من طريف القرآن

أبو عبد المعز

Active member
إنضم
20/04/2003
المشاركات
638
مستوى التفاعل
26
النقاط
28
من طريف القرآن

1-

وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف : 85]


ما العامل الذي نصب " أَخَاهُمْ" وتعلق به الجار والمجرور " إِلَى مَدْيَنَ"؟

لتجد هذا الناصب عليك أن ترجع إلى الآية 59 أي تقلب ثلاث صفحات من المصحف إلى الخلف!!

لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف : 59]

فأنت ترى أن "إلى مدين" في الآية ( 85) معطوفة على "إِلَى قَوْمِهِ" في الآية (59) وفعل "أَرْسَلْنَا" الذي نصب " نوحا" هو نفسه الناصب ل "أَخَاهُمْ شُعَيْبًا" على بعد المسافة...

فهل تتوقع أن تجد مثل هذه المسافة بين العامل والمعمول في كلام العرب!!

وقبل ذكر "شعيب" ذكر ثلاثة رسل منصوبة بالعامل نفسه "أَرْسَلْنَا":

وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف : 65]

وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف : 73]

وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ [الأعراف : 80]

وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف : 85]

ولعلك تلحظ أن الرسل - عليهم السلام -افتتحوا كلهم كلامهم مع قومهم بعبارة واحدة : "يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ" إلا ما كان من قول( لوط): "أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ" ثم جاء قول( شعيب) بعده ليعود إلى عبارة إخوانه الرسل من قبله "اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ"

فهل في هذا إشارة خفية إلى أن فاحشة قوم لوط مساوية لعبادة غير الله! فقد كان من المتوقع أن يقول( لوط ) ما قال (نوح) و(هود) و(صالح) قبله وما قاله (شعيب) بعده ، وليس من المتوقع أن يشذ قول رسول عن أقوال إخوانه الرسل المتفقين على قول واحد في سياق واحد...إلا أن يكون التبكيت :" أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ" في قول( لوط) بمنزلة الأمر "اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ"...والله أعلم.

وهنا ملاحظة بلاغية أخرى :

لقد رأينا أن فعل " أَرْسَلْنَا" لم يتكرر لفظا وتعلق به ما بعده مع طول الكلام...ولو رجعنا إلى الآيتين السابقتين لذكر إرسال (نوح ) نجد فعل "يرسل الرياح" :

وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ

وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ [الأعراف : 58]

فانظر إلى التماثل البليغ بين إرسال الرياح وإرسال الأنبياء، وبين إنزال الماء وإنزال الوحي ...كل يأتي بالحياة ...إلا أن البلد منه طيب وخبيث فكذلك القوم منهم مؤمن وكافر!
 
2-

( الأربعون ) هل هو رمز التمام والكمال في القرآن!



كلمة "أَرْبَعِينَ" ذكرت في التنزيل أربع مرات ( ولك أن تلحظ التناسب الطريف بين الكلمة وعدد مرات تكرارها !)

1-

وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ [البقرة : 51]

2-

قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ [المائدة : 26]

3-

وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ [الأعراف : 142]

4-

وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الأحقاف : 15]



في آية (البقرة) ذكرت مدة الميقات وهي أربعون ليلة ، وجاء تفصيل في آية (الأعراف) نعرف من خلالها أن مدة الميقات في الأصل كانت ثلاثين ليلة فقط ،ثم أتمها الله بعشر لتصبح أربعين...

كأن الأربعين هو سقف الكمال...

ومما يرشح هذا المعنى- نسبيا - ما ورد في آية (الأحقاف) من كون الأربعين هو أشد الإنسان ، فالإنسان منذ خروجه من بطن أمه يتطور ويتقوى جسما وعقلا إلى أن يصل إلى نقطة الكمال في الأربعين، وبعدها يبدأ مسار الضعف والانحدار.

وعاقب الله قوم موسى بالتيه أربعين سنة بالضبط ،وكأن الأربعين هو تمام العقوبة ، أو لتتناسب الأربعون من الضلال في البيداء مع الأربعين من الليالي التي ضلوا فيها عن التوحيد فعبدوا العجل في زمن غيبة موسى - عليه السلام - لميقات ربه! والله أعلم.
 
3
الاحتفاء بشأن الصلاة بتكرار لفظها أو معناها في موضع واحد:

1-

في سورة (المعارج) جاء ذكر زمرة من المستثنين من نزعة الشر الفطرية في الإنسان ، فكان أول المستثنين : المصلون ، وكان آخر المستثنين المصلون أيضا، فالمصلون مفتتح السلسلة ( إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ) وختمها (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ):

إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35) [المعارج : 19 - 35]

2-

في سورة (المؤمنون) جاء الأمر نفسه...فأول ما ذكر في سلسلة المفلحين: المصلون (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) وآخر ما ذكر: المصلون أيضا ( وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ)

ذكروا مرتين في البدء والختام .

قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11) [المؤمنون : 1 - 11]

3-

في سورة (التوبة) جاء ذكر سلسلة من المبشرين بالجنة فمنهم المصلون الذين ذكروا مرتين مرة باسم (الراكعون) ومرة باسم (الساجدون )

التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [التوبة : 112]

4-

في سورة (المائدة) ذكر من صفات أولياء الله إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، وعندما ذكر المزكين كرر معهم فعل الصلاة (وَهُمْ رَاكِعُونَ)

إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ [المائدة : 55]

5-

وهذا المعنى نفسه تكرر في سورة (البقرة) في سياق توبيخ بني اسراءيل:

وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة : 43]

فجاء الأمر بالصلاة مرتين : قبل الأمر بالزكاة وبعدها...

( الركوع جزء من الصلاة، ومشهور في البلاغة صورة إطلاق الجزء وإرادة الكل)
 
عودة
أعلى