خلط أهل التخصص بين [هل] والهمزة الاستفهامية

د محمد الجبالي

Well-known member
إنضم
24 ديسمبر 2014
المشاركات
400
مستوى التفاعل
48
النقاط
28
الإقامة
مصر
الفرق بين [هل] والهمزة الاستفهامية
مقدمة:
لقد دفعني إلى هذا البحث ما لَمَسْتُ في بعض أهل التخصص من أخطاء جَلِيَّة في الخلط بين السؤال بـ [هل] و الهمزة، فيضعون [هل] في مواضع لا يصح فيها إلا الهمزة، كأن يقول بعضهم: هل لا ترغب في السفر؟ وذاك خطأ جَلِيٌّ؛ حيث إن [هل] لا تدخل على الجملة الْمَنْفِيَّة، أو يقول بعضهم: هل تريد الشاي أم القهوة؟ ولا يصح استعمال [هل] في التعيين بين أمرين، وقول آخر: هل إذا شاركتُ معكم تقبلوني؟ و[هل] لا تدخل على الجملة الشرطية، وغير ذلك من الأخطاء الْـجَلِيَّة التي يقع فيها بعض أهل اللغة مما لا يصح ذلك منهم، وإليكم البحث.

التعريف بـ [هل ، الهمزة]:
من حيث المعنى كلاهما [هل ، أ] لطلب إدراك الحكم وإيضاحه، وفَرَّقَ أهل اللغة بينهما في الأداء الْمَعْنَوِي، فقالوا:
  • إنَّ [هل] لطلب التصديق.
  • وإنَّ [الهمزة] لطلب التصديق أو التصور.
فما الفرق بين التصديق والتصور؟
أما التصديق فهو: إدراك الحكم نفيا كان أو إثباتا.
وأما التصور فإنه أبعد من إدراك الحكم؛ إذ يتطلب الاستحضار والتمييز.

جواب الاستفهام بـ [هل ، الهمزة]:
أولا: في التصديق:
  1. يكون الجواب غالبا في الإثبات بـ [نعم]، وفي النفي بـ [لا، ما، ليس، ...]. كقولك: هل أنت طالب؟ / أمعك نقود؟
  2. إذا كان السؤال منفيا -ولا يكون إلا بالهمزة- فالجواب في الإثبات بـ [بلى]، وفي النفي بـ [نعم + أداة نفي ...] كقولك: ألم تتناول الغداء؟ فالجواب إثباتا: بلى تناولتُ الغداء، ونفيا: نعم ما تناولتُ الغداء. وكقولك: ألستَ مصريا؟ فالجواب إثباتا: بلى أنا مصري، ونفيا: نعم لستُ مصريا، أنا ماليزي. وهكذا.
  3. بعض الأسئلة المنفية لا يصح فيها إلا جواب واحد إثباتا أو نفيا بحسب السؤال والمعنى، كقولك: أليس محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله؟ فلا يجوز الجواب هنا إلا إثباتا: بلى هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقول الله تعالى: [{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ]} (الزمر36)، وقوله تعالى: [{أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ]} (الزمر37) وقولك لمسلم: ألست مسلما؟
  4. لا يجوز ذِكْرُ الْمُعادِل عند الاستفهام بالهمزة في التصديق، فإن ذُكِرَ الْمُعَادِل كانت الهمزة للتصور لا للتصديق.
ثانيا: في التصور:
  1. التصور لا يكون إلا بالهمزة، والسائل هنا متردد بين أمرين ويطلب تعيين أحدهما، كقولك: أمسافر أنت أم مقيم؟ / وقولك: أهذا كتابك أم كتاب أحمد؟
  2. احتمال بعض الجمل للتصور والتصديق معا، كقول الله تعالى: [{قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ}] (الأنبياء62) والتقدير: أأنت فعلتَ هذا أم غيرك؟ وكان جواب إبراهيم عليه السلام التعيين، قال: [{قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ}] (الأنبياء63)، ومثال ذلك قولك: أحضر أبوك المجلس؟ والتقدير: أحضر أم لم يحضر؟.
توافق [هل] همزة الاستفهام في ثلاثة أمور:
الأول: إفادة التصديق، كقولك: هل أنت متزوج؟ / أمتزوج أنت؟
الثاني: إمكان دخول كل منهما على الاسم والفعل، مثال:
  • هل ديفيد مسلم؟ / أديفيد مسلم؟
  • هل أسلم ديفيد؟ / آسلم ديفيد؟
الثالث: إمكان إفادة النفي بهما، مثال:
  • أما [هل] فيكثر دخول [ إلا ] بعدها حال إفادة النفي، مثل قول الله تعالى: [{وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ]} (سبأ17)، فقد أفاد الاستفهام النفي، ومثل قول الله عز وجل: [{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ]} (الرحمن60)، وزعم بعضهم أنه يشترط دخول [إلا] في النفي بـ [هل]، ويرد هذا الزعم الاستفهام في قول الله تعالى: [{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ]} (الزم9)، وقوله تعالى: [{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ}] (الرعد16).
  • ومثال الهمزة قول الله تعالى: [{أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ}] (النمل60) أي: لا إله إلا الله، فالاستفهام للنفي.
أدوار الهمزة الاستفهامية في الكلام:
تلعب همزة الاستفهام في الكلام أدوارا عدة لا يمكن لـ [هل] أن تؤديها، منها:
  1. تعيين أحد الأمرين بالهمزة، ولا يصح بـ [هل]، مثال: أَصِدْقٌ هذا الخبر أم كَذِب؟
  2. الهمزة تدخل على المنفي، ولا تدخل [هل] على المنفي، مثال: قول الله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} (الشرح1)، ألن تسافر غدا؟
  3. الهمزة تتقدم على حروف العطف: [الواو، الفاء، ثم] ولا يصح لـ [هل] أن تتقدم على حروف العطف، مثال: قول الله تعالى: { [أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ]} (الأنعام122)، وقوله سبحانه:[{أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ]} (الطور15)، وقوله عز وجل: [{أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ]} (يونس51).
  4. الهمزة تدخل على (إنَّ) التوكيدية الناسخة، ولا يصح ذلك مع [هل]، مثال: قول الله تعالى: [{قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ]} (يوسف90).
  5. الهمزة تدخل على جملة الشرط، ولا يصح ذلك مع هل، مثال: قول الله تعالى: [{وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا}] (مريم66)، وقوله عز وجل: [{أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ]} (الأنبياء34).
  6. مع [ أمْ ] التسوية تستعمل الهمزة، ولا يصح معها [هل]، كقولك: أفاطمة تزوجت أم أختها؟
  7. الاستفهام بالهمزة يشعر كأن المستفهم لديه فكرة عما يسأل عنه، ويرغب في التأكد، كقولك: أعندك ضيوف؟، ومثل قول الله تعالى: [{أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ}] (الصافات62).
  8. تتعدد الأغراض البلاغية للاستفهام بالهمزة وتكثر في القرآن الكريم كثرة، وفي الكلام عموما، فقد ورد الاستفهام بالهمزة في القرآن الكريم 356 مرة، في حين ورد الاستفهام بـ [هل] في القرآن الكريم 86 مرة فقط.
والله أعلم
د. محمد الجبالي
 
عودة
أعلى