قبسات من سورة العصر

إنضم
21/11/2010
المشاركات
114
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
إمبابة مصر
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى أصحابه الغر الميامين ، و على من أتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :

فسورة العصر مليئة بالدروس و العبر التي يحتاج لها كل إنسان ليحيا حياة طيبة في دنياه وأخراه ورغم قصر كلماتها وألفاظها إلا أنها جمعت أهم أسباب السعادة في الدارين ،والسعيد من عمل بهذه السورة ،والمحروم من لم يعمل بها .

قال تعالى : ﴿ وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر: 1-3] وهذا قسم من الله بالعصر الذي هو الليل والنهار، محل أفعال العباد وأعمالهم أن كل إنسان خاسر، والخاسر ضد الرابح.
والخسار مراتب متعددة متفاوتة:
قد يكون خسارًا مطلقًا، كحال من خسر الدنيا والآخرة، وفاته النعيم، واستحق الجحيم.
وقد يكون خاسرًا من بعض الوجوه دون بعض، ولهذا عمم الله الخسار لكل إنسان، إلا من اتصف بأربع صفات:
الإيمان بما أمر الله بالإيمان به، ولا يكون الإيمان بدون العلم، فهو فرع عنه لا يتم إلا به.
والعمل الصالح، وهذا شامل لأفعال الخير كلها، الظاهرة والباطنة، المتعلقة بحق الله وحق عباده ، الواجبة والمستحبة.
والتواصي بالحق، الذي هو الإيمان والعمل الصالح، أي: يوصي بعضهم بعضًا بذلك، ويحثه عليه، ويرغبه فيه.
والتواصي بالصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقدار الله المؤلمة.
فبالأمرين الأولين، يكمل الإنسان نفسه، وبالأمرين الأخيرين يكمل غيره، وبتكميل الأمور الأربعة، يكون الإنسان قد سلم من الخسار، وفاز بالربح العظيم[1] .

وبعد هذا التفسير الموجز لهذه السورة الكريمة تعالوا بنا نقتبس منها بعض القبسات لتكون نبراسا لنا في الحياة فرغم قصر السورة إلا أنها جمعت العديد من القبسات المهمة لإصلاح الفرد والمجتمع .

ومن هذه القبسات شرف الوقت وأهميته فالله – عزوجل - يقول : ﴿ وَالْعَصْرِ وهذا قسم من الله بالعصر الذي هو الليل والنهار، محل أفعال العباد وأعمالهم ،وكفى بالوقت شرفا ورفعة أن يقسم به ملك الملوك .

وإذا أقسم الله – عز وجل - بشيء من مخلوقاته فهو دليل على أهمية هذا المخلوق وعظمته، وليلفت الأنظار إليه وينبه على جليل منفعته ومن هنا ندرك أهمية الوقت في حياتنا فيجب علينا أن نستغل أوقاتنا خير استغلال ونغتنمها خير اغتنام فلينتبه المرء إلى تعاقب الليل والنهار, ومرور الوقت وقصر العمر فالعمل العمل إذ لا وقت للكسل وطول الأمل مع العلم بقصر الأجل ،و الإسلام حريص كل الحرص على وقت المسلم ،و عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ »[2].

وننبه أن الله تعالى له أن يقسم بما شاء من مخلوقاته لكن المخلوق لا يقسم إلا بالخالق ،و عن ابن عمر عن عمر أنه قال: لا وأبي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « مهْ، إنه من حلف بشيء دون الله فقد أشرك »[3] .
.



[1] - تفسير السعدي ص 934

[2] - رواه البخاري في صحيحه حديث رقم 6412

[3] - رواه أحمد في مسنده حديث رقم 329 وقال الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه : إسناده صحيح
 

ومن هذه القبسات أيضا أهمية وفضل الإيمان و عمل الصالحات و التواصي بالحق والتواصي بالصبر فالله – عز وجل - بيّن أن الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بالصبر هم الرابحون, ومن سواهم خاسر, وهذه حجة قائمة على وجوب التواصي, والتناصح, والإيمان والصبر, والصدق, وأنه لا طريق للسعادة والربح إلا بهذه الصفات الأربع : إيمان صادق بالله ورسوله. وعمل صالح. وتواصٍ بالحق. وتواصٍ بالصبر[1].

و العاقل البصير إذا سمع أو قرأ قوله تعالى : ﴿ وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ فلا بد أن يسعى إلى تخليص نفسه من الخسران وذلك باتصافه بهذه الصفات الأربع: الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر[2].

ومن هذه القبسات أيضا أهمية وفضل العلم فإذا بيّن الله – عز وجل - أن الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بالصبر هم الرابحون, ومن سواهم خاسر فهذا دليل على أهمية العلم وفضله إذ لا يحصل الإيمان للإنسان إلا بعد أن يعلم ما يؤمن به علما يقينيا ،وكيف يؤمن الإنسان بما لا يعلمه ؟! فلا يكون الإيمان إيمانا إلا بالعلم مع عدم الشك والارتياب قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا [الحجرات:15]،و الإيمان هو تصديق يقيني يستلزم الانقياد و الإذعان ، ولا يكون اليقين إلا بالعلم، إذ العلم هو الذي يوصل إلى اليقين،و الجهل يوصل إلى الشك والريب ولا يوصل إلى اليقين.

ولا يعمل الإنسان الصالحات إلا إذا كان يعلمها فمن لا يعلم الصالحات لا يعمل الصالحات فلابد للعلم لكي نعمل الصالحات،و لا يمكن أن تقدم على أي شيء إلا على أساس العلم لا يمكن أن تقدم على عمل الخير وعمل الصالحات إلا على أساس العلم فمن لايعلم الخير ومن لا يعلم الصالحات كيف يقدم عليها ؟! والأعمال و الأقوال التي بغير علم لا قيمة لها ، ولا نفع فيها مما يدل على أهمية العلم .

وعمل الصالحات أحد أسباب الفوز و السعادة في الدارين ،وهذا دليل على أهمية العلم من أجل عمل الصالحات التي توصل إلى الفوز و السعادة في الدارين .

ولكي يدعو الإنسان إلى الحق ويتواصى به لابد أن يعلم الحق فمن لا يعلم الحق لا يدعو إليه و التواصي بالحق والدعوة إلي الحق أحد أسباب الفوز و السعادة في الدارين مما يدل على أهمية العلم من أجل التواصي بالحق والدعوة إلي الحق الذي يوصل إلى الفوز و السعادة في الدارين .

ومن هذه القبسات أيضا أن الإيمان وحده لا يكفي للفوز و السعادة في الدارين بل لا بد من عمل الصالحات مع الإيمان أي لا بد من اقتران الإيمان بعمل الصالحات قال تعالى : ﴿ وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أي أن كل إنسان في خسارة ونقصان وهلاك إلا من جمعوا بين الإيمان باللَّه وعمل الصالحات فإنهم في ربح، لا في خسر إذ أنهم آمنوا بقلوبهم، وعملوا بجوارحهم و أعضائهم .

ونعلم أن الإيمان قول وعمل قول بالقلب واللسان وعمل بالقلب والجوارح والأركان فعطف عمل الصالحات على الإِيمان مع أن عمل الصالحات داخل في الإيمان من أجل الاهتمام بعمل الصالحات، والتأكيد على أن تصديق القلب وحده لا ينفع دون العمل .


وقد وعد الله- عزّ وجلّ- من جمع بين الإيمان وعمل الصالحات بدخول الجنة في الكثير من الآيات
قال تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [ البقرة : 82 ] ، وقال تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً [ النساء : 57 ] ،و قال تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا [ الكهف : 107] .

ومن هذه القبسات أيضا أن عمل الخير وحده لا يكفي للفوز و السعادة في الدارين حتى يكون صادراً عن إيمان قال تعالى : ﴿ وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ، فقد علق عدم الخسران على الإيمان وعمل الصالحات ،و ما علق على شرطين لا يتحقق بواحد منهما .

ومن هذه القبسات أيضا أن الإنسان الذي لا يؤمن بالله في خسارة محققة وإن كان من أغنى الناس مالا وجاها ،والإنسان الذي يؤمن بالله في ربح وفوز وإن كان أفقر الفقراء قال تعالى : ﴿ وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا فمصير غير المؤمنين الخسارة والهلكة ،ومصير المؤمنين الفوز والنجاة والسلامة من الخسارة .



[1] - شرح ثلاثة الأصول لابن باز ص 27

[2] - شرح ثلاثة الأصول لابن عثيمين ص 27
 

ومن هذه القبسات أيضا وجوب الدعوة إلى الله و الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلا يكفي أن يؤمن الإِنسان ويعمل الصالحات و يقتصر على إصلاح نفسه، بل لابد أن يعمل على إصلاح غيره ليفوز وينجو من الخسارة ،و تجنُّبَ الأمر الْمُوجب للخسارة وعدم الفوز واجبٌ ، وهذا يدل على وجوب الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال تعالى : ﴿ وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ .

وعطف التواصي بالحق على عمل الصالحات رغم أن التواصي بالحق من الأعمال الصالحة لأهميته وأثره في حصول الفوز و النجاة والسلامة من الخسارة ، ولئلا يظن أحد أنه باستكثاره من الأعمال الصالحة في نفسه يحصل له الفوز و النجاة وإن أهمل من يجب عليه نصحهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر .

ومن هذه القبسات أيضا وجوب الصبر ، حيث جعله الله – سبحانه وتعالى - أحد الأسباب التي لا ينال الفوز إلا بها ،وعدم الصبر أحد أسباب الخسارة،و تجنُّبَ الأمر الْمُوجب للخسارة وعدم الفوز واجبٌ .

وعطف التواصي بالصبر على التواصي بالحق رغم أن التواصي بالصبر من التواصي بالحق لبيان أهمية الصبر وعظم أثره في تحقيق النجاة والسلامة من الخسارة .

وذكر التواصي بالصبر بعد التواصي بالحق مشعر بأن الدعوة إلى الحق تحتاج إلى مصابرة و صبر ،وأن الدعاة والمصلحين قد يلحقهم أذى من الناس فعليهم الصبر على أذى الناس، وتحمل ما ينالونه من الأذى .


هذا و الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات
 
عودة
أعلى