس: حدثتني عائشة أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى:
{ وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَٱلسَّمَـٰوَٰتُ مَطْوِيَّـٰتٌ بِيَمِينِهِ }
[الزمر: 67] فأين الناس يومئذ يا رسول الله؟ قال: " هم على متن جهنم " وقال ابن جرير: حدثنا الحسن، حدثنا علي بن الجعد، أخبرنا القاسم، سمعت الحسن قال: قالت عائشة: يا رسول الله { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ } فأين الناس يومئذ؟ قال: " إن هذا شيء ما سألني عنه أحد - قال - على الصراط يا عائشة " ، ورواه أحمد عن عفان عن القاسم بن الفضل، عن الحسن به.....
وقال الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه: حدثني الحسن بن علي الحلواني، حدثني أبو توبة الربيع بن نافع، حدثنا معاوية بن سلام عن زيد، يعني: أخاه أنه سمع أبا سلام، حدثني أبو أسماء الرحبي: أن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثه قال: كنت نائماً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه حبر من أحبار اليهود، فقال: السلام عليك يا محمد، فدفعته دفعة كاد يصرع منها، فقال: لم تدفعني؟ فقلت: ألا تقول: يا رسول الله؟ فقال اليهودي: إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي " فقال اليهودي: جئت أسألك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أينفعك شيئاً إن حدثتك؟ " قال: أسمع بأذني، فنكت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعود معه، فقال: " سل " فقال اليهودي: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هم في الظلمة دون الجسر " قال: فمن أول الناس إجازة؟ فقال: " فقراء المهاجرين " ، فقال اليهودي: فما تحفتهم حين يدخلون الجنة؟ قال: " زيادة كبد النون " قال: فما غذاؤهم في أثرها؟ قال: " ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها " قال: فما شرابهم عليه؟ قال: " من عين فيها تسمى سلسبيلاً " قال: صدقت، قال: وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان، قال: " أينفعك إن حدثتك؟ " قال: أسمع بأذني. قال: جئت أسألك عن الولد، قال: " ماء الرجل أبيض، وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا، فعلا مني الرجل منيّ المرأة، أذكرا بإِذن الله تعالى، وإذا علا منيّ المرأة مني الرجل، أنثا بإذن الله " قال اليهودي: لقد صدقت، وإنك لنبي، ثم انصرف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه، وما لي علم بشيء منه حتى أتاني الله به " قال أبو جعفر بن جرير الطبري: حدثنا ابن عوف، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا سعيد بن ثوبان الكلاعي، عن أبي أيوب الأنصاري، أن حبراً من اليهود سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت إذ يقول الله تعالى في كتابه: { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَـٰوَٰتُ } فأين الخلق عند ذلك؟ فقال: " أضياف الله، فلن يعجزهم ما لديه "....
وقد قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل، حدثنا سهل بن حماد أبو عَتَّاب، حدثنا جرير بن أيوب عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل: { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ } قال: " أرض بيضاء لم يسفك عليها دم، ولم يعمل عليها خطيئة " ثم قال: لا نعلم رفعه إلا جرير بن أيوب، وليس بالقوي، ثم قال ابن جرير: حدثنا أبو كريب، حدثنا معاوية بن هشام عن سنان عن جابر الجعفي، عن أبي جبيرة عن زيد قال: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليهود، فقال: " هل تدرون لم أرسلت إليهم؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: " فإني أرسلت إليهم أسألهم عن قول الله: { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ } إنها تكون يومئذ بيضاء مثل الفضة "...
وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن كعب في قوله: { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَـٰوَٰتُ } قال: تصير السمٰوات جناناً، ويصير مكان البحر ناراً، وتبدل الأرض غيرها. وفي الحديث الذي رواه أبو داود: " لا يركب البحر إلا غاز أو حاج أو معتمر، فإن تحت البحر ناراً أو تحت النار بحراً " وفي حديث الصور المشهور المروي عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يبدل الله الأرض غير الأرض، والسمٰوات، فيبسطها ويمدها مد الأديم العكاظي، لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً، ثم يزجر الله الخلق زجرة، فإذا هم في هذه المبدلة "
وقال السيوطی فی الدر المنثور
وأخرج البخاري ومسلم وابن جرير وابن مردويه، عن سهل بن سعد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء، كقرصة نقي ليس فيها معلم لأحد ".
وأخرج البخاري ومسلم وابن مردويه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة، يتكفؤها الجبار بيده كما يتكفأ أحدكم خبزته في السفرة، نزلاً لأهل الجنة. قال: فأتاه رجل من اليهود فقال: بارك الله عليك أبا القاسم... ألا أخبرك بنزل أهل الجنة يوم القيامة؟ قال: تكون الأرض خبزة واحدة يوم القيامة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فنظر إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ضحك حتى بدت نواجذه، ثم قال: ألا أخبرك بإدامهم؟ قال: بلى. قال: إدامهم ثور. قالوا: ما هذا؟ قال هذا ثور بالأم، يأكل من زيادة كبدها سبعون ألفاً ".
ولهذا قال تعالى: { وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً } أي: بادية ظاهرة، ليس فيها معلم لأحد، ولا مكان يواري أحداً، بل الخلق كلهم ضاحون لربهم، لا تخفى عليه منهم خافية. قال مجاهد وقتادة: { وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً } لا خَمَر فيها ولا غيابة، قال قتادة: لا بناء ولا شجر.
ملحوظة
لاحظ ماجاء فی اخر الحديث الصحيح
يُحْشَرُ الناسُ يومَ القيامةِ على أرضٍ بيضاءَ عَفْرَاءَ ، كقُرْصَةِ النَّقِيِّ ، ليس فيها مَعْلَمٌ لِأَحَدٍ
وقوله تعالى: { وَلاَ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ } إنما ذكر هذا، وهو معلوم؛ ليعطف عليه غيره في اللفظ، وليساوي به ما بعده في الحكم، وتضمن هذا بيوت الأبناء؛ لأنه لم ينص عليهم، ولهذا استدل بهذا من ذهب إلى أن مال الولد بمنزلة مال أبيه، وقد جاء في المسند والسنن من غير وجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أنت ومالك لأبيك " ....
فأنزل الله: { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً } فهذه رخصة من الله تعالى في أن يأكل الرجل وحده، ومع الجماعة، وإن كان الأكل مع الجماعة أبرك وأفضل.
كما رواه الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن عبد ربه، حدثنا الوليد بن مسلم عن وحشي بن حرب عن أبيه عن جده: أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم إنا نأكل ولا نشبع. قال: " لعلكم تأكلون متفرقين، اجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله؛ يبارك لكم فيه " ورواه أبو داود وابن ماجه من حديث الوليد بن مسلم به، وقد روى ابن ماجه أيضاً من حديث عمرو بن دينار القهرماني عن سالم عن أبيه عن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " كلوا جميعاً ولا تفرقوا؛ فإن البركة مع الجماعة ".
وقال السيوطی فی الدر المنثور
وأخرج البخاري في الأدب عن جابر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله، وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، فإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت وإن لم يذكر الله عند طعامه قال الشيطان: أدركتم المبيت والعشاء ".
، وقال الإمام أحمد: حدثنا حجاج، حدثني شعبة عن أبي عمران الجوني، عن أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء، أكنت مفتدياً به؟ قال: فيقول: نعم، فيقول الله: قد أردت منك أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر أبيك آدم أن لا تشرك بي شيئاً، فأبيت إلا أن تشرك "
وهكذا أخرجاه البخاري ومسلم.
(طريق أخرى) وقال الإمام أحمد: حدثنا روح، حدثنا حماد عن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يؤتى بالرجل من أهل الجنة، فيقول له: يا ابن آدم، كيف وجدت منزلك؟ فيقول: أي رب خير منزل، فيقول: سل وتمن، فيقول: ما أسأل ولا أتمنى إلا أن تردني إلى الدنيا، فأقتل في سبيلك عشر مرار؛ لما يرى من فضل الشهادة، ويؤتى بالرجل من أهل النار، فيقول له: يا ابن آدم، كيف وجدت منزلك؟ فيقول: يا رب شر منزل، فيقول له: أتفتدي مني بطلاع الأرض ذهباً؟ فيقول: أي رب نعم، فيقول: كذبت، قد سألتك أقل من ذلك وأيسر، فلم تفعل، فيرد إلى النار " ولهذا قال: { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّـٰصِرِينَ } أي: وما لهم من أحد ينقذهم من عذاب الله، ولا يجيرهم من أليم عقابه.
وأخرج ابن جرير، عن مجاهد رضي الله عنه: في قوله: { ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير } قال: ذلك دعاء الإنسان بالشر على ولده وعلى امرأته يعجل فيه، فيدعو عليه لا يحب أن يصيبه.
وأخرج أبو داود والبزار، عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تدعوا على أنفسكم، لا تدعوا على أولادكم، لا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة فيها إجابة فيستجيب لكم ".
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي، عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يُدرس الإسلام كما يدرس وشْيُ الثوب، حتى لا يدرى ما صيام ولا صدقة ولا نسك. ويسرى على كتاب الله في ليلة، فلا يبقى في الأرض منه آية ويبقى الشيخ الكبير والعجوز يقولون: أدركنا آبائنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله فنحن نقولها ".
وقال الالوسي
والآية ظاهرة في أن مشيئة الذهاب به غير متحققة وأن فقدان المسترد إلا الرحمة إنما هو على فرض تحقق المشيئة لكن جاء في الأخبار أن القرآن يذهب به قبل يوم القيامة، فقد أخرج البيهقي والحاكم وصححه وابن ماجه بسند قوي عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدرى ما صيام ولا صدقة ولا نسك ويسري على كتاب الله تعالى في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية ويبقى الشيخ الكبير والعجوز يقولون أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله فنحن نقولها "....
وقد ورد: أن أعمال الأحياء تعرض على الأموات من الأقرباء والعشائر في البرزخ، كما قال أبو داود الطيالسي: حدثنا الصلت بن دينار عن الحسن عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أعمالكم تعرض على أقربائكم وعشائركم في قبورهم، فإن كان خيراً، استبشروا به، وإن كان غير ذلك، قالوا: اللهم ألهمهم أن يعملوا بطاعتك " وقال الإمام أحمد: أنبأنا عبد الرزاق عن سفيان عمن سمع أنساً يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات، فإن كان خيراً، استبشروا به، وإن كان غير ذلك، قالوا: اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا " ...
ملحوظة
جاءت عدة احاديث بهذا المعنی مثل
مُرَّ بجنازةٍ فأُثنِيَ عليها خيرًا . فقال نبيُّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ " وجَبتْ وجَبتْ وجَبَتْ " . ومُرَّ بجنازةٍ فأُثنيَ عليها شرًّا . فقال نبيُّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ " وجَبَتْ وجَبَتْ وجَبَتْ " . قال عمرُ : فدى لك أبي وأمي ! مُرَّ بجنازةٍ فأُثنيَ عليها خيرًا فقلتَ : وجَبَتْ وجَبَتْ وجَبَتْ . ومُرَّ بجنازةٍ فأُثنَ عليها شرًّا فقلتَ : وجَبَتْ وجَبَتْ وجَبَتْ ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ " من أثْنيتُم عليه خيرًا وجبَتْ له الجنةُ . ومن أثْنيتُم عليه شرًّا وجبت له النارُ . أنتم شهداءُ اللهِ في الأرضِ . أنتم شهداءُ اللهِ في الأرضِ . أنتم شهداءُ اللهِ في الأرضِ . "
أنتمْ شُهداءُ اللهِ في الأرْضِ ، والملائِكةِ شُهداءُ اللهِ في السَّماءِ
وقال سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزاهرية، عن عبد الله في قوله: { رُّبَمَا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ } قال: هذا في الجهنميين إذا رأوهم يخرجون من النار، وقال ابن جرير: حدثني المثنى، حدثنا مسلم، حدثنا القاسم، حدثنا ابن أبي فروة العبدي: أن ابن عباس وأنس بن مالك كانا يتأولان هذه الآية: { رُّبَمَا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ } يتأولانها يوم يحبس الله أهل الخطايا من المسلمين مع المشركين في النار، قال: فيقول لهم المشركون: ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون في الدنيا، قال: فيغضب الله لهم بفضل رحمته، فيخرجهم، فذلك حين يقول: { رُّبَمَا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ }.
وقال عبد الرزاق: أخبرنا الثوري عن حماد عن إبراهيم، وعن خصيف عن مجاهد، قالا: يقول أهل النار للموحدين: ما أغنى عنكم إيمانكم؟ فإذا قالوا ذلك، قال الله: أخرجوا من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، قال: فعند ذلك قوله: { رُّبَمَا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ } ، وهكذا روي عن الضحاك وقتادة وأبي العالية وغيرهم،
وقد ورد في ذلك أحاديث مرفوعة، فقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا محمد بن العباس، هو الأخرم، حدثنا محمد بن منصور الطوسي، حدثنا صالح بن إسحاق الجهبذ، وابن علية يحيى بن موسى، حدثنا معرف بن واصل عن يعقوب بن نباتة عن عبد الرحمن الأغر، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن ناساً من أهل لا إله إلا الله يدخلون النار بذنوبهم، فيقول لهم أهل اللات والعزى: ما أغنى عنكم قولكم: لا إله إلا الله، وأنتم معنا في النار؟ فيغضب الله لهم، فيخرجهم فيلقيهم في نهر الحياة، فيبرؤون من حرقهم كما يبرأ القمر من خسوفه، ويدخلون الجنة، ويسمون فيها الجهنميين " ، فقال رجل: يا أنس أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال أنس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
من كذب علي متعمداً، فليتبوأ مقعده من النار " نعم أنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا، ثم قال الطبراني: تفرد به الجهبذ.
(الحديث الثاني): قال الطبراني أيضاً: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا أبو الشعثاء علي بن حسن الواسطي، حدثنا خالد بن نافع الأشعري عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه، عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا اجتمع أهل النار في النار، ومعهم من شاء الله من أهل القبلة، قال الكفار للمسلمين: ألم تكونوا مسلمين؟ قالوا: بلى، قالوا: فما أغنى عنكم الإسلام، وقد صرتم معنا في النار؟ قالوا: كانت لنا ذنوب، فأخذنا بها، فسمع الله ما قالوا، فأمر بمن كان في النار من أهل القبلة فأخرجوا، فلما رأى ذلك من بقي من الكفار قالوا: ياليتنا كنا مسلمين، فنخرج كما خرجوا ـ قال: ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: -أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { الۤرَ تِلْكَ ءايَـٰتُ ٱلْكِتَـٰبِ وَقُرْءَانٍ مُّبِينٍ رُّبَمَا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ } " ورواه ابن أبي حاتم من حديث خالد بن نافع به، وزاد فيه: بسم الله الرحمن الرحيم عوض الاستعاذة.
(الحديث الثالث): قال الطبراني أيضاً: حدثنا موسى بن هارون، حدثنا إسحاق بن راهويه، قال: قلت لأبي أسامة: أحدثكم أبو روق، واسمه عطية بن الحارث، حدثني صالح بن أبي طريف قال: سألت أبا سعيد الخدري، فقلت له: هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هذه الآية { رُّبَمَا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ }؟ قال: نعم، سمعته يقول: " يخرج الله ناساً من المؤمنين من النار بعدما يأخذ نقمته منهم " وقال: " لما أدخلهم الله النار مع المشركين، قال لهم المشركون: تزعمون أنكم أولياء الله في الدنيا فما بالكم معنا في النار؟ فإذا سمع الله ذلك منهم، أذن في الشفاعة لهم، فتشفع لهم الملائكة والنبيون، ويشفع المؤمنون، حتى يخرجوا بإذن الله، فإذا رأى المشركون ذلك قالوا: ياليتنا كنا مثلهم فتدركنا الشفاعة فنخرج معهم - قال - فذلك قول الله: { رُّبَمَا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ } فيسمون في الجنة الجهنميين؛ من أجل سواد في وجوههم، فيقولون: يا رب أذهب عنا هذا الاسم، فيأمرهم فيغتسلون في نهر في الجنة، فيذهب ذلك الاسم عنهم " فأقرّ به أبو أسامة، وقال: نعم.
(الحديث الرابع): قال ابن أبي حاتم، حدثنا علي بن الحسين، حدثنا العباس بن الوليد النرسي، حدثنا مسكين أبو فاطمة، حدثني اليمان بن يزيد عن محمد بن جبر عن محمد بن علي، عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
منهم من تأخذه النار إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه إلى حجزته، ومنهم من تأخذه النار إلى عنقه، على قدر ذنوبهم وأعمالهم، ومنهم من يمكث فيها شهراً ثم يخرج منها، ومنهم من يمكث فيها سنة ثم يخرج منها، وأطولهم فيها مكثاً بقدر الدنيا منذ يوم خلقت إلى أن تفنى، فإذا أراد الله أن يخرجهم منها، قالت اليهود والنصارى ومن في النار من أهل الأديان والأوثان لمن في النار من أهل التوحيد: آمنتم بالله وكتبه ورسله، فنحن وأنتم اليوم في النار سواء، فيغضب الله لهم غضباً لم يغضبه لشيء فيما مضى، فيخرجهم إلى عين في الجنة، وهو قوله: { رُّبَمَا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ } "
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " " إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يجاء بالموت كأنه كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار، فيقال: يا أهل الجنة هل تعرفون هذا؟، فيشرفون وينظرون ويقولون نعم هذا الموت وكلهم قد رآه، ثم يقال يا أهل النار هل تعرفون هذا؟، فيشرفون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت وكلهم قد رآه، فيؤمر به فيذبح، فيقال: يا أهل الجنة خلود بلا موت، ويا أهل النار خلود بلا موت " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: { وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة } وأشار بيده وقال: " أهل الدنيا في غفلة " ".
وقال ابن الجوزی فی زاد المسير
وموجبات الحسرة يوم القيامة كثيرةٌ، فمن ذلك ما روى أبو سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إِذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، قيل: يا أهل الجنة، فيشرئِبُّون وينظرون، وقيل: يا أهل النار فيشرئبُّون وينظرون، فيُجاء بالموت كأنه كبش أملح، فيقال لهم: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: هذا الموت، فيُذبَح، ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت؛ ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: { وأَنذِرهم يومَ الحسرة إِذْ قُضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون } ".
قال المفسرون: فهذه هي الحسرة إِذا ذُبِح الموت، فلو مات أحد فرحاً مات أهل الجنة، ولو مات أحد حزناً مات أهل النار.....
قال ابن جريج عن عمرو بن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس في قوله: { كَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } الآية، قال ابن عباس: ما أشبه الليلة بالبارحة { كَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } هؤلاء بنو إسرائيل، شبهنا بهم، لا أعلم إلا أنه قال: " والذي نفسي بيده لتتبعنهم حتى لو دخل الرجل منهم جحر ضب لدخلتموه " قال ابن جريج: وأخبرني زياد بن سعد عن محمد بن زياد بن مهاجر عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، وباعاً بباع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه " قالوا: ومن هم يا رسول الله أهل الكتاب؟ قال: " فمن؟
" وهكذا رواه أبو معشر عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره، وزاد: قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم القرآن { كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } الآية، قال أبو هريرة: الخلاق: الدين، { وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوۤاْ } قالوا: يا رسول الله كما صنعت فارس والروم؟ قال: " فهل الناس إلا هم؟ " وهذا الحديث له شاهد في الصحيح.
أخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة وابن جرير وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " قال رجل من اليهود بسوق المدينة: والذي اصطفى موسى على البشر. فرفع رجل من الأنصار يده فلطمه قال: أتقول هذا وفينا رسول الله؟ فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " قال الله { ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون } فاكون أوّل من يرفع رأسه، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أرفع رأسه قبلي أو كان ممن استثنى الله عز وجل " ".
وأخرج أبو يعلى والدارقطني في الأفراد وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " سئل جبريل عليه السلام عن هذه الآية { فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله } من الذين لم يشإ الله أن يصعقهم؟ قال: هم الشهداء مقلدون باسيافهم حول عرشه، تتلقاهم الملائكة عليهم السلام يوم القيامة إلى المحشر بنجائب من ياقوت، أزمتها الدر برحائل السندس والإستبرق، نمارها ألين من الحرير، مدَّ خطاها مدَّ أبصار الرجل، يسيرون في الجنة يقولون عند طول البرهة؛ انطلقوا بنا إلى ربنا ننظر كيف يقضي بين خلقه؟ يضحك اليهم إلهي، وإذا ضحك إلى عبد في موطن فلا حساب عليه ".
وأخرج أحمد ومسلم عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يخرج الدجال في أمتي، فيمكث فيهم أربعين يوماً، أو أربعين عاماً، أو أربعين شهراً، أو أربعين ليلة، فيبعث الله عيسى بن مريم عليه السلام كأنه عروة بن مسعود الثقفي، فيطلبه فيهلكه الله تعالى، ثم يلبث الناس بعده سنين ليس بين اثنين عداوة، ثم يبعث الله ريحاً باردة من قبل الشام فلا يبقى أحد في قلبه مثقال ذرة من الإِيمان إلا قبضته حتى لو كان أحدهم في كبد جبل لدخلت عليه.
يبقى شرار الناس في خفة الطير، وأحلام السباع. لا يعرفون معروفاً، ولا ينكرون منكراً، فيتمثل لهم الشيطان فيقول: الا تستجيبون؟ فيأمرهم بالأوثان فيعبدوها وهم في ذلك دارة أرزاقهم، حسن عيشهم. ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا صغى. وأول من يسمعه رجل يلوط حوضه فيصعق، ثم لا يبقى أحد إلا صعق.
ثم يرسل الله مطراً كأنه الطل، فتنبت منه أجساد الناس { ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون } ثم يقال: أيا أيها الناس هلموا إلى ربكم { وقفوهم إنهم مسئولون } [الصافات: 24] ثم يقال: اخرجوا بعث النار فيقال: من كم؟ فيقال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فذلك { يوم يجعل الولدان شيباً } [المزمل: 17] وذلك { يوم يكشف عن ساق } [القلم: 42]
وأخرج البخاري ومسلم وابن جرير وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بين النفختين أربعون. قالوا: يا أبا هريرة أربعون يوماً؟ قال: أبيت قالوا: أربعون شهراً؟ قال: أبيت قالوا: أربعون عاماً؟ قال: أبيت ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل، وليس من الإِنسان شيء إلا يبلى إلا عظماً واحداً وهو عجب الذنب، ومنه يركب الخلق يوم القيامة ".
وأخرج أبو داود في البعث وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ينفخ في الصور والصور كهيئة القرن، فصعق من في السموات ومن في الأرض. وبين النفختين أربعون عاماً، فيمطر الله في تلك الأربعين مطراً، فينبتون من الأرض كما ينبت البقل، ومن الإِنسان عظم لا تأكله الأرض. عجب ذنبه ومنه يركب جسده يوم القيامة ".
وأخرج ابن أبي عاصم في السنة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كل ابن آدم تأكله الأرض إلا عجب الذنب ينبت، ويرسل الله ماء الحياة فينبتون منه نبات الخضر، حتى إذا خرجت الأجساد، أرسل الله الأرواح فكان كل روح أسرع إلى صاحبه من الطرف، ثم ينفخ في الصور { فإذا هم قيام ينظرون } ".
وأخرج ابن المبارك في الزهد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن المنذر وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث عن ابن عمرو، " أن أعرابياً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن { الصور } فقال: " قرن ينفخ فيه " ".
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وأبو يعلى وابن حبان وابن خزيمة وابن المنذر والحاكم وابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن، وحنى جبهته، وأصغى سمعه، ينتظر أن يؤمر فينفخ؟ قال المسلمون: كيف نقول يا رسول الله؟ قال: قالوا { حسبنا الله ونعم الوكيل } [آل عمران: 173] على الله توكلنا ".
وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم عن أوس بن أوس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة؛ فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه نفخة الصور، وفيه الصعقة ".
ملحوظة
اطنب وافاد الامام القرطبي فی التذكرة فی احوال الموتی فی الكلام عن النفختين والاية فليراجع
فشهد تعالى بالإيمان لعمار المساجد؛ كما قال الإمام أحمد: حدثنا شريح، حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث، أن دراجاً أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد، فاشهدوا له بالإيمان " قال الله تعالى: { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَـٰجِدَ اللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلأَخِرِ } ورواه الترمذي وابن مردويه والحاكم في مستدركه من حديث عبد الله بن وهب به....
وقال الإمام أحمد: حدثنا روح، حدثنا سعيد عن قتادة، حدثنا العلاء بن زياد عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الشيطان ذئب الإنسان، كذئب الغنم، يأخذ الشاة القاصية والناحية، فإياكم والشعاب، وعليكم بالجماعة والعامة والمسجد "
وقال السيوطی فی الدر المنثور
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبزار وحسنه والطبراني والبيهقي عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه كتب إلى سلمان: يا أخي، ليكن المسجد بيتك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " المسجد بيت كل تقي " ،
وأخرج أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن للمساجد أوتاداً، الملائكة جلساؤهم، إن غابوا يفتقدونهم، وإن مرضوا عادوهم، وإن كانوا في حاجة أعانوهم، ثم قال: جليس المسجد على ثلاث خصال: أخ مستفاد، أو كلمة محكمة، أو رحمة منتظرة ".
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من بنى مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة ".
وقال ابن جرير في قوله: { يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرِّبَوٰاْ }: وهذا نظير الخبر الذي روي عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الربا وإن كثر، فإن عاقبته تصير إلى قل ".....
وقوله: { وَيُرْبِى ٱلصَّدَقَـٰتِ } قرىء بضم الياء والتخفيف، من ربا الشيء يربو، وأرباه يربيه، أي: كثره، ونماه ينميه، وقرىء يربي بالضم والتشديد من التربية، قال البخاري: حدثنا عبد الله بن منير، أخبرنا كثير سمع أبا النضر، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه، حتى يكون مثل الجبل "
وقد روي عن أبي هريرة من وجه آخر، فقال ابن أبي حاتم: حدثنا عمرو بن عبد الله الأودي، حدثنا وكيع، عن عباد بن منصور، حدثنا القاسم بن محمد قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله عز وجل يقبل الصدقة، ويأخذها بيمينه، فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم مهره، أو فلوه، حتى إن اللقمة لتصير مثل أحد "وتصديق ذلك في كتاب الله: { يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرِّبَوٰاْ وَيُرْبِى ٱلصَّدَقَـٰتِ } وكذا رواه أحمد،
ذكروا لسؤال إبراهيم عليه السلام أسباباً، منها: أنه لما قال لنمرود: { رَبِّيَ ٱلَّذِى يُحْىِ وَيُمِيتُ } أحب أن يترقى من علم اليقين بذلك، إلى عين اليقين، وأن يرى ذلك مشاهدة، فقال: { رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى } فأما الحديث الذي رواه البخاري عند هذه الآية: حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، أخبرني يونس عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، وسعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: رب أرني كيف تحيي الموتى، قال: أو لم تؤمن؟ قال: بلى، ولكن ليطمئن قلبي " وكذا رواه مسلم عن حرملة بن يحيى، عن وهب به، فليس المراد ههنا بالشك، ما قد يفهمه من لا علم عنده بلا خلاف، وقد أجيب عن هذا الحديث بأجوبة أحدها.......
وقال السيوطی فی الدر المنثور
وأخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم وابن ماجة وابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: { رب أرني كيف تحيي الموتى. قال: أولم تؤمن؟ قال: بلى، ولكن ليطمئن قلبي }. ويرحم الله لوطاً لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي ".
وقيل: المراد بقوله: { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } شرح صدره ليلة الإسراء؛ كما تقدم من رواية مالك بن صعصعة، وقد أورده الترمذي ههنا، وهذا وإن كان واقعاً ليلة الإسراء كما رواه مالك بن صعصعة، ولكن لا منافاة؛ فإن من جملة شرح صدره، الذي فعل بصدره ليلة الإسراء، وما نشأ عنه من الشرح المعنوي أيضاً، فالله أعلم.
قال عبد الله بن الإمام أحمد: حدثني محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى البزاز، حدثنا يونس بن محمد، حدثنا معاذ بن محمد بن معاذ بن أبي بن كعب، حدثني أبو محمد بن معاذ عن معاذ عن محمد عن أبي بن كعب: أن أبا هريرة كان جريئاً على أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء لا يسأله عنها غيره، فقال: يا رسول الله ما أول ما رأيت من أمر النبوة؟ فاستوى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً، وقال: " لقد سألت يا أبا هريرة إني لفي الصحراء ابن عشر سنين وأشهر، وإذا بكلام فوق رأسي، وإذا رجل يقول لرجل: أهو هو؟ قال: نعم، فاستقبلاني بوجوه لم أرها قط، وأرواح لم أجدها من خلق قط، وثياب لم أرها على أحد قط، فأقبلا إلي يمشيان حتى أخذ كل واحد منهما بعضدي، لا أجد لأحدهما مساً، فقال أحدهما لصاحبه: أضجعه، فأضجعاني بلا قصر ولا هصر، فقال أحدهما لصاحبه: افلق صدره، فهوى أحدهما إلى صدري ففلقه فيما أرى بلا دم ولا وجع، فقال له: أخرج الغل والحسد، فأخرج شيئاً كهيئة العلقة، ثم نبذها فطرحها، فقال له: أدخل الرأفة والرحمة، فإذا مثل الذي أخرج شبه الفضة، ثم هز إبهام رجلي اليمنى فقال: أعدُ واسلم، فرجعت بها أعدو؛ رقة على الصغير، ورحمة للكبير ".
قال الامام ابن عاشور فى التحرير والتنوير
ويجوز أن يجعل الشرح شرحاً بدنياً. وروي عن ابن عباس أنه فسر به وهو ظاهر صنيع الترمذي إذ أخرج حديث شقِّ الصدر الشريف في تفسير هذه السورة فتكون الآية إشارة إلى مرويات في شَق صدره صلى الله عليه وسلم شقّاً قُدُسياً، وهو المروي بعض خبره في «الصحيحين»، والمروي مطولاً في السيرة والمسانيد، فوقع بعض الروايات في «الصحيحين» أنه كان في رؤيا النوم ورؤيا الأنبياء وحي، وفي بعضها أنه كان يقظة وهو ظاهر ما في «البخاري»، وفي «صحيح مسلم» أنه يقظة وبمرأى من غلمان أترابه، وفي حديث مسلم عن أنس ابن مالك أنه قال: رأيت أثر الشق في جلد صدر النبي صلى الله عليه وسلم وفي بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بين النائم واليقظان، والرواياتُ مختلفة في زمانه ومكانه مع اتفاقها على أنه كان بمكة. واختلاف الروايات حمل بعضَ أهل العلم على القول بأن شق صدره الشريف تكرر مرتين إلى أربع، منها حين كان عند حليمة.
وفي حديث عبد الله بن أحمد بن حنبل أن الشق كان وعمُر النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين.
والذي في «الصحيح» عن أبي ذر أنه كان عند المعراج به إلى السماء، ولعل بعضها كان رؤيا وبعضها حساً. وليس في شيء من هذه الأخبار على اختلاف مراتبها ما يدل على أنه الشرح المراد في الآية، وإذ قد كان ذاك الشق معجزة خارقة للعادة يجوز أن يكون مراداً وهو ما نحاه أبو بكر بن العربي في «الأحكام»، وعليه يكون الصدر قد أطلق على حقيقته وهو الباطن الحاوي للقلب. ومن العلماء فسر الصدر بالقلب حكاه عياض في «الشفا»، يشير إلى ما جاء في خبرِ شق الصدر من إخراج قلبه وإزالة مقر الوسوسة منه، وكلا المعنيين للشرح يفيد أنه إيقاع معنى عظيم لنفس النبي صلى الله عليه وسلم إمَّا مباشرة وإما باعتبار مغزاهُ كما لا يخفى.
وقال الامام السيوطى فى الدر المنثور
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن أبيّ بن كعب أن أبا هريرة قال: يا رسول الله ما أول ما رأيت من أمر النبوّة؟ فاستوى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً وقال: " لقد سألت أبا هريرة إني لفي صحراء ابن عشرين سنة وأشهراً إذا بكلام فوق رأسي وإذا رجل يقول لرجل: أهو هو؟ فاستقبلاني بوجوه لم أرها لخلق قط وأرواح لم أجدها في خلق قط وثياب لم أجدها على أحد قط، فأقبلا إليّ يمشيان حتى أخذ كل واحد منهما بعضدي لا أجد لأخذهما مسّاً فقال أحدهما لصاحبه: أضجعه. فأضجعني بلا قصر ولا هصر، فقال أحدهما: افلق صدره فخوّى أحدهما إلى صدري ففلقه فيما أرى بلا دم ولا وجع، فقال له: أخرج الغل والحسد. فأخرج شيئاً كهيئة العلقة، ثم نبذها، فطرحها، فقال له: أدخل الرأفة والرحمة فإذا مثل الذي أخرج شبه الفضة، ثم هز ابهام رجلي اليمنى. وقال: اغدوا سلم، فرجعت بها أغدو بها رقة على الصغير ورحمة للكبير ".
وقال ابن جرير: حدثني يونس، أخبرنا ابن وهب، أخبرنا عمرو بن الحارث عن دراج، عن أبي الهيثم عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أتاني جبريل فقال: إن ربي وربك يقول: كيف رفعت ذكرك؟ قال: الله أعلم، قال: إذا ذكرت، ذكرت معي " وكذا رواه ابن أبي حاتم عن يونس عن عبد الأعلى به. ورواه أبو يعلى من طريق ابن لهيعة عن دراج. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا أبو عمر الحوضي، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سألت ربي مسألة وددت أني لم أسأله، قلت: قد كان قبلي أنبياء، منهم من سخرت له الريح، ومنهم من يحيي الموتى، قال: يا محمد ألم أجدك يتيماً فآويتك؟ قلت: بلى يا رب قال: ألم أجدك ضالاً فهديتك؟ قلت: بلى يا رب قال: ألم أجدك عائلاً فأغنيتك؟ قلت: بلى يا رب قال: ألم أشرح لك صدرك؟ ألم أرفع لك ذكرك؟ قلت: بلى يا رب " وقال أبو نعيم في " دلائل النبوة ": حدثنا أبو أحمد الغطريفي، حدثنا موسى بن سهل الجوني، حدثنا أحمد بن القاسم بن بهرام الهيتي، حدثنا نصر بن حماد عن عثمان بن عطاء عن الزهري عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما فرغت مما أمرني الله به من أمر السموات والأرض، قلت: يا رب إنه لم يكن نبي قبلي إلا وقد كرمته؛ جعلت إبراهيم خليلاً، وموسى كليماً، وسخرت لداود الجبال، ولسليمان الريح والشياطين، وأحييت لعيسى الموتى، فما جعلت لي؟ قال: أو ليس قد أعطيتك أفضل من ذلك كله؛ أني لا أذكر إلا ذكرت معي، وجعلت صدور أمتك أناجيل يقرؤون القرآن ظاهراً، ولم أعطها أمة، وأعطيتك كنزاً من كنوز عرشي: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم؟ " وحكى البغوي عن ابن عباس ومجاهد أن المراد بذلك الأذان، ....
وقوله تعالى: { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } أخبر تعالى أن مع العسر يوجد اليسر، ثم أكد هذا الخبر. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا حميد بن حماد بن أبي خوار أبو الجهم، حدثنا عائذ بن شريح قال: سمعت أنس بن مالك يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً، وحياله حجر، فقال: " لو جاء العسر فدخل هذا الحجر، لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه " فأنزل الله عز وجل: { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } ورواه أبو بكر البزار في مسنده عن محمد بن معمر، عن حميد بن حماد ولفظه: " لو جاء العسر حتى يدخل هذا الجحر، لجاء اليسر حتى يخرجه " ثم قال: { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } ثم قال البزار: لا نعلم رواه عن أنس إلا عائذ بن شريح.
(قلت): وقد قال فيه أبو حاتم الرازي: في حديثه ضعف، ولكن رواه شعبة عن معاوية بن قرة عن رجل عن عبد الله بن مسعود موقوفاً. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا أبو قطن، حدثنا المبارك بن فضالة عن الحسن قال: كانوا يقولون: لا يغلب عسر واحد يسرين اثنين.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن عبد الأعلى، حدثنا ابن ثور عن معمر عن الحسن، قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوماً مسروراً فرحاً، وهو يضحك، وهو يقول: " لن يغلب عسر يسرين، لن يغلب عسر يسرين، فإن مع العسر يسراً، إن مع العسر يسراً " وكذا رواه من حديث عوف الأعرابي ويونس بن عبيد عن الحسن مرسلاً. وقال سعيد عن قتادة: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر أصحابه بهذه الآية فقال: " لن يغلب عسر يسرين " ومعنى هذا: أن العسر معرّف في الحالين، فهو مفرد، واليسر منكر، فتعدد، ولهذا قال: " لن يغلب عسر يسرين " يعني قوله: { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } فالعسر الأول عين الثاني واليسر تعدد
. وقال الحسن بن سفيان: حدثنا يزيد بن صالح، حدثنا خارجة عن عباد بن كثير عن أبي الزناد عن أبي صالح عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " نزلت المعونة من السماء على قدر المؤونة، ونزل الصبر على قدر المصيبة "...
وقوله تعالى: { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَبْ } أي: إذا فرغت من أمور الدنيا وأشغالها، وقطعت علائقها، فانصب إلى العبادة، وقم إليها نشيطاً فارغ البال، وأخلص لربك النية والرغبة، ومن هذا القبيل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته: " لا صلاة بحضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان " وقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا أقيمت الصلاة، وحضر العشاء، فابدؤوا بالعشاء ....
وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا إبراهيم بن سعد، أخبرني أبي قال: كنت جالساً إلى جنب حميد بن عبد الرحمن في المسجد، فمر شيخ من بني غفار، فأرسل إليه حميد، فلما أقبل قال: يابن أخي وسع فيما بيني وبينك، فإنه قد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء حتى جلس فيما بيني وبينه، فقال له حميد: ما الحديث الذي حدثتني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال له الشيخ: سمعت عن شيخ من بني غفار: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله ينشىء السحاب، فينطق أحسن النطق، ويضحك أحسن الضحك " والمراد - والله أعلم - أن نطقها الرعد، وضحكها البرق. وقال موسى بن عبيدة عن سعد ابن إبراهيم قال: يبعث الله الغيث، فلا أحسن منه مضحكاً، ولا آنس منه منطقاً، فضحكه البرق، ومنطقه الرعد.....
وقال الإمام أحمد: حدثنا سليمان بن داود الطيالسي، حدثنا صدقة بن موسى حدثنا محمد بن واسع عن شتير ابن نهار، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " قال ربكم عز وجل: لو أن عبيدي أطاعوني، لأسقيتهم المطر بالليل، وأطلعت عليهم الشمس بالنهار، ولما أسمعتهم صوت الرعد " وقال الطبراني: حدثنا زكريا بن يحيى الساجي، حدثنا أبو كامل الجحدري، حدثنا يحيى بن كثير أبو النضر، حدثنا عبد الكريم، حدثنا عطاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إِذا سمعتم الرعد، فاذكروا الله؛ فإنه لا يصيب ذاكراً " وقوله تعالى: { وَيُرْسِلُ ٱلصَّوَٰعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ } أي: يرسلها نقمة ينتقم بها ممن يشاء، ولهذا تكثر في آخر الزمان، كما قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن مصعب، حدثنا عمارة عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تكثر الصواعق عند اقتراب الساعة، حتى يأتي الرجل القوم فيقول: من صعق قبلكم الغداة؟ فيقولون: صعق فلان وفلان وفلان " وقد روي في سبب نزولها ما رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا إسحاق، حدثنا علي بن أبي سارة الشيباني، حدثنا ثابت عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً مرة إلى رجل من فراعنة العرب، فقال: " اِذهب فادعه لي " قال: فذهب إليه فقال: يدعوك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: من رسول الله، وما الله، أمن ذهب هو، أم من فضة هو، أم من نحاس هو؟ قال: فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: يا رسول الله قد أخبرتك أنه أعتى من ذلك، قال لي كذا وكذا، فقال لي: " ارجع إليه الثانية " فذهب، فقال له مثلها، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله قد أخبرتك أنه أعتى من ذلك، فقال: " ارجع إليه فادعه " فرجع إليه الثالثة، قال: فأعاد عليه ذلك الكلام، فبينما هو يكلمه، إذ بعث الله عز وجل سحابة حيال رأسه، فرعدت، فوقعت منها صاعقة، فذهب بقحف رأسه، فأنزل الله عز وجل: { وَيُرْسِلُ ٱلصَّوَٰعِقَ } الآية،...
وقال السيوطی فی الدر المنثور
وأخرج مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بينما رجل في فلاة من الأرض، فسمع صوتاً في سحابة: اسق حديقة فلان، فتنحى ذلك السحاب، فأفرغ ماءه في حرة فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبع الماء، فإذا هو رجل قائم في حديقة يحوّل الماء بمسحاته، فقال له: يا عبد الله، ما اسمك؟ فقال: فلان - للإسم الذي سمع في السحابة - فقال له: لم سألتني عن اسمي؟! قال: سمعت في السحاب الذي هذا ماؤه، اسق حديقة فلان لإِسمك بما تصنع فيها. قال: أما إذ قلت هذا، فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثاً، وأرد فيه ثلثه ".
ملحوظة
جاء فی الحديث
أَقْبَلَتْ يهودُ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، فقالوا : يا أبا القاسِمِ أَخْبِرْنا عن الرَّعْدِ ، ما هو ؟ قال : مَلَكٌ من الملائكةِ مُوَكَّلٌ بالسَّحَابِ ، معه مَخَارِيقُ من نارٍ يَسُوقُ بها السَّحابَ حيثُ شاء اللهُ . فقالوا : فما هذا الصوتُ الذي نَسْمَعُ ؟ قال : زَجْرُهُ بالسَّحَابِ إذا زَجَرَه حتى يَنْتَهِيَ إلى حيثُ أُمِرَت . قالوا : صَدَقْتَ . فقالوا : فأَخْبِرْنا عَمَّا حَرَّمَ إسرائيلُ على نَفْسِهِ . قال : اشْتَكَى عِرْقَ النَّسَا فلم يَجِدْ شيئًا يُلَائِمُهُ إلا لُحُومَ الإبِلِ وألبانَها ، فلذلك حَرَّمَها . قالوا : صَدَقْتَ
هذا قسم من الله تبارك وتعالى بمكة أم القرى، في حال كون الساكن فيها حالاً؛ لينبه على عظمة قدرها في حال إحرام أهلها، قال خصيف عن مجاهد: { لآ أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } (لا) رد عليهم. أقسم بهذا البلد. وقال شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس: { لآ أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } يعني: مكة { وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } قال: أنت يا محمد يحل لك أن تُقاتِلَ به، وكذا روي عن سعيد بن جبير وأبي صالح وعطية والضحاك وقتادة والسدي وابن زيد، وقال مجاهد: ما أصبت فيه، فهو حلال لك، وقال قتادة: { وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } قال: أنت به من غير حرج ولا إثم، وقال الحسن البصري: أحلها الله له ساعة من نهار،
وهذا المعنى الذي قالوه ورد به الحديث المتفق على صحته: " إن هذا البلد حرَّمه الله يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شجره، ولا يختلى خلاه، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، ألا فليبلغ الشاهد الغائب "...
وقوله: { وَقُرْءَانَ ٱلْفَجْرِ } يعني: صلاة الفجر، وقد بينت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تواتراً من أفعاله وأقواله بتفاصيل هذه الأوقات على ما عليه أهل الإسلام اليوم مما تلقوه خلفاً من سلف، وقرناً بعد قرن؛ كما هو مقرر في مواضعه، ولله الحمد. { إِنَّ قُرْءَانَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا } قال الأعمش عن إبراهيم عن ابن مسعود، وعن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية: { وَقُرْءَانَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْءَانَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا } قال: " تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار " وقال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة، وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر " يقول أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم { وَقُرْءَانَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْءَانَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا }.....
ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه، ثلاثتهم عن عبيد بن أسباط بن محمد عن أبيه به، وقال الترمذي: حسن صحيح. وفي لفظ في " الصحيحين " من طريق مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وفي صلاة العصر، فيعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم ربهم، وهو أعلم بكم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون " ....
ولنذكر الآن الأحاديث الواردة في المقام المحمود وبالله المستعان:....
قال ابن جرير: حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، حدثنا شعيب بن الليث، ثنا الليث عن عبيد الله بن أبي جعفر، أنه قال: سمعت حمزة بن عبد الله بن عمر يقول: سمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الشمس لتدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن، فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم فيقول: لست بصاحب ذلك، ثم بموسى، فيقول كذلك، ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم فيشفع بين الخلق، فيمشي حتى يأخذ بحلقة باب الجنة، فيومئذ يبعثه الله مقاماً محموداً " وهكذا رواه البخاري في الزكاة عن يحيى بن بكير، وعلقمة عن عبد الله بن صالح، كلاهما عن الليث بن سعد به، وزاد. " فيومئذ يبعثه الله مقاماً محموداً، يحمده أهل الجمع كلهم " قال البخاري: حدثنا علي بن عياش، حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة " انفرد به دون مسلم....
قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، حدثنا قتادة عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يجتمع المؤمنون يوم القيامة، فيلهمون ذلك، فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا فأراحنا من مكاننا هذا، فيأتون آدم فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، فاشفع لنا إلى ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا، فيقول لهم آدم: لست هناكم، ويذكر ذنبه الذي أصاب، فيستحيي ربه عز وجل من ذلك، ويقول: ولكن ائتوا نوحاً؛ فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض، فيأتون نوحاً فيقول: لست هناكم، ويذكر خطيئة سؤاله ربه ما ليس له به علم، فيستحيي ربه من ذلك، ويقول: ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمن، فيأتونه فيقول: لست هناكم، لكن ائتوا موسى عبداً كلمه الله وأعطاه التوارة، فيأتون موسى فيقول: لست هناكم، ويذكر لهم النفس التي قتل بغير نفس، فيستحيي ربه من ذلك، ويقول: ولكن ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وكلمته وروحه، فيأتون عيسى فيقول: لست هناكم، ولكن ائتوا محمداً عبداً غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتوني - قال الحسن هذا الحرف - فأقوم فأمشي بين سماطين من المؤمنين - قال أنس - حتى أستأذن على ربي، فإذا رأيت ربي، وقعت له - أو خررت - ساجداً لربي، فيدعني ما شاء الله أن يدعني - قال - ثم يقال: ارفع محمد، قل يسمع، واشفع تشفع، وسل تعطه، فأرفع رأسي فأحمده بتحميد يعلمنيه، ثم أشفع، فيحد لي حداً فأدخلهم الجنة، قال: ثم أعود إليه ثانية، فإذا رأيت ربي، وقعت له أو خررت ساجداً لربي، فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقال: ارفع محمد قل يسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأرفع رأسي، فأحمده بتحميد يعلمنيه، ثم أشفع، فيحد لي حداً فأدخلهم الجنة، قال: ثم أعود الثالثة، فإذا رأيت ربي وقعت - أو خررت - ساجداً لربي، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقال: ارفع محمد، قل يسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأرفع رأسي، فأحمده بتحميد يعلمنيه، ثم أشفع، فيحد لي حداً فأدخلهم الجنة، ثم أعود الرابعة فأقول: يا رب ما بقي إلا من حبسه القرآن " ، فحدثنا أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " فيخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن برة، ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة "...
وقال الإمام أحمد: حدثنا يونس بن محمد، حدثنا حرب بن ميمون أبو الخطاب الأنصاري عن النضر بن أنس، عن أنس قال: حدثني نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: " إني لقائم أنتظر أمتي تعبر الصراط، إذ جاءني عيسى عليه السلام فقال: هذه الأنبياء قد جاءتك يا محمد يسألون - أو قال: يجتمعون إليك - ويدعون الله أن يفرق بين جميع الأمم إلى حيث يشاء الله؛ لغم ما هم فيه، فالخلق ملجمون بالعرق، فأما المؤمن فهو عليه كالزكمة، وأما الكافر فيغشاه الموت، فقال: انتظر حتى أرجع إليك، فذهب نبي الله صلى الله عليه وسلم فقام تحت العرش، فلقي ما لم يلق ملك مصطفى، ولا نبي مرسل، فأوحى الله عز وجل إلى جبريل: أن اذهب إلى محمد، وقل له: ارفع رأسك، سل تعط، واشفع تشفع، فشفعت في أمتي أن أخرج من كل تسعة وتسعين إنساناً واحداً، فما زلت أتردد إلى ربي عز وجل، فلا أقوم منه مقاماً إلا شفعت حتى أعطاني الله عز وجل، من ذلك أن قال: يا محمد أدخل من أمتك من خلق الله عز وجل من شهد أن لا إله إلا الله يوماً واحداً مخلصاً، ومات على ذلك "....
قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن عبد ربه، حدثنا محمد بن حرب، حدثنا الزبيدي عن الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن كعب بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يبعث الناس يوم القيامة، فأكون أنا وأمتي على تل، ويكسوني ربي عز وجل حلة خضراء، ثم يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن أقول، فذلك المقام المحمود ".....
يقول تعالى مخبراً عن نبيه لوط عليه السلام: إن لوطاً توعدهم بقوله: { لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً } الآية، أي: لكنت نكلت بكم، وفعلت بكم الأفاعيل بنفسي وعشيرتي، ولهذا ورد في الحديث من طريق محمد بن عمرو بن علقمة بن أبي سلمة عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " رحمة الله على لوط، لقد كان يأوي إِلى ركن شديد - يعني: الله عز وجل - فما بعث الله بعده من نبي إِلا في ثروة من قومه ".....
وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يدعى نوح يوم القيامة، فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيدعى قومه، فيقال لهم: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، وما أتانا من أحد، فيقال لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، قال: فذلك قوله: { وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } قال: والوسط: العدل، فتدعون، فتشهدون له بالبلاغ، ثم أشهد عليكم " رواه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه من طرق عن الأعمش،.....
وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" يجيء النبي يوم القيامة ومعه الرجلان وأكثر من ذلك، فيدعى قومه، فيقال: هل بلغكم هذا؟ فيقولون: لا، فيقال له: هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم، فيقال: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فيدعى محمد وأمته، فيقال لهم: هل بلغ هذا قومه؟ فيقولون: نعم، فيقال: وما علمكم؟ فيقولون: جاءنا نبينا، فأخبرنا أن الرسل قد بلغوا، فذلك قوله عز وجل: { وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } قال: عدلاً { لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } ....
إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة من السبي قد فرق بينها وبين ولدها، فجعلت كلما وجدت صبياً من السبي أخذته فألصقته بصدرها، وهي تدور على ولدها، فما وجدته ضمته إليها، وألقمته ثديها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أترون هذه طارحة ولدها في النار، وهي تقدر على أن لا تطرحه " ؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: " فوالله لله أرحم بعباده من هذه بولدها ".
وقال السيوطی فی الدر المنثور
وأخرج الطيالسي وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي والحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أنس قال: " مروا بجنازة فأثني عليه خير فقال النبي صلى الله عليه وسلم " وجبت وجبت وجبت " ، ومر بجنازة فأثني عليه بشر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت وجبت. فسأله عمر...؟ فقال: من أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شراً وجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض. زاد الحكيم الترمذي ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس } ".
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري والترمذي والنسائي عن عمر: أنه مرت به جنازة فأثني على صاحبها خير فقال: وجبت وجبت، ثم مر بأخرى فأثني شر فقال عمر: وجبت. فقال أبو الأسود: وما وجبت؟ قال: قلت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة. فقلنا: وثلاثة...؟ فقال: وثلاثة. فقلنا: واثنان...؟ فقال: واثنان، ثم لم نسأله عن الواحد ".
وأخرج أحمد وابن ماجة والطبراني والبغوي والحاكم في الكنى والدارقطني في الافراد والحاكم في المستدرك والبيهقي في سننه عن أبي زهير الثقفي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبناوة يقول " يوشك أن تعلموا خياركم من شراركم. قال: بم يا رسول الله؟ قال: بالثناء الحسن والثناء السيء، أنتم شهداء الله في الأرض ".
وقد قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: حدثنا ابن نمير، حدثنا حجاج بن دينار عن أبي غالب عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه، إلا أورثوا الجدل " ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: { مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ }
أحدها: تذهب شدَّتكم، قاله أبو صالح عن ابن عباس. وقال السدي: حِدَّتكم وجدُّكم. وقال الزجاج: صولتكم وقوتكم.
والثاني: يذهب نصركم، قاله مجاهد، وقتادة.
والثالث: تتقطَّع دولتكم، قاله أبو عبيدة. وقال ابن قتيبة: يقال: هبَّت له ريح النصر إذا كانت له الدولة. ويقال: له الريح اليوم، أي: الدولة.
والرابع: أنها ريح حقيقة، ولم يكن نصر قط إلا بريح يبعثها الله فتضرب وجوه العدو؛ ومنه قوله عليه السلام " نُصِرتُ بالصَّبا، وأُهْلِكتْ عادٌ بالدَّبور " وهذا قول ابن زيد، ومقاتل.
وقيل: المراد لا تفتح لأرواحهم أبواب السماء، رواه الضحاك عن ابن عباس، وقاله السدي وغير واحد،
ويؤيده ما قاله ابن جرير: حدثنا أبو كريب، حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن المنهال، هو ابن عمرو، عن زاذان، عن البراء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر قبض روح االفاجر، وأنه يصعد بها إلى السماء، فيصعدون بها، فلا تمر على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الخبيثة؟ فيقولون: فلان، بأقبح أسمائه التي كان يدعى بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء، فيستفتحون بابها له، فلا يفتح له، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَٰبُ ٱلسَّمَآءِ } الآية، هكذا رواه، وهو قطعة من حديث طويل رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من طرق عن المنهال بن عمرو، به.
وقد رواه الإمام أحمد بطوله فقال: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش عن المنهال بن عمرو، عن زاذان، عن البراء بن عازب قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله، كأن على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكت به في الأرض، فرفع رأسه، فقال: " استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثاً ثم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال إلى الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مدّ البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان قال فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء، فيأخذها، فإذا أخذها، لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها، فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الطيبة؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا به إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له، فيفتح له، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها، حتى ينتهي بها إلى السماء السابعة، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض؛ فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى "
قال: " فتعاد روحه، فيأتيه ملكان، فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولان له: وما عملك؟ فيقول: قرأت كتاب الله، فآمنت به وصدقت، فينادي مناد من السماء: أن: صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد البصر قال ويأتيه رجل حسن الوجه وحسن الثياب طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: من أنت، فوجهك الوجه يجيء بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقم الساعة، رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي
قال: وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال إلى الآخرة، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح، فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب، قال: فتفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الخبيثة؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا، فيستفتح،
فلا يفتح له ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَٰبُ السَّمَآءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلْجَمَلُ فِى سَمِّ ٱلْخِيَاطِ } فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى، فتطرح روحه طرحاً ثم قرأ: { وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ أَوْ تَهْوِى بِهِ ٱلرِّيحُ فِى مَكَانٍ سَحِيقٍ } فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري، فيقولان: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري، فيقولان: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري، فينادي مناد من السماء: أن: كذب عبدي، فأفرشوه من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوؤك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت، فوجهك الوجه يجيء بالشر؟ فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: رب لا تقم الساعة "
لاحظ ايضا اخى الحبيب ما جاء فى الحديث الطويل الذى اوردته فى الجوهرة قبل الاخيرة
فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى، فتطرح روحه طرحاً ثم قرأ: { وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ أَوْ تَهْوِى بِهِ ٱلرِّيحُ فِى مَكَانٍ سَحِيقٍ }