سؤال حوال أدعية القرآن

التواقة

New member
إنضم
03/09/2008
المشاركات
174
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
الدمام
إلى المشايخ الكرام : مشرفوا هذا المنتدى
لطالما أكدتم في بينات الرائع الصلة الوطيدة بين الدعاء والصيام لكن اسمحوا لي في هذا المقال بتساؤل :
ألا ترون أن من أدعية القرآن لا تلق اهتماما من الأئمة في ادعية القنوت بل يعدلون عنها فهناك من أدعية الأنبياء ما يستحق الوقوف عليه بل هي أجدر مايتأمله المسلم حتى يدعو بها وهو مدرك لما تحويه من عظيم المسائل ..
سؤالي أيها المشايخ حفظكم الله هل هناك بحث أو رسالة حول أدعية القرآن تناولت هذا الموضوع دراسة عملية ؟
 
هناك كتاب قيم لأخينا في الملتقى الأستاذ محمد بن جماعة جمع فيه الأدعية القرآنية وغيرها وسماه (جمهرة الدعاء) . ولعله يفصل في جواب سؤالك إن تيسر له ذلك .
 
أحسن الله إليك أخي أبا عبد الله على هذه الإحالة. وقد انتهيت تقريبا من تدقيق باكورة كتبي وأرجو أن ييسر الله عز وجل صدوره في القريب العاجل. والكتاب عنوانه: "جمهرة الدعاء الصالح" جمعت فيه عددا كبيرا من الأدعية المأثورة وغير المأثورة. كما يضم الكتاب دراسة لغوية للمصطلحات المتعلقة بالدعاء.

أما في ما يخص ملاحظة الأخت (التواقة): فلا شك في أفضلية الأدعية القرآنية والنبوية. وأما ما ذكرته من عدم اهتمام الخطباء بالأدعية القرآنية، فإن وجد فلا شك أنه تقصير. غير أنه لا يمكن القول بأنها ظاهرة عامة. فكثير من الخطباء يدعون بالأدعية القرآنية، ولعل كل واحد ينطلق من تجربته في سماع الخطباء الذين في مدينته.

وكل ما في الأمر أن أغلب الخطباء لا يكتفون بالدعاء بالمأثور فقط، بل يدعون أيضا بأدعية محفوظة عن الصحابة او التابعين أو أهل الزهد أو الفقهاء والأدباء وغيرهم، وهذا لا حرج فيه. كما أن كثيرا من الأدعية غير المأثورة مقتبسة من القرآن والسنة، إما لفظا ومعنى، وإما معنى فقط.

ورغبة في الإفادة، أقتطف هنا بعض الفقرات من كتابي حول (مشروعية الدعاء بغير المأثور):

===
...
- الدّعاء المأثور أفضل من غيره

ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز كل دعاء دنيوي وأخروي، ولكنّ الدّعاء بالمأثور أفضل من غيره. فالداعي بالصيغ المأثورة من الكتاب والسنة، له أجران: أجر الذكر، وأجر الاتباع، إضافة إلى أنه كُفِي مئونة البيان والشمول في سؤال الله عز وجل من خَيْرَيِ الدنيا والآخرة. فقد جمعت هذه الأدعية الفصاحةَ والمعاني اللطيفةَ والفوائدَ الغزيرةَ، وخلت من الاختلاف والاختلال والتعمّل والتكلف والتجوّز والتعسّف.

ولا يشك المسلم في ذلك، بل يعلم يقيناً أن الأدعية التي يضعها أو يخترعها الناس – علماء كانوا، أو فصحاء، أو زهّاداً أو عوامّاً -، تعجز، مهما بلغت من الحسن والإبانة عن المعاني، عن مضاهاة الصيغ القرآنية والنبوية.

...

من قصرت به قدراته اللغوية على التعبير، فلا أقلَّ من أن يدعو بما استطاع، بلسان الفقر والذلة والحب لله عز وجل، فإن الحبّ يجبر عجز العمل، ويشفع لصاحبه كلّما قصر عمله. والأَوْلى له أن لا يجاوز الدّعاء المأثور الذي جاء به الكتاب والسنة، حتى لا يعتدي في دعائه، فيسأل ما لا تقتضيه مصلحته، فما كلُّ أحدٍ يُحْسِنُ نَظْمَ الدّعاء. وقد نسب لعلي بن أبي طالب أنه قال: (يَا صَاحِبَ الدُّعَاءِ لاَ تَسْأَلْ مَا لاَ يَكُونُ وَلاَ يَحِلُّ).

...

ولا يمنع هذا من وجود بعض الصالحين ممن آتاهم الله القدرة على صياغة الدعاء الصالح، نعمةً منه وفضلاً، ومن أُعْطِيَها فقد أعطيَ خيراً كثيراً. ومن الناسِ مَن لا يكونُ عندهُ، في أوّل أمره، الأسلوبُ الحسنُ، ولا الموهبةُ الكتابيّةُ، ولا الحسُّ الأدبيُّ، ولا تكونُ لديهِ القدرة على التعبير عن المعاني في صورة فنية مقبولة، ولكنّهُ -بكثرة القراءة والحفظ وممارسةِ الكتابةِ والدعاء، ومُحاكاةِ أساليب الكتاب والسنة، وأساليبِ السَّلَف، والسيرِ على طريقتهم، وانتهاجِ نهجهم-، يصبحُ شخصاً مطبوعاً على الأدبِ وحسنِ الإنشاءِ وتتكون لديه قدرة بيانية في مخاطبة الله بما هو أهل له.

...

- مشروعية الدعاء غير المأثور

ذكرنا في ما سبق أن الألفاظ تعبير عن مكامن الضمير، وسرائر الوجدان. وما دام الداعي متأدبًا مع ربّه، مظهِراً في مسألته حالة الافتقار إلى الله تعالى، فله أن يدعو بأي لفظ شاء، وله أن يدندن بأي لغة عرف وتعلّم ونطق، وله أن "يَتَخَيَّر مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ"، سواء كان موضوعه متعلقا بالآخرة أو متعلقا بمصالحه الدنيوية.

والصحيح من أقوال أهل العلم: جواز الدّعاء بخيري الدنيا والآخرة بما ورد في الشرع وبما لم يرد، لقول النّبي صلى الله عليه وسلم: ".. ثُمَّ لْيَخْتَرْ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ، فَيَدْعُو" (1). ولا حجة في تقييد الدّعاء ـ بوصفه عملاً روحياً ـ بأي قيد، من زمان أو مكان أو لفظ، ولا بأية لغة أو صيغة أو نص أو موضوع.

والأمور التي يدعو الإنسان بها تنقسم من حيث ما يُدْعَى به إلى قسمين:

1- دعاء بأمر لا يجوز شرعاً، كالدعاء بقطيعة الرحم، أو الدّعاء بتيسير المحرمات، كالزنا والسرقة والقتل، فهذا لا يجوز بل هو اعتداء في الدعاء، قد ذمّه الله تعالى بقوله: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً، إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ (2). وقال صلى الله عليه وسلم: "لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الِاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: "يَقُولُ: (قَدْ دَعَوْتُ، وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي) فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ" (3).

2- دعاء بأمر جائز، من المقاصد المشروعة أو من خيري الدنيا والآخرة. فهذا مما أمر الله به ودعا إليه، فالعبد مأمور بالدعاء لقضاء حوائجه، كما قال تعالى: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ (4). وقال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ (5).

وقد اعترض بعض العلماء على الترخيص بصياغة الأدعية وقال بوجوب الاكتفاء بالأدعية النبوية، منهم القاضي عياض الذي يرى أن الله تعالى: "أذن في دعائه، وعلَّم الدّعاء في كتابه لخليقته، وعلَّم النّبي صلى الله عليه وسلم الدّعاء لأمّته، واجتمعت فيه ثلاثة أشياء: العلم بالتوحيد، والعلم باللغة، والنصيحة للأمة. فلا ينبغي لأحد أن يعدل عن دعائه صلى الله عليه وسلم.. وقد احتال الشيطان للناس في هذا المقام، فقيَّض لهم قوم سوء، يخترعون لهم أدعية يشتغلون بها عن الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأشد ما في الإحالة أنهم ينسبونها إلى الأنبياء والصالحين، فيقولون: دعاء نوح، دعاء يونس، دعاء أبي بكر... فاتقوا الله في أنفسكم! لا تشغلوا من الحديث إلا بالصحيح!" (6).

كما اعترض آخرون على الترخيص بصياغة الأدعية بحجّة أن الدّعاء عبادةٌ، بصريح الحديث النبوي، والأصلُ في العباداتِ أنها توقيفية، أي لا يجوز أن يشرعَ الإنسان عبادةً من عند نفسهِ، بل لا بد أن تكونَ ثابتةً عن النّبي صلى الله عليه وسلم.

والجواب على هذين الاعتراضين من وجوه ثلاثة:

- الوجه الأول: أن الإسلام يعتبر كل عمل صالح - إن صدر بنيّة خالصة - عبادةً لله. ويدخل ضمنها أمورٌ مَعَاشِيَّةٌ، لا تحتاج لأن تكون توقيفية كي تُعَدَّ من العبادة ويثاب فاعلها. ذلك أن (العبادة) في الإسلام عنوان لسائر التعاليم الإسلامية. وهي غاية الحياة التي حددها الله عز وجل: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ (7). والعبادة تشمل: (فعل ما يرضي الرب من خضوع وامتثال واجتناب، أو هي فعل المكلف على خلاف هوى نفسه تعظيماً لربه) (8). فيدخل ضمن العبادة كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، كالصلاة والزكاة والصيام والحج وصدق الحديث وأداء الامانة وبر الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإحسان إلى الآخرين والدعاء والذكر وحب الله ورسوله وخشية الله والإنابة إليه وإخلاص الدين له والصبر لحكمه والشكر لنعمه والرضا بقضائه والتوكل عليه والرجاء لرحمته والخوف لعذابه وأمثال ذلك هي من العبادة لله(9).

قال سبحانه: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ، وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ (10)، فالمسلم حياته كلها عبادة وطاعة لله عز وجل، وهو يتقرب إلى الله بالصلاة كما يتقرب إليه سبحانه بالسعي في طلب الكسب الحلال. قال سيد قطب: (لا يخطو المسلم في حياته خطوة، ولا يتحرك في ليله أو نهاره حركة، إلا وهو ينظر فيها إلى الله. ويجيش قلبه فيها بتقواه، ويتطلع فيها إلى وجهه ورضاه. فإذا الحياة كلها عبادة تتحقق بها إرادة الله من خلق العباد، وتصلح بها الحياة في الأرض وهي موصولة السبب بالسماء) (11).

وعن أي هريرة أن النّبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ مِنَ الذُّنُوبِ ذُنُوبًا لاَ يُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ، وَلاَ الصِّيَامُ، وَلاَ الْحَجُّ، وَلاَ العُمْرَةُ. يُكَفِّرُهَا الْهُمُومُ فِي طَلَبِ الْمَعِيشَةِ"(12).

ويتسع مجال العبادة التي يثاب عليها المسلم حتى لا تدع شيئا في حياة المسلم، حتى الشهوة التي يقضيها المسلم. فعن أبي ذر: ‏أَنَّ نَاسًا مِنْ ‏أَصْحَابِ النَّبِيِّ ‏صلى الله عليه وسلم قَالُوا لِلنَّبِيِّ ‏صلى الله عليه وسلم: ‏يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ. قَالَ: ‏أَوَ لَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٍ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةً، وَنَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةً، وَفِي ‏بُضْعِ ‏أَحَدِكُمْ صَدَقَةً. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ‏أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ، أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرًا"(13).

- والوجه الثاني: ورد في السنة ما يدل على شرعية الذكر والدعاء بغير المأثور. فعن أنس بن مالك قال: كنت مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم جالسًا في الحلقة، إذ جاء رجل فسلّم على رسولِ اللّه صلى الله عليه وسلم والقومِ فقال: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ. فردّ الرسول صلى الله عليه وسلم: "وَعَلَيْكُمُ السَّلاَمُ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ". فلمّا جلس الرجل قال: "الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا أَنْ يُحْمَدَ وَيَنْبَغِي لَهُ". فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "كَيْفَ قُلْتَ؟" فرَدَّ عليه كما قال. فقال النّبي صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدِ ابْتَدَرَهَا عَشْرَةُ أَمْلاَكٍ، كُلُّهُمْ حَرِيصٌ عَلَى أَنْ يَكْتُبَهَا، فَمَا دَرَوْا كَيْفَ يَكْتُبُونَهَا، حَتَّى رَفَعُوهَا إِلَى ذِي العِزَّةِ، فَقَالَ: اكْتُبُوهَا كَمَا قَالَ عَبْدِي" (14).

وعن عبد الله بن عمر أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حدّثهم أنّ عبدًا من عباد الله قال: "يَا رَبِّ، لَكَ الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلاَلِ وَجْهِكَ، وَعَظِيمِ سُلْطَانِكَ"، فَعَضُلَتْ بِالْمَلَكَيْنِ فَلَمْ يَدْرِيَا كَيْفَ يَكْتُبَانِهَا، فَصَعِدَا إِلَى السَّمَاءِ فَقَالاَ: يَا رَبَّنَا، إِنَّ عَبْدًا قَدْ قَالَ مَقَالَةً، لاَ نَدْرِي كَيْفَ نَكْتُبُهَا! قَالَ اللَّهُ -وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا قَالَ عَبْدُهُ-: مَاذَا قَالَ عَبْدِي؟ قَالاَ: يَا رَبِّ، إِنَّهُ قَالَ: (يَا رَبِّ، لَكَ الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلاَلِ وَجْهِكَ وَعَظِيمِ سُلْطَانِكَ). فَقَالَ لَهُمَا: اكْتُبَاهَا كَمَا قَالَ عَبْدِي حَتَّى يَلْقَانِي، فَأَجْزِيَهُ بِهَا"(15).

ومنها ما ورد عن بريدة الأسلمي أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو وهو يقول: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، الأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ). فقال: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى" (16).

وفي حديث أنس بن مالك أنه كان مع النّبي صلى الله عليه وسلم جالساً ورجل يصلي ثم دعا: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ. لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، الْمَنَّانُ، بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ. يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ. يَا حَيُّ، يَا قَيُّومُ). فقال النّبي صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى" (17).

وقد جاء رجل إلى النّبي صلى الله عليه وسلم فقال له النّبي صلى الله عليه وسلم: "كَيْفَ تَقُولُ فِي الصَّلاَةِ؟". قال: أَتَشَهَّدُ ثُمَّ أَقُولُ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الجَنَّةَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ)، أَمَا إِنِّي لاَ أُحْسِنُ دَنْدَنَتَكَ، وَلاَ دَنْدَنَةَ مُعَاذٍ ! فقال النّبي صلى الله عليه وسلم: "حَوْلَهَا نُدَنْدِنُ" (18).

فهذه الأحاديث صريحة في جواز الدّعاء بغير الصيغ المأثورة. فلم ينكر النّبي صلى الله عليه وسلم على الصحابة والأعراب اجتهادهم في دعاء الله بما يفتح الله عليهم، ما داموا يدندنون حول نفس المعاني التي يدندن النّبي حولها.

- والوجه الثالث: أن كتب السيرة والتاريخ والتراجم أوردت شواهد وشوارد كثيرة من دعاء بعض الصحابة والتابعين والفقهاء وأهل الزهد وغيرهم، مما لا يدع مجالاً لإنكار جواز ذلك. وقد ذكرنا في هذا الكتاب عدداً كبيراً من هذه الأدعية (أكثر من 2500 دعاء)، فلتراجع.

وخلاصة الأمر، إذن، أن المسلم إذا دعا بدعاء ليس فيه إثم ولا قطيعة رحم، من خَيْرَيِ الدنيا والآخرة، فإن هذا لا بأس به. ولسنا بهذا ننكر فضل الدّعاء المأثور عن النّبي صلى الله عليه وسلم، ولكننا نرى أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم (كان بذلك يعلّم أصحابه، وينشر في المجتمعات المؤمنةِ المثلَ الطيّبَ، والدعاءَ الطيّبَ، الذي يرجى من الله قبولُه. فلو دعا مؤمنٌ ربَّه بغير ما أثر عن النّبي صلى الله عليه وسلم -ولكن في حدود هدي أدبه-، فلا يكون آثماً، ولا خارجًا عن السنّة، سالكاً طريق البدعة. فليس في الإسلام شيء يُتعبَّد به لفظاً ومعنىً إلاّ القرآن الكريم) (19).

الهوامش:

1- جزء من حديث صحيح للنبي صلى الله عليه وسلم، رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد: 1/287.
2- سورة الأعراف: الآية 55
3- رواه مسلم، كتاب الذكر، باب بيان أنه يستجاب للداعي مالم يستعجل: 8/87. [{يستحسر}: ينقطع عن الدعاء.
4- سورة النمل: الآية 62
5- سورة غافر: الآية 60
6- شرح الأذكار لابن علان 1/17
7- سورة الذاريات: الآية 56
8- التحرير واالتنوير، محمد الطاهر بن عاشور، شرح سورة الفاتحة: 1/180.
9- انظر تفصيل ذلك في "رسالة في العبودية" لابن تيمية: 44.
10- سورة الأنعام: الآية 162-163
11- في ظلال القرآن، لسيد قطب. شرح الآية 36، 37 من سورة الحج: 5/197.
12- رواه أبو نعيم في الحلية: 6/335، وابن عساكر، عن أبي هريرة، والطبراني في الأوسط: 1/38.
13- رواه البخاري، كتاب الدعوات، باب الدعاء بعد الصلاة: 5/2331، ومسلم، كتاب الصلاة، باب استحباب الدعاء بعد الصلاة: 2/97.
14- رواه أحمد: رقم: 12633، 3/158.
15- رواه الإمام أحمد وابن ماجه، كتاب الأدب، باب فضل الحامدين: 2/1249.
16- رواه الترمذي، أبواب الدعوات، باب جامع الدعوات عن النبي صلى الله عليه وسلم: 5/515 وأبو داود، كتاب الصلاة، باب الدعاء: 1/554، وابن حبان، باب الأدعية: 3/173، والحاكم، كتاب الإيمان، باب التأمين: 1/400.
17- رواه أبو داود، كتاب الصلاة، باب الدعاء: 1/554، والترمذي، أبواب الدعوات، باب خلق الله مئة رحمة: 5/550، وانظر: الصحيح الجامع 1/329 والوابل الصيب من الكلم الطيب ص161.
18- رواه أحمد: رقم: 15939: 3/474، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب في تخفيف الصلاة: 1/292، وابن ماجه، كتاب الصلاة، باب في التشهد والصلاة: 1/195. وقوله (دندنتك): أي مسألتك الخفية أو كلامك الخفي، و (الدندنة): كلام لا يُفهم، أي أن يتكلم الرجل بكلام تسمع نغمته ولا يُفهم.
19- الدّعاء في القرآن الكريم، ص15. محمد الحبيب السلاّمي ورشيد الحبيب وغيرهما.

===
 
عودة
أعلى