الجكني
مشارك نشيط
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد ..
فقد كتب أحد أعضاء ملتقى أهل التفسير ـ واسمه الحسن بن ماديك ـ موضوعًا بعنوان : المستدرك على السلاسل الذهبية ، وكتاب السلاسل الذهبية هو لفضيلة العلامة المقرئ الشيخ / أيمن رشدي سويد حفظه الله تعالى .
ولما اطلعتُ على كلام صاحب المستدرك ـ الذي مطَّه مطًّا كعادتِه ـ رأيت أمرًا عجبًا ، فإني رأيت رجلًا يتَّهم غيرَه أنه اعتمد على نسخةِ كتابٍ بها أسقاطٌ وأغلاطٌ ، ثم هو ينقُل من النسخة نفسِها ، ثم إني رأيته يردِّدُ ويعيد أن في النشر سقطًا عريضًا ، فها هو يقول : ( ولعلها النسخة المطبوعة القديمة التي حققها الشيخ علي محمد الضباع .. الذي قرأ كتاب النشر ... قراءة ابتدائية لم تنتبه إلى ما فيه ، تفتقر إليه ؟؟ من صفحات وفقرات بكاملها حذفت بعوادي الدهر أو سقطت من النساخ ) لما قرأتُ هذا الكلامَ ظننتُ في أول وهلةٍ أن قائلَه لديه أدلة قطعيةٌ على ما يقول ، كأن يكونَ رجع إلى نسخةٍ خطية موثَّقة ، بأن تكونَ مقابلةً أو مقروءةً على المصنف أو أحد العلماء مثلًا ، لكن خابَ أملي لما رأيتُه يقول : ( ويستدل من خبر هذا الفن ودراه عليها بالسياق ) فأيَّ فن يقصِد ؟ إنَّ فنَّ تحقيقِ النصوص يقول بالرجوع إلى نسخٍ موثَّقةٍ لذلك الكتابِ كما قدمتُ ، فإن كانت كذلك فلتقابلْ للحصول على الصورةِ التي ترك المؤلفُ كتابَه عليها أو أقربِ صورةٍ منها كما هو معلوم ، أما تلك النسخُ التي بين يديه فما أبأسَها به إن كانت جيدةً كما يقول ! فهو يخَطِّئ ما أطبَقتْ عليه كلُّها ولا يُبالي ، فبعد ثبوت كلمة ( الداني ) فيها ، كما يظهر من كلامه ، قال ـ في (7مكرر) عند استدراكه على طريق دوري أبي عمرو رقم (287) ـ ( وسبب التصحيف من الناسخين المتأخرين عن ابن الجزري أن لفظ ( الداني ) إنما جاء به بعض النساخ بدل لفظ ( الحافظ ) وشجع الناسخ قول ابن الجزري قرأ بها على أبي الفتح ) فيا عجبا ! أهكذا تورَدُ يا سعدُ الإبل ؟ أكلُّ النُّساخِ شجَّعهم أن ( الحافظ ) قرأ على أبي الفتح فأبدلوه ( بالداني ) ؟ ما أعلمَ النساخَ إذًا ! إنَّ ذلك لو كان احتمالًا لرُدَّ على قائله ، فها هو قد جزم به ، ليته اكتفى بما علق الشيخ به على هذه الطريق ؛ فإنه الأمانةُ العلميةُ بعينها .
إنَّ التساهُلَ في نسبةِ التحريفِ والسَّقطِ بلا بينةٍ إلى كتابٍ أُطلِقَ عليه بخاريُّ القراء ، يوجد منه فوق تسعين نسخةٍ معروفةٍ في العالم ، ثم التجرُّؤُ على نصه ، وترقيعُه من وحْيِ الفكرِ لتعدٍّ خطيرٌ ، ولا يوصفُ بأكثرَ من ذلك ، وهذا إذا أراده أحد بكتاب من كتب العربية الشهيرة ككتاب سيبويهِ أو مفصَّل الزمخشريِّ مثلًا ، لقام عليه الناس ، إذ هو طعنٌ في ميراثِ الأمَّةِ يأباه كل حُرٍّ ، فكتابُ الله وما يتعلقُ به أولى بذلك .
ولستُ بحاجة لأن أذكرَ لك أني رأيتُ عدةَ نسخٍ خطيةٍ نفيسةٍ كاملةٍ ولم أجد أثرًا لما ادَّعيتَ من السقط ، فأنت المدَّعي ، والبينةُ على من ادَّعى ، ودَعْ أن تقول : ( ويستدل من خبر هذا الفن ودراه عليها بالسياق ) فلا بينةَ في ذلك )، أما نسخُك الخطية فلم تعترف أنت بها ، فغيرك بذلك أولى .
ولك عليَّ أنت والناظرُ في كلامي أني إن نقلتُ من كتابٍ أو أحلتُ عيه ، فإنه كما ذكرتُ في مخطوطِه قبل المحقَّق منه ، والله الهادي .
قال في المستدرَك (1) : ( نسيها الدكتور أيمن تقليدا منه ـ في أحسن الاحتمالات وأحسن المخارج ـ النسخة المتوفرة من كتاب النشر ولعلها النسخة المطبوعة القديمة التي حققها الشيخ علي محمد الضباع شيخ عموم المقارئ ) .
أقول : لعل المستدرِك لا يعرف أن الشيخ يحقِّقُ النشرَ على أربع نسخٍ خطيةٍ إحداها مقروءةٌ على المصنف مرتَين ، وثانيةٌ مقابلةٌ على نسخة بخطِّه ، فالشيخ ـ سلمه الله ـ لا يعتمدُ النسخة المطبوعة ؛ لأن ذلك لا يناسب مستواه العلميَّ وتاريخَه في تحقيق النصوص ، ثم ألم ير المستدرِكُ في كتاب السلاسل ص 33ـ93 ما رجع الشيخ إليه من مخطوطاتِ أصول النشر ؟ أيقلدُ مثلُ هذا الرجل مثلَ تلك النسخة؟ ما دام المستدرك نفسُه يخطِّئُ نسخَه التي ذكرها في (7 مكرر) ، فهلا أحسن الظن بالشيخ وقال : لعله رجع إلى نسخة كنسختي ، بدلًا من أن يتقعَّرَ ويقولَ أنَّ الشيخَ ـ في أحسن الاحتمالات وأحسن المخارج ـ قلَّد المطبوعة ! .
وقد قسم ملاحظاتِه أو استدراكاتِه إلى نوعَين : عام وخاص .
أما العامة فقال فيها : ( 1 ـ تخصيص الكتاب بابتعاده عن تقريب تحرير الطرق والتعريف به ليسهل تمرير ما تضمنت السلاسل الذهبية من التدليس على العوام بإيهامهم أن كل رواية وحدة متكاملة منزلة هكذا تفصيلا في كل حرف منها وهو ما نأى عنه أئمة القراءات قديما ) اهـ .
قلت : إن ما في كتاب السلاسل الذهبية من أسانيدَ ومشجراتٍ موافق لما في كتب أصول النشر ، المخطوطِ منها قبل المحقَّق ، فإن كان ما في هذا تدليسًا فما في تلك كذلك ، فالمشجرات لا تتضمن إلا تبيينَ الطرق النشرية وعزوَها لكتبها وترقيمَها ، لتسهُلَ مراجعةُ الأسانيد عند تحرير أوجه الخلاف ، فهي خدمة جليلة لكتاب النشر ، لا يفهم منها من قريب ولا من بعيد أن كل رواية منزلة هكذا تفصيلًا كما زعم المستدرِك.
ثم ما هي العلاقة بين تعريف التحرير وتقريبه وبين تشجير الأسانيد ؟ وما العلاقة بين التشجير وفصل الرواية من القياس ؟ ألم يقرأ كل واحد على شيخه وهكذا إلى منتهى الإسناد كما في مشجرات السلاسل ؟ أتجدُ في تلك الأسانيدِ زيادةَ حرفٍ أو حركةٍ في كتابِ الله ؟ .
وماذا في نصَّي مكيٍّ اللذَينِ نقلتَهما من هدية ؟ إنه كلامٌ يعرفه طويلبُ علم القراءات ، فلتفرق أنت ـ يا شيخُ ـ بين تلك الأقسام التي ذكرها مكيٌّ إن استطعت .
يا لله ، ما أشنعَ التكلُّف !! كأنك تعني أن أسانيدَنا غيرُ متصلة بالنبيِّ ج حتى يفرَّق بين الرواية والقياس ، فلتخبرْني من سبقكَ إلى هذا الكلام ؟ ومن تختاره ـ يا تُرى ـ ليكونَ منتهى سندِنا ؟ ألم يقل الجزريُّ رحمه الله : ( وأعلى ما وقع لنا باتصال تلاوة القرآن ، على شرط الصحيح عند أئمة هذا الشان ، أن بيني وبين النبيِّ ج أربعةَ عشرَ رجلًا ) ؟ فلم المِراءُ في القرآن ؟ .
أما قوله : ( وليته انشغل ( يعني الشيخ ) بدل هذا الادعاء بتحرير طرق كل رواية على حدة ) فتطاوُلٌ لا داعيَ له ، وهو كقوله : ( وليته انشغل بتقصي الزيادات المقروءة وإظهارها .. قبل أن يوصله بالنبي عن جبريل عن رب العزة ) لأنك تراه يخرج فيه من نقد الكتاب إلى نقد صاحبه ، مع أن كتاب السلاسل ليس موضوعُه تحريرَ الطرق ، وهذا واضح من اسمه لمن يعرف العربية .
إن تلك الفكرةَ التي سيطرتْ على المستدرِك ـ أعني كونَ السلاسلِ كتابَ تحرير ـ أطالت عليه البحث ، وقوله ـ عند الكلام على ذوات الياء الواقعة في رءوس الآي للأزرق ـ : ( أما الشهادة كما في السلاسل الذهبية أن الخاقانيَّ تلقاها من شيوخه مسلسلة إلى النبي ..الخ ) خير دليل ، وأنا أسأله : هل تجدُ في كتاب السلاسل أن الخاقانيَّ قرأ بالفتح على شيوخه ؟ أو أن فلانًا قرأ كذا ؟ فلم تتعبُ نفسَك وتطيلُ الكلام وتقول : ( أنه لم يفصِّل ولو مرة واحدة ما أجمله ابن الجزري من طرق المصنفين في نشره أحرف الخلاف كقوله : وغيرهم ) وشبهَ هذه العبارات ؟ .
قال الشيخُ المستدرِك : ( 2 - الاقتصار على الأسانيد العامة والتي لا تتطلب جهدا وهي تسمية أسانيده إلى ابن الجزري وهذا من عمل أي إملاء أو خط شيوخ كل مجاز ) اهـ . قلت : إن تلك الأسانيد العامةَ التي يزعم أنها لا تحتاج إلى جهد قد وقع في بعضها من التحريفِ والتركيبِ ما الله به عليم ، وذلك معروفٌ يقِرُّ به من عنده أدنى قدرٍ من الإنصاف ، وقد قرأ شيخُنا ـ كما هو معلومٌ ـ على مشايخ الدنيا في الإقراء ، وتوفر عنده من الإجازات الخطية وكتبِ التراجمِ مع الفَهْمِ الثاقبِ والدِّرايةِ التامةِ والأمانةِ العلميةِ ما كان سببًا في تصحيح هذه الأغلاط ، ثم إن السلاسل أضاف وفَياتِ شيوخِ الإسنادِ المتوفرةَ وزياداتٍ في أسمائهم وأنسابهم ، أكلُّ هذا من عمل أي إملاء أو خط شيوخ المجاز ؟ إنني لا أستحيي أن أذكِّرَك أن ابن الجزريِّ نص على أن أكثرَ القراءِ لا علمَ لهم بالأسانيد .
قال : ( اقتصاره على تسمية أسانيد ابن الجزري إلى أمهات كتابه النشر وهذا من عمل ابن الجزري نفسه في كتابه النشر ) اهـ قلت : نعم هذا من عمل ابن الجزريِّ ـ وكذا الكتابُ كلُّه خلا ترقيعاتِك ـ لكنَّ ابن الجزريِّ رحمه الله دعى الكتبَ الجفَلى غيرَ مرتبةٍ ، فكانت بحاجة إلى ترتيبها أبجديًّا ليسهُلَ الرجوع إليها ، والاطلاعُ على ما كان منها بتلاوة القرآن أو بقراءة الكتاب أو سماعه أو الإجازة فيه ، ليُعلَمَ ما على شرْطِه وما ليس عليه منها ، وانظر ص 194 من السلاسل حتى تعلمَ ما فائدة تسميةِ أسانيد الجزري إلى أمهات النشر ، فإنك ستجد أنَّ لابن الجزري طريقًا واحدةً إلي ( الحافظ السِّلفيِّ ) ليست على شرطِه في انتقاء طرقه ؛ لأنها بإجازة السِّلفيِّ للكمالِ الضرير ، كما أنها بكتاب المستنير ، ولا يعلَمُ للكمال الضَّريرِ عن السِّلَفِيِّ حرفٌ فوق ذلك ، فما ذكرتَ في (7) مكرر محضُ غلطٍ ، ولتراجع النشرَ وغايةَ النهاية إن شئت .
قال : ( 3 - أنه لم يقم بتمييز الطرق التي حواها النشر ـ كلما نشر حرفا من أحرف الخلاف ـ وليست من طرقه بل هي للحكاية والعلم وهذا هو الجديد المفيد المستدرك الذي أضيفه لخدمة هذا العلم الشريف ) قلت : تقدمَ أن الكتابَ لم يوضع لهذا ، ثم إن من يضيفُ الجديدَ المفيدَ المستدرَك إلى هذا العلم عيبٌ في حقِّه أن يعزوَ إلى طبعاتٍ تِجارية ، وجودُها كعدمِه ، أعوزتْه أن يرجعَ عن كلامٍ طويل كتبه في الجزء (7) بخصوص طريق دوري أبي عمرو رقم ( 272 ) فيا ضيعة الأعمار ! لا أدري لم رجعتَ عن هذا الكلام ؟ ألأن أبا الحسنِ ( الجلاء ) كان في نسختِك ( الجلَّاد ) بالدال ولم تُبيِّن ذلك ؟ أم لأن الواو الساقطة في جامع البيان بينه وبين عبد الله بن الحسين سقطت من طبعتِك وحدَك ؟ أم لأنك رأيتَ أن تصويبَك طريقَ السلاسل ، وإضافةَ السامَرِّيِّ إليه ، بعد قول الجزريِّ : ( طريقُ أبي الحسن الجلاء ) مخالفةٌ صريحةٌ لنصِّ النشر ؟ .
لكن فاتكَ أن ادِّعاءَ سقوطِ ( أبي سلمةَ الحمراوِيِّ ) كادِّعاء سقوط ( السامَرِّيِّ ) تمامًا ، وأنه لا فائدة في إضافة ( أبي سلمة ) إلى ( الأنماطيِّ ) إذ شيخُهما واحد ، وعادةُ الجزريِّ الاكتفاءُ بواحد فقط في مثل تلك الحالة ، إذ لا فائدة من ذكر الآخَر ، فكأني بك تحب ترديد هذه الكلمة أعني كلمةَ : ( هناك سقط ) ، هلَّا فعلتَ ذلك في كتابٍ غيرِ النشرِ والسلاسل ، أما عن سبب سقوط الواو بين ( الأنماطيِّ ) و ( أبي سلمة ) فإنك تجدُه في قولك : ( ط دار الحديث ) فهي في نُسَخِي ثابتة .
إن تحرير مسائلِ النشر ليس كما تظن ، فالأمر أكبرُ من ذلك ، فإن كانت أصولُك صحيحةً وكنتَ من أهل الرَّوِيِّةِ فائتِنا ، وإلاَّ فما تأتينا فتحدثَنا .
وعلى مذهب الشيخِ المستدرِك فلا يوجدُ طرقٌ للحكاية والعلم ، فإنه كلما ذكر الجزريُّ كتابًا ـ لم يذكرْه عند عَدِّ طرقِه المنتقاة ـ عند أحرف الخلاف قال : سقط هذا الطريقُ من طرقِ فلان ، فماذا هو فاعل في قولِ ابنِ الجزريِّ ـ بعد ذكر طرق الراوي ـ ( فهذه كذا طريقًا عن فلان ) أكلُّ ما جاء من ذلك محرف أيضًا ؟! .
إن معنى الحكاية هو حكاية ما ليس على شرط المصنف ، وإن كان المصنف يرويه بسنده ، لكن لما كان بعض ما رواه ليس على شرطه عُدَّ ذكره له من باب الحكاية والتقوية ، ولنأخذ مثلًا قول الجزري في النشر عند كلمة ( شركائي ) للبزيِّ ، فقد فقال في الفقرة 3417 : ( وانفرد الداني عن النقاش عن أصحابه عن البزيِّ بحكاية ترك الهمز فيه وهو وجه ذكره حكاية لا رواية... نعم قرأ بترك الهمز فيه على أبي الحسن ولكن من طريق مضرَ والجنديِّ عن البزيِّ ) اهـ فأنت ترى ابنَ الجزري يذكرُ أن الدانيَّ ذكر عدمَ الهمزِ حكايةً ، مع أن الدانيَّ قد قرأ به وله به إسناد ، كما في جامع البيان (ط الشارقة 3/1272) .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد ..
فقد كتب أحد أعضاء ملتقى أهل التفسير ـ واسمه الحسن بن ماديك ـ موضوعًا بعنوان : المستدرك على السلاسل الذهبية ، وكتاب السلاسل الذهبية هو لفضيلة العلامة المقرئ الشيخ / أيمن رشدي سويد حفظه الله تعالى .
ولما اطلعتُ على كلام صاحب المستدرك ـ الذي مطَّه مطًّا كعادتِه ـ رأيت أمرًا عجبًا ، فإني رأيت رجلًا يتَّهم غيرَه أنه اعتمد على نسخةِ كتابٍ بها أسقاطٌ وأغلاطٌ ، ثم هو ينقُل من النسخة نفسِها ، ثم إني رأيته يردِّدُ ويعيد أن في النشر سقطًا عريضًا ، فها هو يقول : ( ولعلها النسخة المطبوعة القديمة التي حققها الشيخ علي محمد الضباع .. الذي قرأ كتاب النشر ... قراءة ابتدائية لم تنتبه إلى ما فيه ، تفتقر إليه ؟؟ من صفحات وفقرات بكاملها حذفت بعوادي الدهر أو سقطت من النساخ ) لما قرأتُ هذا الكلامَ ظننتُ في أول وهلةٍ أن قائلَه لديه أدلة قطعيةٌ على ما يقول ، كأن يكونَ رجع إلى نسخةٍ خطية موثَّقة ، بأن تكونَ مقابلةً أو مقروءةً على المصنف أو أحد العلماء مثلًا ، لكن خابَ أملي لما رأيتُه يقول : ( ويستدل من خبر هذا الفن ودراه عليها بالسياق ) فأيَّ فن يقصِد ؟ إنَّ فنَّ تحقيقِ النصوص يقول بالرجوع إلى نسخٍ موثَّقةٍ لذلك الكتابِ كما قدمتُ ، فإن كانت كذلك فلتقابلْ للحصول على الصورةِ التي ترك المؤلفُ كتابَه عليها أو أقربِ صورةٍ منها كما هو معلوم ، أما تلك النسخُ التي بين يديه فما أبأسَها به إن كانت جيدةً كما يقول ! فهو يخَطِّئ ما أطبَقتْ عليه كلُّها ولا يُبالي ، فبعد ثبوت كلمة ( الداني ) فيها ، كما يظهر من كلامه ، قال ـ في (7مكرر) عند استدراكه على طريق دوري أبي عمرو رقم (287) ـ ( وسبب التصحيف من الناسخين المتأخرين عن ابن الجزري أن لفظ ( الداني ) إنما جاء به بعض النساخ بدل لفظ ( الحافظ ) وشجع الناسخ قول ابن الجزري قرأ بها على أبي الفتح ) فيا عجبا ! أهكذا تورَدُ يا سعدُ الإبل ؟ أكلُّ النُّساخِ شجَّعهم أن ( الحافظ ) قرأ على أبي الفتح فأبدلوه ( بالداني ) ؟ ما أعلمَ النساخَ إذًا ! إنَّ ذلك لو كان احتمالًا لرُدَّ على قائله ، فها هو قد جزم به ، ليته اكتفى بما علق الشيخ به على هذه الطريق ؛ فإنه الأمانةُ العلميةُ بعينها .
إنَّ التساهُلَ في نسبةِ التحريفِ والسَّقطِ بلا بينةٍ إلى كتابٍ أُطلِقَ عليه بخاريُّ القراء ، يوجد منه فوق تسعين نسخةٍ معروفةٍ في العالم ، ثم التجرُّؤُ على نصه ، وترقيعُه من وحْيِ الفكرِ لتعدٍّ خطيرٌ ، ولا يوصفُ بأكثرَ من ذلك ، وهذا إذا أراده أحد بكتاب من كتب العربية الشهيرة ككتاب سيبويهِ أو مفصَّل الزمخشريِّ مثلًا ، لقام عليه الناس ، إذ هو طعنٌ في ميراثِ الأمَّةِ يأباه كل حُرٍّ ، فكتابُ الله وما يتعلقُ به أولى بذلك .
ولستُ بحاجة لأن أذكرَ لك أني رأيتُ عدةَ نسخٍ خطيةٍ نفيسةٍ كاملةٍ ولم أجد أثرًا لما ادَّعيتَ من السقط ، فأنت المدَّعي ، والبينةُ على من ادَّعى ، ودَعْ أن تقول : ( ويستدل من خبر هذا الفن ودراه عليها بالسياق ) فلا بينةَ في ذلك )، أما نسخُك الخطية فلم تعترف أنت بها ، فغيرك بذلك أولى .
ولك عليَّ أنت والناظرُ في كلامي أني إن نقلتُ من كتابٍ أو أحلتُ عيه ، فإنه كما ذكرتُ في مخطوطِه قبل المحقَّق منه ، والله الهادي .
قال في المستدرَك (1) : ( نسيها الدكتور أيمن تقليدا منه ـ في أحسن الاحتمالات وأحسن المخارج ـ النسخة المتوفرة من كتاب النشر ولعلها النسخة المطبوعة القديمة التي حققها الشيخ علي محمد الضباع شيخ عموم المقارئ ) .
أقول : لعل المستدرِك لا يعرف أن الشيخ يحقِّقُ النشرَ على أربع نسخٍ خطيةٍ إحداها مقروءةٌ على المصنف مرتَين ، وثانيةٌ مقابلةٌ على نسخة بخطِّه ، فالشيخ ـ سلمه الله ـ لا يعتمدُ النسخة المطبوعة ؛ لأن ذلك لا يناسب مستواه العلميَّ وتاريخَه في تحقيق النصوص ، ثم ألم ير المستدرِكُ في كتاب السلاسل ص 33ـ93 ما رجع الشيخ إليه من مخطوطاتِ أصول النشر ؟ أيقلدُ مثلُ هذا الرجل مثلَ تلك النسخة؟ ما دام المستدرك نفسُه يخطِّئُ نسخَه التي ذكرها في (7 مكرر) ، فهلا أحسن الظن بالشيخ وقال : لعله رجع إلى نسخة كنسختي ، بدلًا من أن يتقعَّرَ ويقولَ أنَّ الشيخَ ـ في أحسن الاحتمالات وأحسن المخارج ـ قلَّد المطبوعة ! .
وقد قسم ملاحظاتِه أو استدراكاتِه إلى نوعَين : عام وخاص .
أما العامة فقال فيها : ( 1 ـ تخصيص الكتاب بابتعاده عن تقريب تحرير الطرق والتعريف به ليسهل تمرير ما تضمنت السلاسل الذهبية من التدليس على العوام بإيهامهم أن كل رواية وحدة متكاملة منزلة هكذا تفصيلا في كل حرف منها وهو ما نأى عنه أئمة القراءات قديما ) اهـ .
قلت : إن ما في كتاب السلاسل الذهبية من أسانيدَ ومشجراتٍ موافق لما في كتب أصول النشر ، المخطوطِ منها قبل المحقَّق ، فإن كان ما في هذا تدليسًا فما في تلك كذلك ، فالمشجرات لا تتضمن إلا تبيينَ الطرق النشرية وعزوَها لكتبها وترقيمَها ، لتسهُلَ مراجعةُ الأسانيد عند تحرير أوجه الخلاف ، فهي خدمة جليلة لكتاب النشر ، لا يفهم منها من قريب ولا من بعيد أن كل رواية منزلة هكذا تفصيلًا كما زعم المستدرِك.
ثم ما هي العلاقة بين تعريف التحرير وتقريبه وبين تشجير الأسانيد ؟ وما العلاقة بين التشجير وفصل الرواية من القياس ؟ ألم يقرأ كل واحد على شيخه وهكذا إلى منتهى الإسناد كما في مشجرات السلاسل ؟ أتجدُ في تلك الأسانيدِ زيادةَ حرفٍ أو حركةٍ في كتابِ الله ؟ .
وماذا في نصَّي مكيٍّ اللذَينِ نقلتَهما من هدية ؟ إنه كلامٌ يعرفه طويلبُ علم القراءات ، فلتفرق أنت ـ يا شيخُ ـ بين تلك الأقسام التي ذكرها مكيٌّ إن استطعت .
يا لله ، ما أشنعَ التكلُّف !! كأنك تعني أن أسانيدَنا غيرُ متصلة بالنبيِّ ج حتى يفرَّق بين الرواية والقياس ، فلتخبرْني من سبقكَ إلى هذا الكلام ؟ ومن تختاره ـ يا تُرى ـ ليكونَ منتهى سندِنا ؟ ألم يقل الجزريُّ رحمه الله : ( وأعلى ما وقع لنا باتصال تلاوة القرآن ، على شرط الصحيح عند أئمة هذا الشان ، أن بيني وبين النبيِّ ج أربعةَ عشرَ رجلًا ) ؟ فلم المِراءُ في القرآن ؟ .
أما قوله : ( وليته انشغل ( يعني الشيخ ) بدل هذا الادعاء بتحرير طرق كل رواية على حدة ) فتطاوُلٌ لا داعيَ له ، وهو كقوله : ( وليته انشغل بتقصي الزيادات المقروءة وإظهارها .. قبل أن يوصله بالنبي عن جبريل عن رب العزة ) لأنك تراه يخرج فيه من نقد الكتاب إلى نقد صاحبه ، مع أن كتاب السلاسل ليس موضوعُه تحريرَ الطرق ، وهذا واضح من اسمه لمن يعرف العربية .
إن تلك الفكرةَ التي سيطرتْ على المستدرِك ـ أعني كونَ السلاسلِ كتابَ تحرير ـ أطالت عليه البحث ، وقوله ـ عند الكلام على ذوات الياء الواقعة في رءوس الآي للأزرق ـ : ( أما الشهادة كما في السلاسل الذهبية أن الخاقانيَّ تلقاها من شيوخه مسلسلة إلى النبي ..الخ ) خير دليل ، وأنا أسأله : هل تجدُ في كتاب السلاسل أن الخاقانيَّ قرأ بالفتح على شيوخه ؟ أو أن فلانًا قرأ كذا ؟ فلم تتعبُ نفسَك وتطيلُ الكلام وتقول : ( أنه لم يفصِّل ولو مرة واحدة ما أجمله ابن الجزري من طرق المصنفين في نشره أحرف الخلاف كقوله : وغيرهم ) وشبهَ هذه العبارات ؟ .
قال الشيخُ المستدرِك : ( 2 - الاقتصار على الأسانيد العامة والتي لا تتطلب جهدا وهي تسمية أسانيده إلى ابن الجزري وهذا من عمل أي إملاء أو خط شيوخ كل مجاز ) اهـ . قلت : إن تلك الأسانيد العامةَ التي يزعم أنها لا تحتاج إلى جهد قد وقع في بعضها من التحريفِ والتركيبِ ما الله به عليم ، وذلك معروفٌ يقِرُّ به من عنده أدنى قدرٍ من الإنصاف ، وقد قرأ شيخُنا ـ كما هو معلومٌ ـ على مشايخ الدنيا في الإقراء ، وتوفر عنده من الإجازات الخطية وكتبِ التراجمِ مع الفَهْمِ الثاقبِ والدِّرايةِ التامةِ والأمانةِ العلميةِ ما كان سببًا في تصحيح هذه الأغلاط ، ثم إن السلاسل أضاف وفَياتِ شيوخِ الإسنادِ المتوفرةَ وزياداتٍ في أسمائهم وأنسابهم ، أكلُّ هذا من عمل أي إملاء أو خط شيوخ المجاز ؟ إنني لا أستحيي أن أذكِّرَك أن ابن الجزريِّ نص على أن أكثرَ القراءِ لا علمَ لهم بالأسانيد .
قال : ( اقتصاره على تسمية أسانيد ابن الجزري إلى أمهات كتابه النشر وهذا من عمل ابن الجزري نفسه في كتابه النشر ) اهـ قلت : نعم هذا من عمل ابن الجزريِّ ـ وكذا الكتابُ كلُّه خلا ترقيعاتِك ـ لكنَّ ابن الجزريِّ رحمه الله دعى الكتبَ الجفَلى غيرَ مرتبةٍ ، فكانت بحاجة إلى ترتيبها أبجديًّا ليسهُلَ الرجوع إليها ، والاطلاعُ على ما كان منها بتلاوة القرآن أو بقراءة الكتاب أو سماعه أو الإجازة فيه ، ليُعلَمَ ما على شرْطِه وما ليس عليه منها ، وانظر ص 194 من السلاسل حتى تعلمَ ما فائدة تسميةِ أسانيد الجزري إلى أمهات النشر ، فإنك ستجد أنَّ لابن الجزري طريقًا واحدةً إلي ( الحافظ السِّلفيِّ ) ليست على شرطِه في انتقاء طرقه ؛ لأنها بإجازة السِّلفيِّ للكمالِ الضرير ، كما أنها بكتاب المستنير ، ولا يعلَمُ للكمال الضَّريرِ عن السِّلَفِيِّ حرفٌ فوق ذلك ، فما ذكرتَ في (7) مكرر محضُ غلطٍ ، ولتراجع النشرَ وغايةَ النهاية إن شئت .
قال : ( 3 - أنه لم يقم بتمييز الطرق التي حواها النشر ـ كلما نشر حرفا من أحرف الخلاف ـ وليست من طرقه بل هي للحكاية والعلم وهذا هو الجديد المفيد المستدرك الذي أضيفه لخدمة هذا العلم الشريف ) قلت : تقدمَ أن الكتابَ لم يوضع لهذا ، ثم إن من يضيفُ الجديدَ المفيدَ المستدرَك إلى هذا العلم عيبٌ في حقِّه أن يعزوَ إلى طبعاتٍ تِجارية ، وجودُها كعدمِه ، أعوزتْه أن يرجعَ عن كلامٍ طويل كتبه في الجزء (7) بخصوص طريق دوري أبي عمرو رقم ( 272 ) فيا ضيعة الأعمار ! لا أدري لم رجعتَ عن هذا الكلام ؟ ألأن أبا الحسنِ ( الجلاء ) كان في نسختِك ( الجلَّاد ) بالدال ولم تُبيِّن ذلك ؟ أم لأن الواو الساقطة في جامع البيان بينه وبين عبد الله بن الحسين سقطت من طبعتِك وحدَك ؟ أم لأنك رأيتَ أن تصويبَك طريقَ السلاسل ، وإضافةَ السامَرِّيِّ إليه ، بعد قول الجزريِّ : ( طريقُ أبي الحسن الجلاء ) مخالفةٌ صريحةٌ لنصِّ النشر ؟ .
لكن فاتكَ أن ادِّعاءَ سقوطِ ( أبي سلمةَ الحمراوِيِّ ) كادِّعاء سقوط ( السامَرِّيِّ ) تمامًا ، وأنه لا فائدة في إضافة ( أبي سلمة ) إلى ( الأنماطيِّ ) إذ شيخُهما واحد ، وعادةُ الجزريِّ الاكتفاءُ بواحد فقط في مثل تلك الحالة ، إذ لا فائدة من ذكر الآخَر ، فكأني بك تحب ترديد هذه الكلمة أعني كلمةَ : ( هناك سقط ) ، هلَّا فعلتَ ذلك في كتابٍ غيرِ النشرِ والسلاسل ، أما عن سبب سقوط الواو بين ( الأنماطيِّ ) و ( أبي سلمة ) فإنك تجدُه في قولك : ( ط دار الحديث ) فهي في نُسَخِي ثابتة .
إن تحرير مسائلِ النشر ليس كما تظن ، فالأمر أكبرُ من ذلك ، فإن كانت أصولُك صحيحةً وكنتَ من أهل الرَّوِيِّةِ فائتِنا ، وإلاَّ فما تأتينا فتحدثَنا .
وعلى مذهب الشيخِ المستدرِك فلا يوجدُ طرقٌ للحكاية والعلم ، فإنه كلما ذكر الجزريُّ كتابًا ـ لم يذكرْه عند عَدِّ طرقِه المنتقاة ـ عند أحرف الخلاف قال : سقط هذا الطريقُ من طرقِ فلان ، فماذا هو فاعل في قولِ ابنِ الجزريِّ ـ بعد ذكر طرق الراوي ـ ( فهذه كذا طريقًا عن فلان ) أكلُّ ما جاء من ذلك محرف أيضًا ؟! .
إن معنى الحكاية هو حكاية ما ليس على شرط المصنف ، وإن كان المصنف يرويه بسنده ، لكن لما كان بعض ما رواه ليس على شرطه عُدَّ ذكره له من باب الحكاية والتقوية ، ولنأخذ مثلًا قول الجزري في النشر عند كلمة ( شركائي ) للبزيِّ ، فقد فقال في الفقرة 3417 : ( وانفرد الداني عن النقاش عن أصحابه عن البزيِّ بحكاية ترك الهمز فيه وهو وجه ذكره حكاية لا رواية... نعم قرأ بترك الهمز فيه على أبي الحسن ولكن من طريق مضرَ والجنديِّ عن البزيِّ ) اهـ فأنت ترى ابنَ الجزري يذكرُ أن الدانيَّ ذكر عدمَ الهمزِ حكايةً ، مع أن الدانيَّ قد قرأ به وله به إسناد ، كما في جامع البيان (ط الشارقة 3/1272) .