أحمد محمد فريد
New member
بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ
لا يخفى على مُتعلِّمِ القرآنِ ومعُلِّمِه الخلافُ الحاصلُ في عصرِنا حولُ قضيَّةِ نبرِ بعضِ الحروفِ أثناءِ قراءةِ القرآنِ الكريمِ إيذانًا بمعنى معيَّنٍ يميزُها عن غيرِها مما هو على صورتِها ،وهذا الخلافُ حاصلٌ في إلزامِ تالي القرآنِ بالإتيانِ بالنبرِ في بعضِ الكلماتِ، وهو بينَ فريقٍ يُوجِبُ ذلك، وفريقٍ يَرُدُّه.وعلى حداثةِ هذا المصطلَحِ فإنَّ بعضَ المصنِّفين المتقدِّمين في القراءاِت والتجويدِ قد تطرَّقوا إلى تلك القضيَّةِ معبِّرين عن هذه الظاهرةِ برفعِ الصوتِ أو الزيادةِ في الترسُّلِ عندَ نطقِ الحروفِ بدلًا من النبرِ، انظرْ مثلًا الكاملَ للهُذَليِّ (23/ب).
وقد وقفْتُ على نصٍّ نفيسٍ للإمامِ أبي العَلاء الهمذانيِّ (ت 569 هـ) يعرِضُ فيه تصوُّرًا وجيهًا للمسألة، سالكًا مسلَكَ التحقيقِ وعدمِ المجازفةِ في إطلاقِ الأحكامِ، وهما مما تشتدُّ الحاجةُ إليه عندَ بحثِ المسائلِ العلميَّةِ.
وقد جاءَ هذا النصُّ في كتابِه البيانِ عن ماءاتِ القرآنِ ( الورقة 2/أ) من نسخةِ مكتبةِ مانيسا رقم (MHK 7167)، وقد تحدَّثّ فيه عن أنواعِ (ما) في القرآنِ الكريمِ وما قيلَ في كيفيَّةِ النطقِ بكلِّ نَوعٍ منها.
قالَ أبو العَلاءِ: « واعلمْ أن هذا النوعَ من علومِ القرآنِ لم يَصِلْ إلينا بالأسانيدِ الصحيحةِ عن القرَّاءِ الأوَّلِين، من الصحابةِ والتابعين، كالقراءاتِ والرواياتِ، وعددِ الكلمِ والحروفِ والآياتِ، والتفاسيرِ والمعاني، والمقاطعِ والمبادي، وإنما هو شيءٌ استنبطَه المتأخِّرون من العلماءِ، وتعلَّقَ به شِرْذِمةٌ قليلون من القراءِ، وأرجو أن لا تَلزَمَني في ذلك تبعة، لأنَّ القراءةَ سنَّةٌ متَّبعَة، ثم إنَّك -مع ما ذكرْنا- إذا نظرْتَ فيه نظَرَ مريدٍ لفوائدِه، وألمَمْتَ به إلمامَ مستفيدٍ من فرائدِه ـــ قادَك الإعجابُ بحسنِ ترتيبِه وتمهيدِه إلى صالحِ الأدعيةِ لجامعِه ومُقَيِّدِه» اهـ، واللهُ تعالى أعلمُ.